خفض التصنيف الائتماني بداية عدم القدرة على إصدار سندات والتوجه إلى الاستدانة

توالي المؤشرات السلبية لواقع ومستقبل اقتصاد قطر وسط دعوات لتصفية استثماراتها

متجر هارودز الذي تمتلكه قطر في بريطانيا. أرشيفية

تتوالى المؤشرات السلبية لواقع ومستقبل الاقتصاد القطري، منذ قطع دول الجوار ودول عربية أخرى علاقاتها مع الدوحة، بسبب دعمها للإرهاب، حيث يأتي ذلك وسط دعوات في دول عدة للحد من نفوذ قطر الاستثماري، وتصفية استثماراتها، بعد اتهامها بتمويل ودعم الإرهاب، لتفتح أبواب القلق من الاستثمارات القطرية الهائلة في الدول الغربية.

فبعد يومين فقط على بداية الأزمة، وتحديداً يوم الأربعاء السابع من يونيو، خفضت وكالة «ستاندارد آند بورز» تصنيفها الائتماني لقطر إلى (AA-) من (AA)، نتيجة تراجع الريال إلى أقل مستوى في 11 عاماً، ووضعت تصنيف قطر قيد المراقبة، وهو ما يعني خفضاً آخر محتملاً.

وأرجعت الوكالة هذه الخطوة للتباطؤ الحتمي للاقتصاد القطري، نتيجة قطع العلاقات التجارية مع الدول المقاطعة للدوحة.

ثم ما لبثت وكالة «فيتش» أن وضعت احتمالات تخلف قطر عن سداد ديونها قيد المراجعة لخفض محتمل في تصنيف الديون القطرية.

من جهتها، أعربت وكالة «موديز» عن قلقها من أن الأزمة القطرية الحالية قد تؤثر في تصنيفها الائتماني، إذا تعطلت التجارة وتدفقات رؤوس الأموال.

وفي خطوة لاحقة متوقعة، بدأت وكالات التصنيف العالمية في خفض تصنيفات شركات قطر الكبرى، التي تمتلكها الحكومة أو تمتلك فيها حصة كبيرة، مثل الخطوط الجوية القطرية، وبنك قطر الوطني، وشركة «أوريدو» للاتصالات.

فخفضت «ستاندارد آند بورز» تصنيف بنك قطر الوطني من (A+) إلى (A)، ووضعته مع بنك قطر التجاري وبنك الدوحة وبنك قطر الإسلامي على قائمة المراقبة للمزيد من التخفيض مستقبلاً.

وهي الخطوة نفسها التي قامت بها تجاه شركة الاتصالات القطرية «أوريدو»، التي وضعتها أيضاً قيد المراقبة السلبية بعد تخفيض التصنيف الائتماني السيادي لقطر، حيث تمتلك الحكومة القطرية 69% من أسهم «أوريدو».

من جهتها، قالت «فيتش»، إنها تتوقع انخفاضاً كبيراً في أرباح شركة الخطوط الجوية القطرية، بسبب انخفاض الرحلات إلى دول الجوار، وزيادة زمن الطيران إلى الدول العالمية جراء تغير المسارات.

ويؤثر خفض التصنيف الائتماني لقطر (أو أي دولة) بشكل مباشر وسلبي في صورتها وسمعتها، ويقلل كثيراً من قدرتها على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات.

والأخطر من ذلك، فإن هذا الإجراء يزيد من تكلفة التأمين على ديونها، ويجعل السندات السيادية غير جذابة للأسواق، نظراً لارتفاع المخاطر، على الرغم من العائد الجيد.

ويعني عدم القدرة على إصدار سندات، توجه الدول إلى الاستدانة بصورة مباشرة، أو اللجوء إلى احتياطاتها النقدية.

وفي الحالة القطرية، فإن احتياطيها من النقد الأجنبي يبلغ نحو 36 مليار دولار، وهو مبلغ نظرياً قد يدعم قطر في الإنفاق العام وتسديد ديونها (120 مليار دولار بنهاية 2016) لمدة تطول أو تقصر اعتماداً على حجم السحب الشهري، لكن المشكلة أن استنفاد الاحتياطي النقدي يدخل الدول في متاهات، أهمها تدهور سعر العملة، وارتفاع التضخم، لذلك تفضل الدول الاستدانة عن طريق السندات.

وقد يتساءل البعض عن الصندوق السيادي القطري، وهو سؤال مهم، خصوصاً أن حجم هذا الصندوق يبلغ نحو 335 مليار دولار.

لكن طبيعة الصناديق السيادية أنها تستثمر في أنواع عدة من الأصول، معظمها ثابت، مثل العقارات والشركات والفنادق والمتاجر وغيرها، وليست أموالاً سائلة، أي أنه في حاجة اللجوء إلى تسييل أو بيع بعض الأصول المملوكة لهذه الصناديق، فإن ذلك الأمر أولاً سيستغرق وقتاً قد يطول، ثم قد يضطر الدولة إلى البيع بالخسارة.

من ناحية أخرى، تأتي مطالبة زعيم حزب المحافظين الأسترالي، كوري برناردي، بصحيفة «هيرالد صن»، بالحد من نفوذ قطر الاستثماري، وتصفية استثماراتها في بلاده، بعد اتهامها بتمويل ودعم الإرهاب، لتفتح أبواب القلق من الاستثمارات القطرية الهائلة في الدول الغربية.

ففي الوقت الحالي، يبرز تمويل الدوحة لجماعات متطرفة وإرهابية، بما يزيد المخاوف من أن تكون أرباح تلك الاستثمارات رافداً لدعم الإرهاب، أو تستخدم كوسيلة تأثير سياسي لحماية الإرهاب والتطرف.

وتشمل الاستثمارات القطرية أراضي زراعية تصل مساحتها إلى 300 ألف هكتار، تستغلها في تربية الماشية وزراعة الحبوب، موزعة على خمس مقاطعات أسترالية، في حين قامت في غضون سبع سنوات بشراء 3000 كيلومتر مربع من الأراضي المملوكة للدولة.

وتساءل برناردي «لماذا نسمح لقطر بحماية أمنها الغذائي عندما تقوض أمننا القومي؟»، وذلك في إشارة إلى الشركة القطرية «حصاد أستراليا»، التي تملك «الأراضي الزراعية الرئيسية»، مطالباً بضرورة إجبارها على البيع.

وربما تكون بريطانيا الأقرب بعد أستراليا في ما يتعلق بتلك المخاوف، ففي الوقت الذي يضرب فيه الإرهاب بريطانيا، من وستمنستر ومانشستر ثم لندن بريدج، تشير تقارير إلى تمويل ودعم قطري لجماعات إرهابية ليبية، جاء منها بعض هؤلاء الإرهابيين، الذين ضربوا في بريطانيا.

وتستحوذ بريطانيا على الحصة الأكبر من إجمالي استثمارات قطر الخارجية بنحو 40 مليار جنيه إسترليني، حيث تمتلك مصرف باركليز وبرج شارد في لندن، وهو أعلى ناطحة سحاب في أوروبا، و20% من الشركة المالكة لمطار هيثرو لندن، و26% من متاجر ماركس آند سبنسر البريطانية.

هذا في الوقت الذي تؤوي فيه بريطانيا عدداً كبيراً من قيادات تنظيم الإخوان والجماعات الأخرى التي خرجت من عباءته، وتسمح بخطاب تطرف في بعض المساجد والمراكز.

ولقطر استثمارات أخرى في دول أوروبية، غير بريطانيا، تسعى للحصول على دعمها السياسي الآن في مواجهة الموقف الإقليمي الرافض لاستمرارها في تمويل ودعم الإرهاب.

ففي فرنسا، تمتلك قطر نادي باريس سان جرمان الفرنسي، وتستثمر في عدد من الشركات العالمية، التي مقرها فرنسا، كما أن لها استثمارات بالمليارات في البنوك الفرنسية.

وهناك استثمارات قطرية كبيرة جداً في ألمانيا، منها على سبيل المثال 3% بشركة بورش الألمانية، وحصص في بنوك ألمانية رئيسة.

لذا، لم يكن مستغرباً أن تكون أول دولة أوروبية تستقبل وزير خارجية قطر بعد قطع جيرانها العلاقات معها هي ألمانيا، وذلك رغم أن وسائل الإعلام الألمانية كانت من أوائل من نقل عن أجهزة الاستخبارات الألمانية تفاصيل علاقة قطر بالإرهاب.

كما اشترت قطر بيت الأزياء الإيطالي الشهير «فالنتينو»، مقابل 857 مليون دولار من صندوق الاستثمار المباشر «برميرا»، الذي يتخذ من لندن مقراً، وشركة المنسوجات الإيطالية مارتسوتو.

وفي الوقت الذي مازالت الدول الأوروبية، كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، تتحسب لأي تبعات تتعلق باستثمارات قطر لديها، تصرفت دول أخرى بالفعل على الطريقة التي دعا إليها النائب الأسترالي.

إذ أعلن البنك المركزي لتايلاند أن صناديق الاستثمارات الخارجية التايلاندية في قطر قد تعود للوطن إذا انتهى أجلها، في ظل التوتر الناجم عن زعزعة الدوحة استقرار المنطقة.

تويتر