يجب عليها مراعاة مصالح واشنطن في المنطقة

قطر مطالَبة باتباع سياسة جديــــدة لطمأنة جيرانهــا وأميركا

صورة

يبدو أن الأزمة الخليجية مع قطر لن تشهد حلاً قريباً، فبعد أن قررت دول عربية عدة وضع حد لسياسات قطر وتصرفاتها المثيرة للجدل، وصلت العلاقة مع هذه الدولة الخليجية الصغيرة المنتجة للغاز إلى طريق مسدود. ورغم الوساطات التي تدخلت لحل المعضلة بين الطرفين، وأهمها الكويت، ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، إلا أن الوضع لايزال على ما هو عليه منذ بدء الأزمة في يونيو الماضي.

وعلى الرغم من أن الخلافات ترجع إلى عقود مضت، إلا أن الأزمة الحالية أدت إلى انقطاع العلاقات وإغلاق الأجواء والبحر والبر في وجه قطر، الأمر الذي يعتبر أشد خطورة مما كان عليه الأمر قبل بضعة أعوام، عندما اعتبرت دول الخليج أن قطر حادت عن جادة الصواب، وأدى ذلك الى اتفاق الرياض عام 2013، ومن ثم إلى إجراءات أخرى إضافية في العام التالي. ويأتي الرد القوي الحالي على قطر ليس نتيجة لتجاهلها الاتفاقات السابقة، وإنما لأن سياسة هذا البلد الصغير داست عليها جميعها. وعندما قدمت السعودية والامارات والبحرين ومصر مطالبها الـ13 من أجل حل الأزمة رفضتها قطر فوراً، واعتبرها وزير خارجيتها، محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، أنها «عدوان». وتكمن الأسباب الرئيسة وراء النزاع بين قطر والدول العربية الأخرى في دعم الدوحة لـ«الإخوان المسلمين»، وعلاقاتها القوية مع إيران، إضافة إلى دعمها المالي الكبير للمنظمات المتطرفة في الحرب الأهلية السورية، واستخدامها قناة الجزيرة الحكومية كمتحدث باسم النظام القطري وأداة من أجل الدعاية المعادية ضد الدول المجاورة.

العامل الخارجي

ومنذ صعود «الإخوان» في مصر، ومن ثم سقوطهم، واصلت الدوحة الدعم الثابت لهذا التنظيم، على الرغم من التهديد الذي يشكله على معظم الدول المجاورة لها. وأصبحت الدوحة ملاذاً للكثير من قادة «الإخوان»، حيث يقيمون في الفنادق ذات الـ5 نجوم في الدوحة. ولطالما كان يوسف القرضاوي ضيفاً يحظى بالاحترام والتبجيل في قطر، حيث يعيش في هذه الدولة منذ عام 1961. وكان قد أصدر العديد من الفتاوى، عبر قناة الجزيرة، من ضمنها القول بجواز القيام بعمليات إرهابية راح ضحيتها العديد من الأميركيين في العراق وأفغانستان. ولو كانت هذه هي كل المشكلات لكان من الممكن التغلب عليها.

وجوه عدة

سياسة لا أخلاقية

في حقيقة الأمر، إن سياسة قطر الخارجية اللاأخلاقية لن تنعكس آثارها السيئة على المنطقة فحسب، وإنما ستكون ضارة على المصالح الأميركية أيضاً في داخل أميركا وخارجها.

وبالنظر إلى أهداف الرئيس ترامب، التي وضعها في قمة الرياض، يتعين عليه أن يعمل على إحداث تغيير في تصرفات الدوحة المتعددة الوجوه، ويعيدها إلى جادة الصواب، وبشروط تنسجم مع رؤيته.

وهذا يعني أن هذه العملية تستحق المحاولة بشرط أن تكون من أجل المصالح الأميركية، وليس لمصلحة أولئك الذين أدمنوا على المال والوضع الراهن.


• المجموعات المتطرفة في سورية ما كان لها أن تنفّذ أعمالها المدمرة والإرهابية لولا الدعم القطري السخي.

• استثمارات قطر في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية يمكن أن تنطوي على آثار سيئة للولايات المتحدة، ففي نهاية المطاف فإن النصائح السيئة تترك لصانعي السياسة خيارات قليلة.

ولكن الأمر ليس كذلك، إذ إنه من أجل فهم طبيعة الوجوه المتعددة لقطر يحتاج المرء إلى أن يرجع بضعة أشهر الى الوراء، ففي شهر ابريل الماضي زار قطر وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، وفي مايو الذي تلاه كانت زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السعودية، والتي حدثت خلالها القمة الخليجية، التي أكدت فيها قطر دعمها للإجراءات المتخذة من قبل دول الخليج من أجل محاربة الإرهاب.

وبعد أسبوع من زيارة ماتيس، عقدت حركة (حماس) مؤتمراً للكشف عن وجه أكثر نعومة عمّا هو معهود عنها. وعلى الرغم من ذلك، تعتبر الولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد الأوروبي هذه الحركة، التي تمثل الفرع الفلسطيني لـ«الإخوان المسلمين»، مجموعة إرهابية، لكن قادتها يعيشون أسلوب حياة باذخاً وشائناً في قطر. وعملت الدوحة كمقر خارجي لقادة «حماس» منذ خروجهم من سورية، التي مزقتها الحرب الأهلية عام 2011. وقدمت عائلة آل ثاني، التي تحكم قطر، الكثير من الأموال لحركة «حماس» تفوق ما قدمته لها أي دولة أخرى خلال السنوات الخمس الماضية، كما أن «حماس» استغلت قطر باعتبارها الصراف الآلي الخاص بها. وتستخدم الحركة الأموال من أجل شن عملياتها الارهابية.

ولكن ذلك المؤتمر لم يجرِ كما هو مخطط له، اذ قام فندقان، أحدهما فندق إنتركونتنانتال الدوحة بإلغاء فعاليات مخصصة للحركة، بعد ان تبين للشركة انها «يمكن أن تواجه عقوبات وخيمة ومكلفة نتيجة استضافة (حماس)، والمساهمة في دعمها لارتكاب أعمال إرهابية»، ولكن قطر لم يرفّ لها جفن، ولم تكترث لذلك، وتم إكمال المؤتمر في ما بعد في فندق شيراتون غراند الدوحة.

ضخ أموال

وفي الوقت ذاته من أبريل الماضي قام النظام القطري بضخ أموال باهظة لإيران والإرهابيين السوريين بصورة استثنائية، اذ قدمت قطر نحو مليار دولار كفدية لقاء تحرير رهائن. فقد قدمت الدوحة نحو 700 مليون دولار لإيران والميليشيات التي تدور في فلكها، كما أنها قدمت نحو 300 مليون دولار لهيئة تحرير الشام التي تضم مجموعة من المتطرفين في سورية، والتي تتضمن أفرعاً لتنظيم «القاعدة»، مثل «جبهة النصرة». وفي حقيقة الأمر فإن المجموعات المتطرفة في سورية ما كان لها أن تنفذ أعمالها المدمرة والإرهابية لولا الدعم القطري السخي.

البعد المحلي

كانت رسالة ترامب، في شهر مايو بالرياض، تنطوي على إعادة تأكيد القيادة الأميركية وتحالفها مع الحلفاء التقليديين نحو تحديد الأهداف، التي تتمثل بصورة رئيسة في تدمير تنظيم «داعش» والضغط على ايران. ويفسر ذلك من ناحية السبب الذي دعا العديد من صانعي السياسة بالوسط السياسي في واشنطن للدعوة إلى تلافي المعضلة القطرية من أجل حشد الجهود في جبهة موحدة تستطيع مواجهة إيران.

وفي حقيقة الأمر فإن هذه الآراء ليست قليلة الأهمية، لكن ثمة مشكلة أخرى تتعلق بصانع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، والجدل العام الذي يراه ويقرأه الجميع في واشنطن. ويرجع ذلك إلى المبالغ الضخمة التي تنفقها قطر في الولايات المتحدة للتأثير في السياسة الخارجية من خلال الجامعات والمجموعات الفكرية، وبالطبع مجموعات الضغط، وهي تسمح لهذه الإمارة الثرية بأن تتصرف على نحو أكبر من حجمها الدبلوماسي.

وكان الباحث الاميركي، أنجلو كودفيلا، من معهد كليرمونت البحثي، قد تحدث بالتفصيل عن هذه الجهة، وتأثيراتها، ووصل الى خلاصة مفادها أن «استثمارات قطر في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية حققت أرباحاً طيبة»، وهي بالتالي يمكن أن تنطوي على آثار سيئة للولايات المتحدة، ففي نهاية المطاف فإن النصائح السيئة تترك لصانعي السياسة خيارات قليلة.

ووصف باحث من مركز بحثي يعرف بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، السياسة الخارجية لواشنطن بأنها ضعيفة، وقالت مصادر المؤسسة إنها «واجهت تحديات كبيرة لنشر أبحاثها او لمجرد أن تقول رأيها، ودائماً لأن موضوعاتنا تنطوي على مسؤوليات (سياسية ومالية) تحول دون نشرها»، وأضافت المصادر أن «شراء شركات صنع الرأي في واشنطن بالجملة أدى الى وجود تحدٍّ كبير يتمثل في قبول الوضع الراهن الذي لا يمكن أن يستمر».

ونتيجة ذلك ظهر جدل عام يفيد بأن البيئة المشحونة الى حد كبير التي تؤججها الأموال الأجنبية عادة ما تؤدي إلى الحفاظ على نظام محطم. ولسوء الطالع فإن أسلوب وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، بدا أنه يدعو إلى سياسات مستمرة، تشجع على استدامة المأزق الذي يريد حله، كما أنها تناقض الأهداف التي تحدث عنها الرئيس ترامب. وبناءً عليه فإنه ليس من المستغرب أن تيلرسون يبدو كمن يواصل رحلاته المكوكية الدبلوماسية.

تويتر