تحوّل من حركة مقاومة إلى ميليشيا طائفية

«حزب الله» يقامر بدعمه المطلق لنظــام الأسد

عدد قتلى «حزب الله» في سورية هو الأكبر منذ حرب ‬2006 مع إسرائيل. رويترز

يبدو أن (أمين عام حزب الله) حسن نصرالله، وصل الى طريق اللاعودة الشهر الماضي، ففي خطابه المدجج بالتحدي الذي ألقاه في ‬25 مايو، أكد أن حزبه الشيعي سيدعم نظام الرئيس بشار الأسد في سورية. وبذلك فقد كشف الغطاء عن سر لطالما أحاط بتورط «حزب الله» العميق في سورية.

وبالطبع فإن دعم الحزب لسورية كان جلياً من البداية، على الرغم من أنه بذل جهداً جباراً لتغطية ذلك، على الرغم من تصاعد أرقام القتلى الذين يدعوهم الحزب «بالشهداء».

وعلى الرغم من أن الخطاب يؤكد علنا ما كان يعرفه الجميع أصلاً، إلا أنه كانت تفوح منه رائحة طائفية قوية، الأمر الذي يمثل نقطة تحول بالنسبة للحزب. من حركة مقاومة الى ميليشيا طائفية. ووجه نصرالله انتقادات غير مسبوقة ولاذعة للمتشددين السنة في سورية. وتوقع «مرحلة جديدة» في صراع لبنان ضد التهديدات الخارجية، مضيفاً «الجهاديين في سورية» الى قائمة من الأعداء، التي تتضمن إسرائيل والولايات المتحدة.

ولابد أن التغير الذي أصاب «حزب الله» سيؤدي الى إثارة استجابة قوية من المعارضة السورية، إضافة الى أوساط السنة التي تزداد تشدداً. وهدد المعارضون السوريون خلال يوم الخطاب نفسه بالانتقام من الحزب الذي يشيرون اليه عادة باسم «حزب الشيطان». وحذر رئيس أركان الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس، من أنه لن يكون قادراً على «ضبط المقاتلين» الذين سيتخذون كل «الإجراءات الممكنة» إذا لم ينسحب «حزب الله» من سورية. وقال إدريس «سنطارد حزب الله الى الجحيم». وهدّد رئيس المجلس العسكري في حلب العقيد عبدالجبار العكيدي «بضرب معقل الحزب في الضاحية»، في إشارة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت معقل «حزب الله».

ويبدو أن العناصر المتشددة بين «سنة لبنان» وجهوا ضربات صاروخية الى معقل «حزب الله» في بيروت، وأطلقوا النار على حوزات الشيعة في مدينة بعلبك في البقاع. وحتى المنظمات السنية مثل جمعية علماء المسلمين في لبنان تدعو السنة الى دعم المعارضة السورية بكل طريقة ممكنة بما فيها القتال.

وكل ذلك يضيف مزيداً من القلاقل الى لبنان غير المستقر أصلاً. وبصورة أوسع فإن موقف «حزب الله» من القتال في سورية يؤكد الزخم الطائفي المتنامي في جميع أنحاء العالم العربي، فقد أصدر (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الشيخ يوسف القرضاوي في الاول من يونيو الجاري، فتوى تعتبر «حزب الله» وإيران «كفرة»، ودعا السنة في جميع أنحاء العالم للانضمام الى المعركة في سورية.

وفي مستهل الثورة السورية، تبنى «حزب الله» موقفاً دقيقاً، إذ إن نصرالله والآخرين من الحزب، أكدوا أهمية الحوار والاصلاح في سورية، وتقبل كل أطياف الشعب السوري. ولكن مع اشتداد المعارك وزيادة تهديد المعارضة للنظام السوري، تضامنت إيران و«حزب الله» مع النظام. وكان الحزب يقدم في البداية نصائح وتدريبات للقوات السورية، خصوصاً للشبيحة، إذ يعتقد انها مسؤولة عن المجازر التي وقعت ضد السنة، إضافة الى أشكال العنف الأخرى. ومع مرور الزمن توجه الحزب الى الخطوط الامامية. وفي هذه الايام يقدر تعداد مقاتلي «حزب الله» داخل سورية بالآلاف.

ويبدو أن معركة القصير كانت المحفز لاعلان «حزب الله» الصريح وقوفه إلى جانب النظام وتوجيه النقد اللاذع ضد السنة المتطرفين. وتمثل القصير أهمية كبيرة بالنسبة للنظام والمعارضة. لأنها تعتبر ممراً بين دمشق وساحل البحر المتوسط. وأما بالنسبة للحزب والمعارضة فإنها تشكل ممراً مهماً لنقل الاسلحة بين لبنان وسورية.

ويبدو الرهان في القصير كبيراً، كما ان النظام السوري، و«حزب الله» قد بذلا كل ما بوسهما للفوز بالمعركة. ونتيجة لذلك تكبد الحزب خسائر فادحة. وذكرت التقارير الإخبارية أن الحزب خسر العشرات من مقاتليه (يعتقد ان العدد اكثر من ‬75مقاتلاً) وهو أكبر رقم للقتلى يتعرض له الحزب منذ حرب ‬2006 مع إسرائيل. وبناء عليه من المفهوم أن نصرالله لم يعد يشعر بأنه قادر على انكار تورط «حزب الله» الكبير في سورية.

ومن المفارقات التي تدعو للسخرية أنه اختار ذكرى انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام ‬2000، التي مثلت نصراً كبيراً لجهود مقاومة الحزب، كي يعلن عن خطابه الطائفي. وكان من المثير سماع نصرالله وهو يكرر كلام حزبه التقليدي في المقاومة ضد إسرائيل، الذي كان بمثابة طريقة للتلاعب بعواطف الشارع العربي، في خضم الدعوة الطائفية الصريحة.

وكما هو دائماً سياسي لامع، فقد حاول نصرالله المناورة لإبعاد تهمة الطائفية عن خطابه، فأشار إلى أن السنة المتطرفين يشكلون خطراً على كل اللبنانيين، المسيحيين والدروز والسنة. وأشار الى حالات من «التكفيريين»، الذين وصفهم بأنهم يعارضون عقد الانتخابات. وذكر جمهوره أنه في العراق قتلت القاعدة من السنة أكثر مما قتلت من الطوائف الأخرى. وفي نهاية المطاف استغل الفرصة ليعترف أن اللبنانيين منقسمين بشأن الوضع في سورية، ولكنه نصح الجميع بإبقاء القتال داخل سورية ولا يجلبوه الى لبنان.

وعلى الرغم من أن خطاب نصرالله كان محركاً للعواطف إلا أن كلماته كانت جوفاء. وبعد نحو ساعتين من إلقاء الخطاب تم إطلاق صاروخين على معقل الحزب في الضاحية الجنوبية في بيروت. ولم ينجم عنهما سوى أضرار طفيفة إلا أنهما أكدا عمق الهوة بين رؤية نصرالله والواقع.

وربما أمل نصرالله أن دعم «حزب الله» الصرف للنظام السوري والحرب الاهلية الطائفية لن يكون له رد فعل سلبي على لبنان، ولكنه لن ينال أكثر من خيبة الامل. إذ إن دعم النظام السوري يمكن أن يثير العديد نتيجة التحريض خصوصاً من الطائفة السنية، كما أن صدقية الحزب في العالمين العربي والاسلامي تضررت بصورة لا يمكن إصلاحها مطلقاً، الأمر الذي سيضع الحزب في تناقض كامل مع الطائفة السنية ويحطم صورته.

 

منى يعقوبيان كاتبة في «فورين أفيرز»

 

 

تويتر