أخطـار ماثلة تُهدد مستقبـل المياه العربية

نصيب الفرد من المياه في المنطقة العربية يقل عن المتوسط الطبيعي.                أرشيفية

يواجه الوطن العربي تحديات مائية كبيرة في الوقت الراهن، لكن تنتظره في المستقبل القريب عقبات أكثر صعوبة، من ضمنها النزاعات والشركات العملاقة العاملة في مجال تجارة المياه العذبة والتحديات السكانية. وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية، أشار المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، إلى احتمال ظهور عجز مائي كبير في المنطقة يقدر بنحو 261 مليار متر مكعب عام 2030 .وأوضحت ان الوطن العربي يملك مخزوناً ضخماً من الموارد المائية غير المتجددة، يعتبر احتياطاً استراتيجياً ويستثمر منه حالياً نحو 5٪.

وتقدر كمية المياه المعالجة والمحلاة بنحو 10.9 مليارات متر مكعب سنوياً. أما بالنسبة للحاجات المائية المستقبلية فهي مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي التي أصبحت بين الأعلى في العالم. فمن المتوقع ان تصل الى 735 مليون نسمة عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة عام 1991 .

وتشير معظم الدراسات العلمية إلى أن نصيب الفرد من المياه في المنطقة العربية سينقص نقصاً حاداً وخطيراً. ويمثل هذا النقص المتوقع نتيجة لمجموعة من المتغيرات الطبيعية والاقتصادية والسياسية المتنوعة. أما التغيرات السياسية فتتركز بالأساس في تطلع دول الجوار إلى لعب دور إقليمي مؤثر في الشرق الأوسط، الأمر الذي يدفعها إلى محاولة التحكم في مصادر الماء في المنطقة.

الحروب والنزاعات

ان مشكلات المياه لن تُـحَل من تلقاء نفسها، بل إنها على العكس من ذلك ستتفاقم ما لم نستجب لها بصفتنا مجتمعاً عالمياً. وتُظهر سلسلة من الدراسات التي أجريت أخيراً مدى هشاشة التوازن المائي في كثير من الأجزاء الفقيرة وغير المستقرة من العالم. كما أصدرت هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة أخيراً تقرير تنمية المياه في العالم لعام 2009 ،وأصدر البنك الدولي نتائج دراسات مكثفة أجراها في الهند تحت عنوان «اقتصاد المياه في الهند.. الاستعداد لمستقبل عامر بالاضطرابات»، وفي باكستان تحت عنوان «اقتصاد المياه في باكستان.. الجفاف القادم»؛ وأصدرت جمعية آسيا مراجعة لأزمة المياه في آسيا تحت عنوان «التحدي القادم في آسيا: تأمين مستقبل المياه في المنطقة»، وغيرها من التوقعات المستقبلية المظلمة، وكلها توحي بعواقب مروعة، مثل الجفاف والمجاعة، وخسارة مصادر الرزق، وانتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه، والهجرات القسرية، والصراعات المفتوحة. وفي دراسة لمؤسسة الاستشارات الدولية «برايس ـ ووترهاوس ـ كوبرز» أشارت إلى أن نحو ثلثي سكان العالم سيعاني من شح المياه في العام 2050.

ورشحت عدد من المناطق حول العالم لكي تكون مسرحاً لنزاعات مسلحة، وضمن هذه المناطق الدول التي يمر بها نهرا دجلة والفرات، وهي تركيا وسورية والعراق. ومنطقة شط العرب بين العراق وإيران. ودول النيل: مصر والسودان وإثيوبيا. إضافة إلى النزاع على نهر الليطاني في لبنان.

ويذكر أن إسرائيل كانت قد احتلت طوال 22 عامًا شريطًا حدوديًا في جنوب لبنان كان يضم نهر الحاصباني ورافده، مع العلم أن ثلثي المياه المستهلكة في إسرائيل تأتي من الأراضي المحتلة، بينما قرابة النصف من المنشآت المائية الإسرائيلية يقع في مناطق لم تكن ضمن حدود الدولة العبرية في 1967.

خيار الخصخصة

لم يبدأ معظم دول الخليج بعد في أخذ خطوات تجاه خصخصة المياه، إلا أن البحرين قد سمحت، أخيراً، للقطاع الخاص لتنفيذ مشروعات مائية مثل محطات التحلية وإقامة السدود المائية، كذلك فإن المملكة السعودية قد بدأت فعلياً إشراك القطاع الخاص في مشروعات المياه، ولم تنتقل هذه المشروعات بعد إلى التطبيق العملي ولكنها في التحضيرات النهائية. أما في الأردن فقد بدأت وزارة المياه والري وضع الخطط الخاصة بالاستراتيجيات والسياسات المائية مع تركزها على إدارة الطلب على المياه، وبدأت في وضع برنامج للخصخصة لاستقطاب الدعم المالي من المستثمرين. وبدأ عدد من دول العربية الأخرى في تبني نهج الخصخصة، راوح بين الشراكة والتعاون.

غول الشركات العملاقة

تستقطب صناعة المياه شركات كبرى متخصصة حول العالم، ويطالب البنك الدولي الولايات المتحدة وأوروبا بالتسريع في عملية الخصخصة، من خلال دعم الدول النامية بالتقنيات والقروض الضرورية لإنشاء المشروعات المائية. ويذكر أن عدداً من برامج الخصخصة قد بدأ أوائل التسعينات في الهند وبعض الدول اللاتينية وماليزيا وأستراليا وغيرها. إلا أن البنك وضع شروطاً صعبة على القروض ما أرهق كاهل الاقتصادات في تلك الدول. وتشترط الشركات الخاصة أن تحصل على نسب كبيرة، مثل الشركة الفرنسية «السويس الليونية للمياه»، التي أصرت أن يكون نصيبها 35٪ في المشروعات التي تقوم بها في شيلي.

ويقول الخبراء ان سياسة البنك في إدارة مشروعات المياه وفوائد القروض لن تسهم في حل أزمة المياه في البلدان النامية بل حرمت ملايين البشر من هذه المادة الحيوية.

وتقوم 10 شركات خاصة، تُصنف ضمن أقوى 500 شركة عالمياً، باحتكار معظم المشروعات التي تقام في البلدان الفقيرة، بدعم من البنك الدولي. وتأتي على رأسها الشركة الفرنسية «فيولا أنفورنمو» والألمانية «آر دبليو إي ـ إيه جي».

وتقدم هاتان الشركتان خدمات التزويد بالمياه ومعالجة المجاري لنحو 300 مليون شخص في 100 دولة. وتتنافس معها شركات عملاقة مثل «بويغ سو» و«تايمز ووتر» و«يتشل يونايتد يوتلتيز» البريطانية و«أميركان انترناشيونال غروب».

وتقول الدراسات إن الشركات الخاصة ستدير 70٪ من موارد المياه في أوروبا وأميركا الشمالية بحلول .2015 وفي إفريقيا واجهت مشروعات المياه الخاصة مشكلات كبيرة ولم تستطع حل المشكلة، بل على العكس، فقد تفاقمت الأمور في البلدان التي استضافت مشروعات مولها البنك الدولي جزئياً أوكلياً.

ففي تنزانيا أقيم مشروع لإنتاج المياه الصالحة في ضواحي العاصمة، في عام 2000 وأسهم البنك بنحو 90 مليون دولار، إلا أن أزمة المياه لاتزال قائمة في حين يشتكي التنزانيون من ندرتها.

لم تفلح برامج الخصخصة في إيجاد حل لأزمة المياه ويقول الخبراء إن معظم المشروعات التي أقيمت حتى الآن أدت إلى تفاقم الوضع، وتحولت إلى كوابيس اجتماعية واقتصادية لكثير من الدول. وتولدت قناعة عند الكثيرين بأن الشركات المتعددة الجنسيات لايمكن بأي حال من الأحوال مساعدة الشعوب الفقيرة من دون مقابل، وما يزيد الطين بلة وقوف مؤسسة البنك الدولي وراء هذه الشركات. وحتى الآن لم تدخل هذه الشركات إلى الوطن العربي بشكل لافت، وهناك تخوف بأن تلقى المشروعات التي ستقام في المنطقة المصير نفسه الذي واجهته في أميركا اللاتينية وبعض الدول الإفريقية والآسيوية.

التحديات السكانية

ويشير بحث لمركز أبحاث خليجي إلى أن هناك 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية، فمتوسط نصيب الفرد من المياه سنوياً في الوطن العربي يقل عن 1000 ،منخفضاً بذلك عن المتوسط الطبيعي للفرد.

وتنبع أزمة المياه في الوطن العربي من عوامل وهي نقص الموارد المائية. والزيادة السكانية التي تعتبر من أهم العوامل التي تساعد على تفاقم الأزمة. وسوء إدارة الإنسان لمصادر المياه المتنوعة. وفي الوقت الذي يشهد فيه الوطن العربي تزايداً سكانياً كثيفاً تتناقص موارد المياه فيه بشكل خطير. ويعتبر اليمن من الدول التي سجلت أعلى مستويات الزيادة. وفي ذلك يقول مدير معهد سياسات الأرض في واشنطن لستر براون «أُجريت دراسة تحليلية على وضع المياه في اليمن من قبل البنك الدولي، أشارت إلى أن المسطحات المائية تتناقص في شتى أنحاء البلاد، وتصادف أن معدل النمو السكاني في اليمن واحد من أسرع المعدلات في العالم» مضيفاً «لذا يوجد هذا التضارب بين زيادة عدد السكان بهذا المعدل وانخفاض إمدادات المياه بهذا القدر، وفي وقت من الأوقات سينتقل اليمن إلى وضع أزمة». ويقول تقرير البنك إنه إما سيتعين على اليمنيين إيجاد طريقة للحصول على المياه ونقلها إلى صنعاء، أو أن تصبح العاصمة مدينة مهجورة. وقد اضطرت بعض المجتمعات في العالم إلى الهجرة لأن إمدادات المياه الجوفية نفدت في المدن التي تقطنها. وإذا استمرت الزيادة السكانية على هذا النحو، تتوقع الدراسات أن يصل عدد سكان المنطقة العربية إلى 735 مليوناً في 2030.

تجديد الاتفاقات

تطالب بعض دول حوض النيل بتعديل اتفاقية 1929 التي تنظم توزيع المياه بين الأعضاء بسبب تزايد الطلب على المياه في تلك الدول. وتتحفظ مصر بشدة على كل تعديل لأن ذلك سيلحق باقتصادها ضرراً كبيراً، كونها دولة المصب.

وصرح مسؤول مصري بأن انسحاب أي دولة من الاتفاقية سيكون بمثابة إعلان حرب على مصر.

وتؤكد القاهرة على أنها توافق على إقامة السدود على مجرى نهر النيل أو أي مشروع يهدف إلى تنمية الدول المعنية وتزويدها بالكهرباء لكن من دون المساس بحصة مصر. وتطمع إسرائيل في أن يكون لها بصورة غير مباشرة اليد الطولى في التأثير في حصة مياه النيل الواردة إلى مصر وبدرجة أقل السودان؛ وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم.

وتحاول إسرائيل إقناع إثيوبيا بأن توزيع مياه النهر يتم بطريقة غير عادلة.

وتناقلت أخبار في السنوات الأخيرة عن مساعدات إسرائيلية لإثيوبيا من أجل إقامة السدود، وغيرها من المنشآت التي تمكنها من السيطرة والتحكم في مياه النهر.

تحلية البحار

من المتوقع أن يزداد التركيز على تحلية مياه البحار في السنوات المقبلة، علماً بأن معظم البلدان العربية دول ساحلية، ما يعطيها ميزة وجود مصدر للمياه بكميات لا حدود لها، تمكن تحليتها والاعتماد عليها مورداً إضافياً. كما تعتبر في الدول مصدراً أساسياً للمياه.

فعلى سبيل المثال تمثل مياه البحر المحلاة اكثر من 75٪ من المياه المستخدمة في دول الخليج العربية بينما ترتفع النسبة الى 95٪ في دولة الكويت.

وقد أظهرت دراسة أعدت من قبل مفوضية الطاقة النووية في فيينا عام 1992 ان كُلفة نقل المياه بواسطة ناقلات النفط من أوروبا الى تونس تزيد على دولار أميركي واحد لكل متر مكعب، كما أظهرت أن نقل المياه إلى شمال إفريقيا عبر الأنابيب تزيد كُلفته على كلفة المياه المحلاة بكثير، على المدى الطويل.

موازنة الاحتياجات

لا يستطيع نحو 30٪ من السكان الوصول بسهولة إلى مياه الشرب في المنطقة العربية، كما أن المياه المستخدمة في الزراعة لا تسمح بتحقيق احتياجات السكان من الغذاء بصفة كاملة.

وتفترض الدراسات المتخصصة حول ميزان الموارد المائية المتاحة والطلب عليها، على مستوى الوطن العربي للسنوات: 2000 و 2010 و 2025 أن الوطن العربي وحدة مائية وأرضية واحدة بغض النظر عن التفاوت في توفير الأراضي الزراعية والمياه بين البلدان العربية المختلفة.

ولتقدير الموارد المائية للفترات المذكورة تم الاعتماد على مشاهد استشرافية بديلة تأخذ بعين الاعتبار افتراض تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من الغذاء مع حدوث بعض التغييرات المحتملة في ما يخص تنمية الموارد المائية والسياسات المائية وخصوصاً ما يتعلق برفع كفاءة استخدام المياه. وفي حالة تنمية الموارد المائية المتجددة وتحسين كفاءة الاستخدامات من 50 الى 70٪، وهو أفضل المشاهد المستشرفة، فإن العجز المائي سيكون في حدود 82 مليار متر مكعب سنة ،2025 كما أن نسبة تأمين الغذاء ترتفع من 65٪ سنة 2000 إلى 82٪ سنة 2025م.



مصادر

«البنك الدولي»

«الجزيرة نت»

«مجلس المياه العالمي»

«غلوبل بوليسي فوروم»

تويتر