الناشطون مصممون على انــتفاضات شعبية تطيح نظام البشير

احتجاجـات السودان.. بذرة لربيع مقبل

الاحتجاجات بدأت بجامعة الخرطوم وانتشرت في مدن عدة وشهدت مواجهات مع قوات الشرطة. أ.ب

أمام البوابة الخارجية لجامعة الخرطوم تراقب أعداد من قوات شرطة مكافحة الشغب بزيها الأزرق شباباً وفتيات من طلاب الجامعة وهم يسيرون ويتحركون بشكل طبيعي، حاملين كتبهم ودفاترهم الجامعية، وتحت أشعة شمس الصيف الحار. وقبل أسبوع كان حرم الجامعة ساحة معركة لمواجهات دامية بين مئات الطلاب وقوات الشرطة التي أطلقت عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع النار، واستخدمت الهراوات لتفريقهم بعد ان رشقوها بالحجارة.

ولم يكن احد يتوقع ان تصمد الهدنة الهشة بين الجانبين، بعد اسبوع من التظاهرات والاحتجاجات الطلابية ضد حكومة الخرطوم التي أشعلت فتيل هذه الاحتجاجات بإجراءات مالية مثيرة للغضب، مثل زيادة الضرائب واستقطاعات في الميزانية، حيث تم اعتقال أعداد من هؤلاء الطلاب المحتجين والناشطين. ومازال من السابق لأوانه معرفة، ما إذا كانت هذه التظاهرات والاحتجاجات ستكون بذرة جديدة لواحدة من ثورات الربيع العربي التي بدأت في تونس، وامتدت لتشمل مصر وليبيا (واليمن وسورية). غير أن رد الفعل القاسي والخشن في تعامل قوات الشرطة مع المتظاهرين يظهر مدى قوة موقف الرئيس السوداني عمر البشير وحكومته، الذين يكافحون لاحتواء حركات التمرد المسلحة والازمات الاقتصادية الناجمة عن فقدان السودان قسماً كبيراً من العوائد النفطية ورسوم مرور البترول المصدر من جنوب السودان الى الخارج.

وفي خطاب له يوم الاحد الماضي هاجم البشير المتظاهرين والمحتجين ووصفهم بأنهم «حفنة من الحاقدين والمحرضين المرفوضة أهدافهم»، من ابناء الشعب السوداني.

وقال «لقد تجولت في سيارة مكشوفة في أرجاء العاصمة، ولم ألاحظ شيئاً، وتلقيت التحية من الناس الذي كانوا يهتفون: الله اكبر، وان كل من يتوقع ان يمر الربيع العربي بالسودان سيكون مخطئاً وخائب الامل». غير ان الناشطين الراغبين في إنهاء حكم البشير ونظامه المستمر منذ 23 عاماً، يستشعرون الفرصة للتغيير في الاضطرابات الاقتصادية ويقدمون صورة مختلفة، ويقولون إنه لا مفر ولا مهرب من موجات الانتفاضة الشعبية، كما يقول عنوان مقال بهذا الشأن على الموقع الالكتروني لمجموعة «قرفنا»، أو طفح الكيل. وعلى الرغم من ضعفها تحاول احزاب المعارضة من خلال دعمها المتظاهرين الضغط على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، لحمله على انتاج سياسة انفتاح سياسي في البلاد وانهاء الحروب التي تضعف السودان وتلهب مناطقه الغربية والجنوبية.

وعرض تحالف من جماعات المتمردين اعلان «وقف طويل لإطلاق النار»، إذا ما تمت الاطاحة بنظام البشير، وعلى الرغم من أن آمال المعارضين والمتحتجين تبدو بعيدة المنال، إلا ان الناشطين أبدوا مزيدا من الثقة والشجاعة، حينما انتشرت التظاهرات خارج تجمعات الطلاب لتشمل العديد من الضواحي في الخرطوم ومدن سودانية اخرى.

وسيعتمد نجاح حركة التظاهرات على مدى استمرار التوجهات والرغبة في الاحتجاج والتظاهر، ووضع جدول زمني للتظاهرات، حيث دعا قادة الناشطين الى مزيد من الاحتجاجات والمسيرات الضخمة في نهاية كل اسبوع، حيث يعتبرها المحللون اختبارا كبيرا لمدى مرونتهم وتكيفهم مع الظروف.

وقد أنشئت جامعة الخرطوم بطوبها البني على شاطئ نهر النيل في بدايات القرن الـ،20 لتصبح سريعاً ركناً ركيناً وحصناً حصيناً للثورات وحركات التغيير السياسي على مدى عقود، حيث لعبت هذه الجامعة دوراً مركزياً في انتفاضتين، اطاحتا نظامين عسكريين للسودان الاول في ،1964 والثاني في .1985

ويقول ناشطون ان قوات الامن تفرط في استخدام القوة لاسيما الهراوات ضد المتظاهرين، بينما ينفي المسؤولون ذلك. وغالبا ما تلتزم وسائل الاعلام المحلية الصمت ازاء ما يجري بين المتظاهرين وقوات الشرطة، ويقتصر نشاطها على بث ونشر تصريحات المسؤولين السودانيين، الذين يسارعون الى إلقاء اللوم على ما يصفونه بـ«عناصر وأيادٍ خارجية».

ويقول محللون إن حكومة الخرطوم تفتقر إلى خيارات في السياسة العامة تساعد على ترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي، لذا فهي تلجأ بشكل متزايد الى التدابير الامنية للحفاظ على النظام العام، ولو في المدى القصير على الاقل. ويقول الباحث المتخصص في الشؤون السودانية بجامعة اوكسفورد، هاري فيرهوفن، «يبدو نظام البشير محروماً من الأفكار التي تساعده على استعادة زمام المبادرة الاقتصادية والسياسية، وأصبح الافق الزمني للاعبين الرئيسين اسابيع بدلاً من أشهر وأعوام». حينما أقدمت الحكومة على رفع الدعم عن اسعار الوقود والمحروقات، وصف وزير المالية السوداني هذه الإجراء بأنه «إجراء اعلان حالة افلاس»، يكشف عن مدى سوء الازمة المالية التي تعانيها الحكومة. وسعى المسؤولون السودانيون طويلا لتجنب اتخاذ تدابير مالية واقتصادية قاسية تفتقر الى التأييد الشعبي، لان جزءاً كبيراً من الشعب يعتبرها تغذية للتضخم، لكن هؤلاء المسؤولين يقولون انه لم يكن امامهم أي بديل أو خيار آخر.

ومازال الاقتصاد السوداني يعاني، بعد سنوات طويلة من النزاعات والحروب، سوء الإدارة وآثار العقوبات الاميركية وانفصال الجنوب في دولته المستقلة قبل عام. وقد استولت دولة جنوب السودان على ثلاثة ارباع ثروة النفط، لتحرم الشمال مصدراً رئيساً للعملات الصعبة. وقد توصل الاعداء السابقون في حرب الامس الى اتفاق يقضي بتقاضي الخرطوم رسوماً مقابل تصدير نفط الجنوب من موانئها ومروره عبر أراضيها، لكن الطرفين غرقا مجدداً فيما وصفه المحللون «حرب الانهاك والتآكل»، ما أفشل الاتفاق واعاد التوترات والاشتباكات بينهما.

وبسبب الاهمال خلال سنوات الازدهار الناجمة عن زيادة انتاج النفط، فشل قطاع الزراعة والقطاعات الانتاجية الاخرى في تعويض ما خسره الشمال من النفط، تاركة حكومة الخرطوم بموارد متواضعة عاجزة عن سد العجز المالي العام الكبير، الذي يصل الى 2.4 مليار دولار.

ويقول رئيس دائرة الشؤون الاقتصادية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم صابر حسن، إن حالة الإلحاح الاقتصادي لتحقيق الاجماع السياسي في الحزب «استدعت اتخاذ اجراءات تقشف جديدة، فكان من الضروري البدء في عملية الاصلاح هذه في هذا الوقت، حتى نضع حداً لحالة التدهور». ومن جانبه يقول الخبير الاقتصادي السوداني ووزير الدولة السابق في وزارة المالية، عبده يحيى المهدي، «إذا كان الغرض من الاصلاح الاقتصادي هو الوصول الى حالة من الاجماع السياسي، فقد يكون بإمكاننا وقف حالة التدهور الاقتصادي، واذا لم تتغير الامور على الساحة السياسية وبقيت الحكومة راغبة في استمرار الوضع الراهن فأظن اننا سنشهد المزيد من التدهور الاقتصادي، بغض النظر عن نتائج ما تم اتخاذه من تدابير تقشف أخيراً».

تويتر