ترغب في البقاء بالمانيا مع عائلتها

«ريم» تبكي.. وميركل تواسيــــها بـ «القانون»

صورة

عندما أبلغت المستشارة الألمانية، إنجيلا ميركل، الطفلة الفلسطينية ريم سحويل (14 عاماً)، أن ألمانيا لا تستطيع العناية بمهاجرين مثلها، لم تكن المرة الأولى التي تسمع فيها مثل هذا الكلام. وكان لقاء هذه الفتاة مع أقوى امرأة في العالم، قد انتشر كالنار في الهشيم عبر صحف العالم، حيث يركز معظمها الانتباه مباشرة على جواب ميركل وصراحتها. لكن ريم ولدت لاجئة، بل أكثر من ذلك أنها ولدت لاجئة في لبنان، هذه الدولة التي يكتب فيها التمييز ضد اللاجئين في القانون، حيث لايزال عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في المخيمات، بعد عقود من وصولهم إلى هذا البلد، كما أن فرص إعادة الاستقرار أو عودتها إلى وطنها الأصلي تبدو بعيدة المنال حالياً، وبناء عليه، فإنه ليس من المستغرب أن احتمال مغادرتها ألمانيا ــ حيث تعيش فيها منذ أربع سنوات ــ يثير حزنها.

ولاتزال عائلة ريم الكبيرة تعيش في مخيم ويفل في مدينة بعلبك اللبنانية، وهي مجموعة من المباني التي تم تشييدها حول ثكنة عسكرية فرنسية قديمة في شرق مدينة بعلبك.

ويتراجع موقع المخيم عن الشارع الرئيس على طرف مدينة بعلبك، وهو يمثل متاهة من الحارات والأزقة والمتاجر والبيوت الصغيرة المتزاحمة، فوق بقعة صغيرة من الأرض.

علاج

في عام 2006، وعندما كانت ريم في السادسة من عمرها، اندلعت الحرب في لبنان بين إسرائيل وميليشيات «حزب الله»، واضطرت عائلتها للهرب إلى سورية أشهراً عدة، حيث وصلت إلى مخيم آخر للاجئين. وفي العام ذاته انكسرت رجلها نتيجة حادث سيارة، الأمر الذي فاقم مشكلاتها الصحية، ولم يكن علاج ريم متوافراً في لبنان، كما أن الراتب الذي كان يتقاضاه والدها، الذي يعمل حداداً، لم يكن كافياً لإرسالها إلى الخارج.

ويلعب الأطفال في الشوارع، وينتشرون في مداخل المنازل، تحت ملصقات كبيرة للقادة الفلسطينيين. وتكون إمدادات الماء والكهرباء قليلة جداً، كما أن العديد من الخدمات الأخرى الحيوية ملغاة تماماً.

وتمثل القصة التي تسرد حكاية رحلة الطفلة الفلسطينية ريم من المخيم في لبنان إلى المكان الذي أتيح لها الحديث فيه مع المستشارة ميركل، واحدة من أضخم الصعاب التي عاشتها جسدياً وعاطفياً.

وترعرعت ريم في مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق، يؤوي نحو 20 شخصاً من عائلتها (نحو 45 شخصاً من أقربائها يعيشون في المخيم)، وقد ولدت ريم قبل الموعد المحدد بشهرين، وكانت مصابة بالشلل الدماغي، وهي حالة مرضية جعلتها مشلولة في معظم الجزء الأيسر من جسمها. ونتيجة لمرضها كافحت بقوة لتتحرك في أنحاء شقتها المزدحمة، حيث كانت تتشارك فيها مع سبعة اشخاص آخرين.

وتشير جدتها (أم عطا) إلى درابزين على طول الدرج الذي يؤدي إلى غرفة نوم ريم، وتشرح كيف بات المعدن لماعاً من استعمال يدي ريم. وتقول إحدى عماتها «هي لم تكن تخرج كثيراً من المنزل، لكنها كانت تحب لعب الأحاجي، وترسم كل شيء».

وبعد مرور بضع سنوات، وفي عام 2009، تمكنت العائلة من جمع المال الكافي، وبمساعدة الأصدقاء والجيران، لإرسال ريم إلى ألمانيا لإجراء عملية لها. وذهبت ريم برفقة أمها، في حين بقي والدها في لبنان، ولم تنجح العملية جيداً. وبعد عودتها إلى لبنان ساءت حالتها الصحية، وبدأت الأسرة رحلة البحث عن التمويل مرة أخرى للعودة إلى ألمانيا، وعادت ريم إلى ألمانيا في العام التالي من أجل عملية أخرى، لكن هذه المرة كانت الخطة تقضي بأن يقدم جميع أفراد الأسرة طلب اللجوء إلى أوروبا بعد العملية.

وقال عمها أبوعلاء «كنا نريد صيد عصفورين بحجر واحد»، وذهبت ريم مع أمها وشقيقها الأصغر أحمد (تسع سنوات) الآن، وخطط والدها للانضمام إليهم في وقت لاحق.

وبعد العملية ذهبت ريم وأمها إلى السويد، حيث يوجد بعض الأقارب لهم، وانضم إليهم الوالد عن طريق التهريب عبر الطرق الخطرة بين الشرق الأوسط وأوروبا.

وذهب أولاً إلى سورية، ومن ثم إلى تركيا، وعلى قارب ذهب إلى اليونان، ومن هناك ركب الطائرة إلى السويد. وحاولت العائلة تقديم طلب اللجوء في السويد، لكن قيل لهم إنه يجب أن يُقدم طلب اللجوء في الدولة الأوروبية التي سجلوا فيها للمرة الأولى، وهي ألمانيا.

وتم إرسالهم إلى مخيم للاجئين في مدينة روستوك شمال ألمانيا، حيث عاشوا هناك، حتى تمكنوا من العثور على شقة في البلدة عام 2013.

واعتقدت العائلة أن الأمور سارت حسب الخطة، وتم لم شمل العائلة الآن في ألمانيا، حيث ولد طفل ثالث.

وقال أبوعلاء «عينت الأسرة محامياً، وهم يريدون الذهاب إلى أي مكان في أوروبا، أي مكان غير لبنان»، لكن طلب اللجوء تم رفضه للمرة الثانية. وفي هذه المرحلة سألت المدرسة ريم عما إذا كانت ترغب في

حضور لقاء مع ميركل.

وشجعت الجدة (أم عطا) ريم للطلب من المستشارة الألمانية، وقالت «شجعناها، لكنها كانت خائفة، وقالت ميركل أقوى امرأة في العالم»، وانقضت أيام عدة قبل أن تسمع العائلة في لبنان أي شيء عن ريم وعائلتها، وبعد ذلك وصلت رسالة عبر «واتس اب»، تظهر فيها ريم وهي تبكي على التلفزيون، والمستشارة الألمانية تحاول مواساتها، وعندها شعرت العائلة في لبنان بمزيج من الفخر والخوف، وقال أبوعلاء «اعتقدنا أنهم سيبعدونهم». وعن لقاء ريم مع ميركل قال أبوعلاء بفخر «إنها فلسطينية طبعاً، ونحن لا نخشى الحديث مع الأقوياء. بالطبع نحن نشغر بالفخر».

وانتشر الفيديو الذي يصور ما حدث بين ريم وميركل بسرعة في جميع أنحاء العالم. وكانت ريم تجلس مع عدد من الأطفال الآخرين حول ميركل، وهم يشرحون لها عن الصعوبات التي يعيشونها، وقالت ريم لميركل «أرغب في الذهاب إلى الجامعة، ومن الصعب جداً رؤية الآخرين وهم يستمتعون بالحياة، وأنا لا أستطيع، ولا أدري ما يخبئ لي المستقبل»، فأجابت ميركل «أنا أتفهم ما تقولين، لكن مع ذلك فإن السياسة تكون قاسية أحياناً، هناك الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وإذا قلنا لهم إنكم جميعاً تستطيعون القدوم إلى هنا، إضافة إلى القادمين من إفريقيا، فلن نتمكن من التعامل مع هذا الوضع»، وعندها بدأت ريم بالبكاء، وحاولت ميركل التي تأثرت بذلك فعلاً مواساتها. ووصف البعض المستشارة بأنها «بلا قلب»، في حين أثنى آخرون على صراحتها.

وإذا لم تكن كلمات ميركل قاسية، فإنها تعكس عدم الاكتراث في القوانين المحلية والدولية، التي تحكم اللاجئين من مكان إلى آخر. لقد عاشت ريم في ألمانيا منذ أربع سنوات، وتعلمت اللغة الألمانية، وأجادت في تحصيلها الدراسي. وكانت الطفلة الوحيدة في صفها هذا العام التي حققت أعلى الدرجات، وتريد أن تبني حياتها في ألمانيا، لكنها أبلغت من قبل زعيمة أضخم اقتصاد في أوروبا أن ذلك غير كافٍ كي تحجز لنفسها مكاناً في المجتمع.


«مخيّم ويفل»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/09/359402.jpg

أطفال‭ ‬يلعبون‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أزقة‭ ‬امخيّم‭ ‬ويفلب‭.‬ من‭ ‬المصدر

لاتزال عائلة ريم الكبيرة تعيش في مخيم ويفل في مدينة بعلبك اللبنانية، وهي مجموعة من المباني التي تم تشييدها حول ثكنة عسكرية فرنسية قديمة في شرق مدينة بعلبك. ويتراجع موقع المخيم عن الشارع الرئيس على طرف مدينة بعلبك، وهو يمثل متاهة من الحارات والمتاجر والبيوت الصغيرة المتزاحمة، فوق بقعة صغيرة من الارض.

ويعيش في المخيم نحو 8000 شخص، معظمهم من أبناء اللاجئين الذين طردوا من فلسطين عام 1948. وجاءت عائلة ريم إلى لبنان في تلك السنة قادمة من مدينة حيفا الفلسطينية عام 1952.

وعاشت العائلة هناك طوال 15 عاماً من الحرب الأهلية، حيث كان المقاتلون الفلسطينيون يلعبون دوراً رئيساً في حماية المخيم. وتم تدمير ثلاثة مخيمات فلسطينية خلال الصراع ما بين عامي 1975 و1990، وفي واحدة من أبشع أحداث الحرب الأهلية قتل نحو 3500 شخص، عندما قامت الميليشيات المسيحية المتطرفة بمحاصرة مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.

وعلى الرغم من أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تعاني مشكلات متشابهة تقريباً، إلا أن مخيم ويفل يتفرد بمشكلة تميزه، وهي انعزاله في المنطقة الشرقية من لبنان، الأمر الذي يجعل من الصعب على السكان الوصول إلى الخدمات الصحية.

ويعاني وادي البقاع، حيث توجد بعلبك، فصول الشتاء القاسية. وفي الشتاء الماضي توفي أحد سكان المخيم بسبب البرد، حسبما ذكرته وكالة الامم المتحدة، حيث خلف وراءه ابنتين.

وساءت الأوضاع عموماً في المخيمات الفلسطينية في لبنان، نتيجة تدفق اللاجئين الهاربين من الحرب في سورية، ومعظمهم من الفلسطينيين. وتواجه وكالة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) نقصاً في التمويل يصل إلى 100 مليون دولار في ميزانياتها. وفي مخيم ويفل تزايد تعداد التلاميذ في الصفوف الدراسية، حيث أصبح الصف الدراسي يضم 50 طالباً، بعد أن كان 30 سابقاً، وذلك حسبما ذكره سكان المخيم. وقالت المتحدثة باسم «الأونروا» في لبنان، زيزيتي داركازالي «خلال العام الماضي كانت هناك زيادة في تعداد الفلسطينيين من لبنان، الذين يحاولون الهجرة بصورة غير شرعية، وغالباً ما يلجأون إلى طرق وقوارب تنطوي على مخاطر جمّة».


مستقبل «ريم»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/09/359400.jpg

«ريم»‭ ‬ووالدها‭ ‬يأملان‭ ‬البقاء‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. ‬ من‭ ‬المصدر

على الرغم من الاهتمام الذي حظي به اللقاء بين ميركل وريم، إلا أن المستقبل غير واضح تماماً. وقال عمدة مدينة روستوك، رونالد ميثلنغ، إن السلطات الألمانية ستنظر في الطلب الذي تقدمت به عائلة ريم.
وقال لوسائل الإعلام «سنعيد النظر في هذه الحالة، وسننظر فيها بحذر شديد، لكن من غير الممكن اتخاذ قرار بصورة عشوائية بموجب القانون الألماني»، لكن القانون الجديد الصادر عن البرلمان الألماني في 17 يوليو، ربما يقدم بعض الأمل في إمكانية بقاء ريم وعائلتها في ألمانيا.

وقالت وزارة الداخلية الاتحادية إن القوانين التي ستمنح أعداداً جديدة من الأشخاص حق الإقامة في ألمانيا، ستكون نافذة في هذا الصيف. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، باميلا مولر نيس، لصحيفة غلوبال بوست، إن «القانون الجديد يعالج قضية الحاجة إلى منح اللجوء لطالبيه، من الذين يقيمون في ألمانيا منذ فترة بعيدة، والذين اندمجوا في المجتمع ويتحدثون اللغة الألمانية، ويسمح للأطفال والمراهقين الذين درسوا في المدارس الألمانية أربع سنوات على الأقل الحصول على إقامة دائمة»، لكن أقرباء ريم في لبنان غير متفائلين كثيراً حتى الآن ببقائها في ألمانيا، ويقول عم ريم (أبوعلاء): «وعد الجميع بتقديم المساعدة، لكن ذلك مجرد كلمات في الهواء، ولم يحدث أي شيء حتى الآن».

تويتر