الخطف الطائــــفي يعيد شبح الحرب الأهلية إلى لبنان

مرارات الاقتتال في سورية امتدت بآثارها إلى لبنان. رويترز

بعد أكثر من 20 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية التي عاناها لبنان على مدى أكثر من 15 عاماً، يواجه لبنان واحداً من أكبر المخاوف التي تهدد، ليس استقراره المحلي فحسب، بل والإقليمي، وهي عمليات الاختطاف على اساس طائفي.

فقد أكدت السلطات اللبنانية قبل أيام أن هناك 20 شخصاً، بينهم سعودي ورجل اعمال تركي وعدد غير محدد من السوريين، محتجزون لدى عشيرة آل مقداد في وادي البقاع، على مقربة من الحدود السورية. ويبدو أن اختطاف هؤلاء السوريين محاولة لإرغام الجيش السوري الحر على إطلاق سراح أحد أفراد العشيرة، ويدعى حسن المقداد، الذي يقول عنه انه ينتمي إلى «حزب الله» اللبناني، وإنه كان يقاتل في صفوف قوات النظام السوري، وهو ما تنفيه عائلته.

وأيقظت عمليات الاختطاف هذه أشباح الماضي التي يحاول اللبنانيون جاهدين نسيانها، من الممارسات البغيضة من الطائفية والاختطاف والعنف في سياق جحيم الحرب الاهلية، وبدت كأنها مرتبطة بتأثير الاضطرابات الجارية منذ أكثر من 17 شهراً في سورية المجاورة، ورغم الاستقرار الظاهري فإن لبنان لايزال يعاني المشكلات نفسها الموجودة منذ انتهاء الحرب الأهلية، مثل الانقسامات وسط النخبة السياسية، وضعف الحكومة، ونظام المحاصصة الطائفية الذي يحول دون نهوض الدولة وتخلصها من خراب الحرب الأهلية.

ومع تحول الصراع في سورية إلى حرب أهلية، كان لبنان يحاول جاهداً تجنب امتداد الصراع الطائفي إلى أراضيه، بعد ان كان كثير من اللبنانيين ينظرون إلى سورية على أنها دعامة لاستقرار بلادهم، لكن مع التدهور المستمر في سورية، اصبح اللبنانيون يخشون على نحو متزايد من انتقال الاضطرابات في سورية إلى لبنان.

ويبدو من الواضح أن حرب الانابة الخفية بين دول سنية وأخرى شيعية، مثل السعودية وقطر وتركيا، التي تدعم الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة السورية، وإيران و«حزب الله» اللذين يدعمان نظام الرئيس السوري بشار الاسد، قد زادت حدة التوترات في لبنان.

وفي رد فعل مباشر على عمليات الاختطاف في لبنان طلبت معظم دول الخليج العربية من رعاياها مغادرة الاراضي اللبنانية على الفور، حرصاً على سلامتهم.

وتقول الموظفة في البنك المركزي اللبناني ساجدة فهمي «لا أريد أن نعود الى حال ،1985 وهناك من يحب أن يقتتل السنة والشيعة مع بعضهم، ولا يمكن القبول بهذا، فأين الدولة اللبنانية؟».

ومنذ بداية الازمة في سورية يحاول لبنان تلمس السبل للحفاظ على أمنه واستقراره، وتجنب انزلاقه الى الانفجار الامني، رغم تعالي اصوات التحريض.

وفي هذا السياق يقول النائب وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي «نشهد انهيار اتفاقية سايكس - بيكو الموقعة 1919 التي قسمت بلاد الشام الى مناطق نفوذ، ونعيش لحظات النهاية لما تم إيجاده من المستمر قبل 90 عاماً».

وعلى اية حال فإن أي دولة في المنطقة، بما فيها لبنان، لم تكن مستقرة أو آمنة داخل حدودها، بل تأثرت جميع الدول بالمستجدات والمتغيرات الإقليمية.

ويضيف جنبلاط «يمكن للعلويين التحرك الى شمال سورية واقامة كيانهم في منطقة اللاذقية، وذلك سيفضي الى تغييرات كبيرة في لبنان».

ويستثمر «حزب الله»، أكبر قوة سياسية تمثل الشيعة اللبنانيين، بقاء نظام الرئيس الاسد ودعم ايران له، ولا تظهر الاغلبية الشيعية في قرى الجنوب اللبناني أي قلق او خوف مما ينتظر لبنان خلال الاشهر الستة المقبلة، أو ما تخبئه الايام، إذ يقول تامر علي من مدينة صور «هناك شيء ما قادم وسيحدث، وقد يكون المعتدي الاميركيين أو الاسرائيليين، من يدري؟».

ويقول مسؤول في الحكومة الائتلافية الحالية إن حرارة النار ستصل الى لبنان، وكل يوم انت تعمل كفريق لإطفاء تلك الحرارة، الا أنها لاتزال تغلي في الجانب الآخر. ويوجد في صفوف معارضي نظام الاسد حالياً مقاتلون اسلاميون متطرفون قادمون من بلدان عديدة، منها ليبيا وبريطانيا وباكستان وافغانستان ومصر وتونس والعراق، ما يثير مخاوف الغرب من سيطرة القاعدة على هؤلاء.

ورغم تأكيد عشيرة المقداد أنها لن تستهدف رعايا السعودية وقطر وتركيا إلا ان الوضع في لبنان لايزال يبعث على القلق وسط تصاعد المخاوف من عدم قدرة الحكومة اللبنانية على التعامل مع تداعيات الانتفاضة المستمرة في سورية.

ويقول مستشار سياسي في بيروت انه يخشى ألاّ تكون لدى لبنان القدرة الصمود في وجهة التوترات أشهراً طويلة «فالشيعة والسنة لا يودون الاقتتال في ما بينهم، وانا مقتنع بهذا، لكن الى أين سيقودنا الوضع الحالي؟».

مارتن شولوف - كاتب ومراسل صحافي في «الغارديان» والمقال منشور فيها

تويتر