الرئيس الروسي يرى قضية «الطائرة السورية» تحدياً مباشراً له

خلاف أردوغان مع الأسد يزعزع علاقته مع بوتين

التقارب التركي - الروسي وصل إلى مرحلة متقدمة في عهدي بوتين وأردوغان. أ.ف.ب

الوقوف في وجه الرئيس السوري، بشار الأسد، شيء، لكن الدخول في معركة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شيء مختلف تماماً. فقد دخل رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ما قد يكون أكبر مقامرة في سياسته إزاء سورية حتى الآن، عندما أرغم طائرة قادمة من موسكو على الهبوط في أنقرة، واتهم روسيا علناً بنقل معدات عسكرية إلى دمشق، ويهدد الحادث بإلحاق أضرار بعلاقة مع «قوة عظمى سريعة الغضب» في وقت تحتاج فيه أنقرة إلى كل صديق يمكنها ضمه إلى صفها.

وعلى مدار أكثر من عام حرص الجانبان الروسي والتركي على ألا يكون للخلاف بشأن سورية تداعيات على علاقة تحكمها حاجة تركيا لإمدادات الطاقة ورغبة روسيا الشديدة في مسارات لخطوط الأنابيب، فضلاً عن المصالح الأمنية المشتركة في عدد كبير من بؤر التوتر في المنطقة.

ويقول أستاذ دراسات الأمن الوطني في كلية الحرب البحرية الأميركية، نيكولاسجفوسديف، إن «الخطر الآن هو أن تصبح سورية الإسفين الذي يفصم عرى ما كان شراكة متزايدة وحيوية بين موسكو وأنقرة»، ويضيف «لأن إرغام الطائرة على الهبوط تم بطريقة علنية على هذا النحو فسيرى بوتين في ذلك تحدياً مباشراً له».

وتزود روسيا تركيا بما يقرب من ثلثي امدادات الغاز، وغالباً ما تزيد صادراتها إليها خلال الانقطاعات المتكررة في إمدادات الغاز الإيراني في فصل الشتاء. ومن المقرر أيضا أن تساعد روسيا تركيا في بناء أول محطة للطاقة النووية، كما تعتزم روسيا اقامة خط انابيب ساوث ستريم، بطاقة 63 مليار متر مكعب، عبر المياه التركية لتغذية أوروبا. وتبرز الخطة مكانة تركيا شريكاً في المشروع، وتحفز البلدين للحفاظ على الصداقة، ويقول مسؤولون في وزارة الطاقة التركية إنهم لا يرون احتمالات تذكر لأن يلحق ضرر بهذه العلاقات بسبب سورية. ويقول محلل الطاقة التركي، هالوكدير شكنيلي، إن «البلدين بحاجة الى بعضهما، هذا الاحتياج المتبادل سيضمن أن يظل قطاع الطاقة محمياً». ولتحسين العلاقات مع روسيا قيمة خاصة لتركيا في وقت كلفها فيه دورها في تصدر معارضة الأسد خسارة صداقات أخرى في منطقتها. فهناك شعور بالسخط لدى إيران، أكبر داعم للأسد، كما ألحق قرار استضافة نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، الهارب، ضرراً بالغاً بالعلاقات بين أنقرة وبغداد. ويقول رئيس برنامج روسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، اندرو كوتشينز «كانت روسيا وتركيا في منتصف الطريق في عملية تقارب فريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الروسية التركية. أدى هذا في ما يبدو إلى تدمير ذلك على الأقل في الوقت الراهن».

وقال أردوغان ان الطائرة السورية وهي من طراز «إيرباص إيه-320»، التي أرغمت على الهبوط في أنقرة يوم الأربعاء الماضي، بعد تلقي معلومات مخابرات كانت تحمل عتاداً روسي الصنع لوزارة الدفاع السورية. وأشار مصدر مقرب من الحكومة التركية الى انه كان بإمكان تركيا تجنب حدوث اضطراب إذا اعترضت الرحلة سراً وحذرت الأطراف المشاركة في الخفاء بدلاً من الإدلاء بتصريحات علنية قوية. وقال المصدر إن اللهجة التي استخدمتها تركيا، وليست أفعالها، هي مصدر المشكلات. وبعد يومين من اعتراض الطائرة لم تقدم السلطات التركية أي تفاصيل بشأن محتويات الشحنة المصادرة. وقال مصدر في وزارة الخارجية الروسية ان موسكو لم تتلق أي رد على طلباتها بالحصول على توضيحات.

وتشعر تركيا العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي الذي يشترك في حدود مع سورية، بعزلة متزايدة بشأن دورها أحد المعارضين الرئيسين للأسد في الانتفاضة المستمرة منذ 19 شهراً، وسقط فيها نحو 30 الف قتيل، وتوفر أنقرة ملاذاً لزعماء للمعارضة السورية المسلحة، وقادت دعوات للتدخل الدولي. وأطلق الجيش التركي النار مراراً عبر الحدود على مدار الأيام الـ10 الماضية، رداً على اطلاق نار وقصف من سورية، وحذر من الرد بقوة أكبر في حال استمرار العنف.

ودفعت تركيا بطائرتين مقاتلتين صوب الحدود السورية، أول من أمس، بعد ان قصفت طائرة هليكوبتر سورية بلدة عزمارين السورية الحدودية. ونال هذا الموقف استحسان الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، وكذلك دول عربية تعارض الأسد، لكنها لم تحصل على دعم حقيقي يذكر. ويقول نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري (حزب المعارضة الرئيس) في تركيا، فاروق لوغ اوغلو، إن «تركيا معزولة تماماً بشأن سورية، ننال عبارات تأييد تقليدية من حلف شمال الأطلسي ومن واشنطن، لكن من دون أن يصحبها دعم ملموس».

من ناحية أخرى، تقف روسيا أكبر مؤيد للأسد في الأمم المتحدة، وباعت لدمشق أسلحة بقيمة مليار دولار في العام الماضي. لكن أنقرة تمكنت حتى الآن من تجنب السماح لموضوع سورية بتدمير علاقتها مع موسكو، ويرى وزير الخارجية التركي السابق، يشار ياكيش، أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية الحاكم «أنها قضية حساسة، ولكنّ هناك سبلاً لفصل المسألة السورية عن العلاقة التركية الروسية»، ويقول إن «قدرتنا على تحقيق ذلك من عدمها مسألة أخرى». وتدعم موسكو الأسد لحماية حليف نادر في الشرق الأوسط، ولأن بوتين يعتقد كمسألة مبدأ أن على روسيا استخدام نفوذها لمنع الغرب من التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان. ويقول مصدر في قطاع صناعة الأسلحة ان موسكو لم توقف تصدير الأسلحة لدمشق على الرغم من الانتقادات الغربية.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال في التاسع من يونيو الماضي، إن روسيا تنفذ عقوداً قائمة لتوريد أنظمة للدفاع الجوي لاستخدامها لمواجهة الهجمات الخارجية، ولا ترسل لسورية أسلحة يمكن استخدامها في الصراع الداخلي، واشارت تقارير إعلامية تركية وروسية الى ان البضائع المصادرة في تركيا تشمل معدات اتصالات تندرج في إطار ما تصر موسكو على انها صادرات قانونية. ويقول موقع اخباري محلي على الانترنت، في مدينة تولا، على بعد نحو 200 كيلومتر من موسكو، وتضم بعض الشركات الدفاعية، إن البضائع جاءت من مصنع لأنظمة الدفاع الجوي، وغيرها من الأسلحة عالية الدقة. ويؤكد ممثل للمصنع أن للمصنع عقوداً مع سورية، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

ويقول متحدث باسم الشركة التي تحتكر تصدير الأسلحة الروسية إن الطائرة لم يكن على متنها أي أسلحة من الشركة. لكن بإمكان شركات الدفاع الروسية توقيع عقود مباشرة مع عملاء في حالات «محددة». ويقول المحلل في شؤون الدفاع، الكساندر جولتس، من موسكو «إذا كانت هناك بعض أجهزة اللاسلكي الالكترونية فأحد الاحتمالات أن ذلك تهريب غير مشروع، وهو ما يعني أن السلطات السورية تعاملت بشكل مباشر مع منتجي هذه المعدات، ولم تبلغ السلطات الروسية. البديل الثاني أنها عملية سرية من جانب الحكومة الروسية». ويضيف أن «هذه المبيعات على الرغم من انها قانونية ربما نفذت في سرية أكبر لتجنب ضغوط دبلوماسية مثل التي أثارتها روسيا بعد إرسال شحنات طائرات هليكوبتر وذخيرة إلى سورية، في حادثين منفصلين في وقت سابق هذا العام، وفي الوقت الراهن تحاول موسكو وأنقرة، في ما يبدو، تجنب التصريحات التي من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد الخلاف. وعقد بوتين اجتماعاً بشأن سورية مع المجلس الاستشاري الأمني الخاص به، أول من أمس. وقال تقرير بثته وكالة الإعلام الروسية المملوكة للدولة، انه تمت مناقشة تدهور العلاقات بين تركيا وسورية، لكنها لم تشر إلى حادث الطائرة وكان من المتوقع أن يزور بوتين تركيا الأسبوع المقبل. وقال مسؤولون أتراك قبل ساعات من إرغام الطائرة على الهبوط، ان روسيا طلبت تأجيل الزيارة، مشيرة الى ازدحام جدول أعماله. ورداً على سؤال بشأن ما اذا كان للتأجيل صلة بحادث الطائرة، قال المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، ان الرئيس الروسي وأردوغان ناقشا هاتفياً يوم الاثنين الماضي، أي قبل الحادث بيومين، تحديد موعد آخر، مضيفاً أن الثالث من ديسمبر المقبل «موعد محتمل».

تويتر