إذا كانت تزرع الريح فإنها ستجني الزوابع

عودة قطر إلى فلك الدول المسؤولة رهن بتخليها كلياً عن دعم الإرهاب

إنه تناقض صارخ وخطر عندما تستثمر قطر مليارات الدولارات في الولايات المتحدة وأوروبا، ثم تعيد تدوير الأرباح لدعم «حماس» و«الإخوان المسلمين» والجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وفي الوقت الذي تستضيف قطر القاعدة العسكرية الأميركية، التي توجه الحرب الإقليمية ضد التطرف، تضع يدها في يد شبكات إعلامية تعمل على تحريض العديد من المتطرفين أنفسهم.

- لا يمكن لقطر أن تلعب على الحبلين، وعليها الآن أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تكون بمجملها ضد التطرف والإرهاب أم لا.

- الإمارات وأصدقاء أميركا الآخرون في المنطقة سيواصلون العمل بشكل وثيق مع الجيش الأميركي.

وعندما اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة والبلدان الأخرى ذات الاتجاه المماثل، تدابير دبلوماسية واقتصادية ضد قطر، الأسبوع الماضي، لم تكن تلك الإجراءات وليدة الخاطر، ولم يتم اتخاذها بشكل متعجل، وإنما تمخضت عن سلوك قطري محير، تراكم عبر سنوات، وشكل تهديداً مباشراً لدولة الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، وقطر نفسها. فإذا كانت قطر تزرع الريح، فإنها ستجني الزوابع.

وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، هذا المفهوم بشكل جيد، حينما قال «لقد حان الوقت لدعوة قطر إلى إنهاء تمويلها.. ونقول لقطر إننا نريدها أن تعود إلى مجموعة الدول المسؤولة».

لا يمكن لقطر أن تلعب على الحبلين، وعليها الآن أن تقرر ما إذا كانت تريد أن «تكون بمجملها» ضد التطرف والإرهاب أم لا.

وعلى مدى سنوات، دعمت قطر المتطرفين، ووفرت لهم الحماية. وفي منتصف التسعينات، وفرت ملاذاً آمناً للإرهابي سيئ السمعة، خالد الشيخ محمد، الذي أصبح في ما بعد احد المتآمرين الرئيسين لهجمات 11 سبتمبر. وهي تستضيف اليوم الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، إضافة إلى زعيم حركة «حماس»، خالد مشعل، وهي منظمة إرهابية مدرجة في اللائحة السوداء من قبل الولايات المتحدة.

وفي الأسبوع الماضي، أدرجت دولة الإمارات ودول أخرى القرضاوي على لائحة الإرهاب، إلى جانب 58 شخصية أخرى و12 منظمة، بوصفهم شخصيات وكيانات تقدم الدعم المادي للإرهابيين. ويعيش العديد منهم في الدوحة، أو يعملون فيها، أو يحصلون على دعم منها. ويرتبط بعضهم مباشرة بالأسرة الحاكمة. وليس هؤلاء هم جميع المتورطين، فإلى جانب إيران، أصبحت دولة قطر تتميز بوجود واحدٍ من أكبر تجمعات الإرهابيين الدوليين في العالم.

وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال»، في أحد أعدادها الصادرة عام 2015، إلى أن «المقاتلين الإسلاميين في ليبيا وسورية سافروا إلى قطر، وعادوا بحقائب مليئة بالمال». وقدمت الدوحة الدعم المالي واللوجستي لجبهة النصرة (المعروفة الآن باسم جبهة تحرير الشام)، وهي الفرع السوري لتنظيم «القاعدة». وكان ذلك الانتحاري في مانشستر مرتبطاً بميليشيات موالية للتنظيم في ليبيا، تقدم لها قطر الدعم.

وأفادت صحيفة «فايننشال تايمز» بأن قطر دفعت فدية تصل قيمتها إلى مليار دولار إلى مجموعات مختلفة من المنظمات الإرهابية في سورية والعراق، تخضع لعقوبات، بما في ذلك «حزب الله» الذي صنعته إيران. وفي مصر، قدمت دولة قطر شيكات على بياض لجماعة الإخوان المسلمين، وهي المنصة التي ينطلق منها العديد من الجماعات الإسلامية الأكثر عنفاً.

وفي الوقت الذي تبدي فيه الدول المسؤولة اهتمامها بمواجهة التطرف بجميع أشكاله، تواصل وسائل الإعلام المملوكة لدولة قطر، بقيادة الجزيرة، التحريض على العنف والتعصب في العالم العربي. ويستخدم القرضاوي برنامجه التلفزيوني، الذي يشبه نسخة ملتوية من برنامج «ذا ديلي شو»، لترويج الفتاوى التي تشجع الانتحاريين، التي تدافع عن قتل الجنود الأميركيين في العراق، وتصفه على أنه «التزام ديني».

وذكر وزير الدفاع السابق، روبرت غيتس، في مايو، أن «الجنرال (جون) أبي زيد كان مقتنعاً بأن قناة الجزيرة تعمل ضد قواتنا، وتوفر المعلومات في الواقع لأعدائنا، وكان هناك قلق أوسع حول قناة الجزيرة التي توفر منبراً للإرهابيين».

وتدل تعليقات غيتس، الذي تولى قيادة «البنتاغون» في ظل الرئيسين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، على أن قطر كانت تمثل قلقاً لواشنطن عبر الأحزاب والإدارات الأميركية المختلفة. وبدأت إدارة بوش في تنسيق الجهود العالمية لاستهداف تمويل الإرهاب. وخلصت إدارة أوباما في عام 2016 إلى أن قطر «تفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة، والقدرة على التنفيذ الفعال» لقوانين مكافحة تمويل الإرهاب. كما فكر مسؤولو أوباما في سحب سرب مقاتلات أميركية من قاعدة العيديد الجوية، بسبب رفض قطر اتخاذ إجراءات ضد ممولي الإرهاب.

ويعتبر الوجود الأميركي في قاعدة العيديد أمراً ضرورياً جداً لحماية المصالح الأميركية، ومصالح حلفائها في الشرق الأوسط. وفي حين أن التدابير الحالية ضد قطر لاتزال قائمة، فإن الإمارات وأصدقاء أميركا الآخرين في المنطقة، سيواصلون العمل بشكل وثيق مع الجيش الأميركي لإدامة القدرات الحربية للقاعدة الجوية بشكل كامل. كما أننا نرحب بمشاركة الولايات المتحدة في تسهيل التوصل إلى حل دبلوماسي، يسمح لقطر، وهي جار وحليف متعاهد، بالعودة إلى حظيرة الدول المسؤولة.

ما الذي يتوجب على قطر فعله؟ يجب أن تعترف أولاً بما يعرفه العالم بالفعل، وهو أن الدوحة أصبحت مركزاً مالياً وإعلامياً وأيديولوجيا للتطرف. كما يجب عليها أن تتخذ إجراءات حاسمة للتصدي، وبشكل نهائي، لمشكلة التطرف، وإغلاق منافذ التمويل، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، وإنهاء التحريض الإعلامي والتطرف.

ومع انتشار إرهابيين يبثون الرعب والخوف في شوارع المدن الأوروبية، ويحيكون المؤامرات ضد أهداف في الولايات المتحدة، لا يمكن أن تكون هناك أي مواربة ولا تدابير احترازية، ولا تسويف في التصدي لهذا التطرف. ولا يمكن لقطر امتلاك حصص في مبنى إمباير ستيت، وشوارع لندن، واستخدام الأرباح لكتابة شيكات إلى فروع تنظيم «القاعدة». ولا يمكن أن تطبع اسمها على قمصان كرة القدم، في حين أن شبكات وسائل إعلامها تلمع العلامة التجارية للتطرف. لا يمكنهم - أي القطريين- أن يكونوا أصحاب هارودز وتيفاني وشركاه، ويوفرون في الوقت ذاته الملاذ الآمن لحركة «حماس» و«الإخوان المسلمين».

سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة.

تويتر