العودة إلى عالم التنافس بين القوى العظمى

انهيار عهد القطب الأحادي الأميركي بعد 25 عاماً من الهيمنة

أوباما في لقاء سابق مع شي جين بينغ. أرشيفية

ينبغي أن تتمثل أولى أولويات السياسة الخارجية للرئيس الأميركي المقبل، في تجنب أي صراع مباشر مع الصين أو روسيا، حيث إن كلا البلدين، بطريقة أو بأخرى، يتحديان هيمنة الولايات المتحدة، ويبدو أن عودة الاحتراب بين القوى العظمى أمر قريب الاحتمال، وسواء كان للأفضل أو الأسوأ، فإننا عدنا مجدداً إلى عالم توازن القوى العظمى.

أميركا تريد الحفاظ على هيمنتها، ولا ترغب في التكيف مع التوزيع الجديد للقوى.

لم يعد للنموذج الديمقراطي الغربي جاذبيته كما كان من قبل.

أصبح اقتصاد الصين يماثل الآن القوة الشرائية للاقتصاد الأميركي، حيث استثمر الجيش الصيني في وسائل عدة لمواجهة القوة الأميركية، وصار يستعرض عضلاته في بحري الصين الشرقي والجنوبي. وألقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، جانباً استراتيجية الزعيم الصيني السابق والمنظر، دنغ هسياو بينغ، المتمثلة في «اختفِ والتزم»، ويطالب بوزن ونفوذ لبلاده يتناسب مع حجم قوتها، وفي سبيل ذلك يحتك بالولايات المتحدة وحلفائها في شرقي آسيا.

ومنذ عام 2000، استغلت روسيا عائدات النفط المرتفعة لتحديث جيشها، لكنها ليست قوة عظمى من الناحية الاقتصادية، إلا أن لديها مجموعة كاملة من القدرات العسكرية لضمان أمنها، وإعادة بناء منطقة نفوذها خارج حدودها.

واكتسبت روسيا وضعاً مريحاً، كونها تتمتع بالحزم في كل من أوكرانيا وسورية، وتتجسس إلكترونياً على بعض الدول، ما فتح شهية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتحدي أميركا. «عالم ما بعد الحقيقة» في الغرب ــ ممثلاً في طريقة تعامل المرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، مع الحقائق في حملته الانتخابية ــ ساهم أيضاً على دعم آلة الدعاية الهائلة لروسيا.

استمر عهد القطب الواحد الأميركي لأقل من 25 عاماً، وعجلت حروب أميركا الطموحة وأزمتها المالية 2007-2008 بنهايته، ولكن لاتزال أميركا الدولة الأقوى، التي تتسلح بتقنية لا مثيل لها وقوة مؤسسية ضخمة، لكنها لم تعد تتمتع بالهيمنة على العالم. وتدهورت الهيمنة الاقتصادية للغرب بشكل حاد، وأصبحت مساهمة مجموعة الدول السبع الكبرى في إجمالي الناتج المحلي العالمي 47% بعد أن كانت 70%.

ولم يعد للنموذج الديمقراطي الغربي جاذبيته كما كان من قبل، وتركزت السلطة بأيدي أفراد يتمتعون بالجاذبية السياسية بدلاً من المؤسسات، كما هي الحال في بلدان مثل تركيا وروسيا والهند.

وتصبو روسيا للعودة إلى عالم تكثر فيه مناطق نفوذها، عالم تسود فيه ثلاث قوى كبرى تشكل نقطة ارتكاز للأمن العالمي، في حين تريد الصين عالماً تسود فيه قوتان عظميان. وتتطلع بكين لكي ترى موسكو شريكاً صغيراً لها، ولكن ليس على قدم المساواة معها. ولا تريد القيادة الصينية المواجهة مع الولايات المتحدة، ولكن يصعب عليها أن ترتبط بعلاقة تعاونية مع هذه القوة العظمى.

وفي الوقت نفسه، تريد أميركا الحفاظ على هيمنتها، ولا ترغب في التكيف مع التوزيع الجديد للقوى، وحاولت التكيف مع روسيا، وعملت جاهدة لبناء علاقة اقتصادية مع الصين. ولكن النتيجة كانت مداً وجزراً بين علاقة أكثر دفئاً، يليها جمود وعقوبات. والملاحظ انه ليس هناك إطار استراتيجي قوي يحكم علاقات واشنطن مع موسكو أو بكين.

هناك حاجة إلى نهج يضع في أولوياته الاستقرار العالمي. ويعتبر الدفاع القوي أمراً ضرورياً. وقد ظلت ضرورة الحرب على الإرهاب توجه الاستثمارات الدفاعية لأميركا لفترة طويلة، لكن أميركا ركزت في الآونة الأخيرة على ضرورة مسايرة روسيا والصين، ولكن هذا لا يعني العودة إلى الأسلوب العدائي للحرب الباردة. ويبدو أن تناسق القوى في القرن الـ19 في أوروبا هو المثال الأفضل، حيث حافظت ست قوى على التوازن، الذي استمر نحو 100 عام.

ويتطلب ذلك قبول الحكومات لأنظمة بعضها بعضاً، حتى ولو لم ترق تلك الأنظمة لها، مع قيود واضحة المعالم على الأعمال العدائية، يلتزم بها الجميع. ويعتبر الإنترنت مسرحاً حاسماً، حيث ينبغي السيطرة عليه من خلال قواعد يتم الاتفاق عليها، حتى لا تهدد دولة بتدمير شبكة كهرباء دولة اخرى، أو بتخريب أنظمتها المصرفية.

الوصول إلى حلول تعاونية بشأن المشكلات الإقليمية يمكن تحقيقه أكثر، إذا لم تلجأ القوى العظمى إلى تهديد بعضها بعضاً مباشرة، على سبيل المثال، ستكون كوريا الشمالية قادرة قريباً على تهديد البر الرئيس للولايات المتحدة بأسلحة نووية. ويتطلب الحل الدائم تغيير النظام في بيونغ يانغ، وإزالة ترسانته النووية. ولا يمكن للولايات المتحدة استخدام القوة من جانب واحد لتحقيق ذلك، بسبب احتمال تفجر صراع مع الصين، لكن يجب عليها إزالة التهديد بطريقة تقبلها بكين.

إحدى الميزات الكبيرة التي ينبغي أن تتمتع بها الولايات المتحدة هي شبكة التحالفات، وتحتاج هذه إلى اهتمام أكثر وحذر شديد.* الرئيس السابق لجهاز إم آي 6 البريطاني، ودائرة الاستخبارات السرية البريطانية.

تويتر