بهدف تثبيت أقدامها أكثر في المنطقة

موسكو تسعى إلى تشكيل قوات سنية غير روسية في سورية

صورة

يبدو أن التدخل الروسي في سورية حقق نجاحاً في معظم الحالات، ومن المتوقع أن يبذل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كل ما في وسعه لإبقائه على هذا النحو. فبدءاً من الحملة الجوية التي نفذها بوتين نيابة عن الرئيس السوري بشار الأسد، في سبتمبر 2015، لم تستطع القوات الروسية الحد من خسائر النظام السوري فحسب، بل ساعدت أيضاً دمشق على استعادة مدينة حلب في ديسمبر 2016. والآن، وفي الوقت الذي يخضع فيه معقل المعارضة للسيطرة الحكومية، وحيث أصبح إمساك الأسد بالسلطة أمراً لا لبس فيه، تقول موسكو إنها تعتزم الحد من وجودها في البلاد. لكن في الوقت الذي غادرت فيه البلاد بعض القوات الروسية، في بداية يناير الماضي، وسعت موسكو دورها في سورية. وأعلن المسؤولون الروس عن توسعات كبيرة للقواعد العسكرية الروسية فى البلاد، بينما تضاعف عدد المتعاقدين الخاصين، الذين يقاتلون نيابة عن الكرملين.

فشل الأسد الصحي

أظهرت موسكو قدرة في السيطرة على الأحداث غير المتوقعة على الأرض، أواخر يناير الماضي، عندما بدأت الشائعات تدعي أن الأسد يعاني السكتة الدماغية. وصبت بعض الشخصيات المعارضة مزيداً من الزيت على النار، عندما ادعت أن الرئيس السوري توجه جواً إلى بيروت لتلقي العلاج؛ ونفت دمشق بشكل غير معهود الادعاءات بدلاً من تجاهلها، ما أثار التكهنات وسط عدم اليقين، وظهرت تقارير مفادها أنه مع فشل الأسد الصحي، فإن القوات الإيرانية ستسعى إلى تثبيت أخيه ماهر، الذي يشاع أنه ليس من ضمن قائمة الكرملين المفضلة لخلافة الأسد. وفي غضون أيام، عاد الأسد إلى دمشق، وعقد سلسلة من اللقاءات المعلنة لتهدئة الوضع، إلا أن هذا الحادث أكد لموسكو قيمة أن تكون لها قواتها البرية داخل العاصمة السورية.

تعامل مع شمال القوقاز

بدأ المسؤولون السوريون أنفسهم، بالتعامل الوثيق مع سلطات شمال القوقاز. وزار وفد من دمشق، بما في ذلك وزير الشؤون الدينية في سورية، عاصمة داغستان في ماخاتشكالا في مارس الماضي، وناقش التطرف مع سلطات داغستان. وفي الظروف الحالية، حيث نادراً ما يقوم المسؤولون السوريون بأي رحلة خارجية، ناهيك عن منطقة نائية من بلد إلى آخر، فإن رحلة ماخاتشكالا مهمة في إظهار عمق استخدام موسكو للمنطقة السنية المسلمة أداة للتواصل.


فيما يمثل نشر الكتائب القوقازية مرحلة جديدة من تدخل روسيا في سورية، فإن استخدام موسكو للمناطق ذات الأغلبية المسلمة، للوصول إلى الشرق الأوسط، ليس جديداً.

الأكثر إثارة للاهتمام، هو أن بوتين نشر سلاحاً روسياً غير مسبوق في سورية، ويتمثل هذا السلاح في وحدات عدة من الكوماندوز الشيشاني والإنغوشي، التي ينحدر معظمها من منطقة شمال القوقاز المضطربة في روسيا.

وإلى وقت قريب، كانت مهام القوات الروسية النظامية في سورية تقتصر - إلى حد كبير - على تقديم الدعم للطائرات التي تنفذ ضربات جوية في جميع أنحاء البلاد. وبصرف النظر عن عدد قليل من الاستثناءات البارزة - مثل انتشار المدفعية والقوات الخاصة في محافظة حماة والمستشارين العسكريين، جنباً إلى جنب مع القوات السورية في اللاذقية - فإن الأنشطة الأرضية التي تقوم بها موسكو في سورية، ظلت في حدها الأدنى. لكن الانتشار المستمر للكتائب الشيشانية والإنغوشية يمثل تحولاً استراتيجياً للكرملين، فقد أصبح لروسيا أفرادها من النخبة، الذين ينحدرون من سكانها المسلمين السنة، موزعين في جميع أنحاء سورية. ويتيح هذا الوجود المتزايد للكرملين لعب دور أكبر في تشكيل الأحداث على أرض الواقع، كما أنه يثبت وجوده على المدى الطويل. ويمكن لهذه القوى أن تكون حيوية في الحد من أي إجراء قد يتخذه نظام الأسد، من شأنه أن يقوض مصالح موسكو الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، في حين أنه يمثل طريقة فعالة للغاية للكرملين، لاستعراض قوته بكلفة سياسية منخفضة.

ولايزال الدور والحجم الدقيق لكتائب الكرملين الجديدة هذه غير مؤكدين. وقد أفادت تقارير بأن عدد الشيشان، الذين تم نشرهم في ديسمبر، يصل إلى نحو 500 جندي، بينما اقترحت بعض التقديرات ما يراوح بين 300 و400 جندي، ويقال إن عدد الإنغوش قليل نسبياً، ويصل إلى نحو 300 جندي. وعلى الرغم من تعيينهم كـ«شرطة عسكرية»، إلا أن هذه الوحدات تم اختيارها من تشكيلات نخبة «سبيتناز» التابعة للقوات المسلحة الشيشانية، ويجري تكليفها بدور أعلى بكثير من مجرد حراسة المنطقة الخلفية، الذي هو نموذجي لهذه الوحدات: خفر نقاط التفتيش، وتوزيع المساعدات، وحراسة القواعد، وحتى تنسيق الدفاع عن المعاقل المؤيدة للحكومة مع قوات النظام.

يقول الباحث البارز في معهد العلاقات الدولية في براغ، مارك غاليوتي، إنني «أعتقد أن هذا يمثل اعتراف موسكو الصارخ بأنها عالقة في مستنقع». وقد أصبحت هذه الكتائب، في دورها المدني - العسكري المختلط، تستطيع القيام بمجموعة واسعة من العمليات، وهذه الألوية أصبحت أداة مفيدة للكرملين، في سعيه لتأكيد نفسه على مسارح مختلفة في الخارج. حيث ظهر مقاتلون شيشان جنباً إلى جنب مع «المتطوعين الروس» المؤيدين للانفصاليين في شرق أوكرانيا، كما دخلت كتائب عدة من الجنود الشيشان جورجيا، خلال حربها القصيرة مع روسيا في أغسطس 2008، واحتلت مدينة غوري. وعلى الأقل، فإن بعض القوات الشيشانية المنتشرة في سورية لديها خبرة قتالية في شرق أوكرانيا، حيث أفادت صحيفة «نوفايا غازيتا» الروسية بأن أحد القادة الشيشان هو أبتي بولوتخانوف، الذي قضى وقتاً طويلاً في القتال جنباً إلى جنب مع القوات الموالية لروسيا في دونباس.

لكن بغض النظر عن مهاراتهم في ساحة المعركة، فإن هذه الكتائب ذات قيمة كبيرة لموسكو لأسباب أخرى، فقد أثبتت التجربة أن الخسائر الروسية البشرية أصبحت حساسة جداً بالنسبة للمجتمع الروسي وقيادة البلاد، وذهب الكرملين إلى أقصى الحدود لإخفاء خسائره. وكثيراً لا يتم تأكيد وقوع ضحايا، إلا بعد أن يرى المراقبون شواهد لا لبس فيها، مثل وجود مقابر للجنود المتوفين في بلداتهم. ولا تقر الأرقام الرسمية لموسكو سوى بتأكيد 30 قتيلاً في سورية، مع احتمال أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير. ويمكن أن يحمي استخدام أفراد من القوات الخاصة من غير الاثنية الروسية، الكرملين من رد فعل جماهيري عام، يثيره ارتفاع عدد ضحايا المعارك. ومن غير المرجح أن تؤدي الخسائر التي تكبدتها الوحدة الجديدة في شمال القوقاز إلى ظهور مثل هذا الرد، حيث أصبح المجتمع الروسي مستاء بعمق تجاه مواطني المنطقة، لاسيما الشيشان، بعد حربين في التسعينات وهجمات إرهابية متعددة منذ ذلك الحين.

ويقول محرر موقع عقدة القوقاز والخبير في شؤون شمال القوقاز، غريغوري شفيدوف، إن الازدراء الشعبي تجاه المنطقة (القوقاز)، يعتبر عاملاً رئيساً لنشر هؤلاء الأفراد. ويسترسل قائلاً «من السخرية بمكان، أن يكون الأسهل بالنسبة لبوتين تعرض الشيشان أو غيرهم من القوقازيين للقتل في سورية، ومن أولئك الذين ينتمون إلى مناطق أخرى من روسيا».

وتجنيد هؤلاء المقاتلين يوفر لموسكو ميزة رئيسة أخرى، تتمثل في أن سكان شمال القوقاز هم تقريباً من المسلمين السنة، وهو النهج الذي يتقاسمونه مع أغلبية سكان سورية، فمنذ وصول الوحدات الأولى في ديسمبر 2016، سعت موسكو إلى استخدام منهجهم السني المشترك لصالحها. وقد تم توثيق وحدات من شمال القوقاز، باستخدام كتيبات تتضمن اقتراحات مفيدة للتعامل مع السكان المحليين، مثل استخدام كلمة «مخابرات» ما يعني الاحتجاز وغيره من العواقب السيئة، في حالة مقاومة طلب التوقيف. وعلى مستوى أكثر وضوحاً، يطلب من الشرطة العسكرية الشيشانية أن تستخدم كلمات إسلامية مشتركة، لبناء علاقات أكثر صداقة مع الجمهور، معتمدين على مختلف الصفات الدينية لتحية السكان المحليين عند القيام بدوريات. وكانت مناسبة اعتناق جندي روسي الإسلام على المنهج السني، الذي أشرف عليها مفتي الشيشان الكبير أمام مشاهدين سوريين في حلب، هو في حد ذاته مناورة أخرى للعلاقات العامة، التي ترتكز على العقيدة المشتركة بين السوريين والجنود.

في حين أن نشر الكتائب القوقازية يمثل مرحلة جديدة من تدخل روسيا في سورية، فإن استخدام موسكو للمناطق ذات الأغلبية المسلمة، للوصول إلى الشرق الأوسط ليس جديداً. وكثيراً ما عمل الزعيم الشيشانى، رمضان قديروف، كمحاور بين موسكو والدول العربية، ويقوم بزيارات رسمية نيابة عن بوتين لاجتذاب مستثمرين عرب إلى العاصمة الشيشانية. وكان قديروف قد حاول أن يجعل من العاصمة الشيشانية، غروزنى، مركزاً للحوارات السنية الدولية على مستوى الدولة، واستضاف العديد من المنتديات الدولية، حيث كانت الشخصيات الشيشانية هي الممثل الوحيد لمسلمي روسيا، البالغ عددهم 20 مليوناً.

تويتر