ليس لديه العدد الكافي من القوات

الأسد يواجه كلفة باهظة في الحفــاظ على الأراضي التي استعادها

صورة

تدمير سورية، والعنف الذي استشرى فيها منذ ست سنوات من هذا الشهر، لا يعكس سوى علامات ضئيلة على التحسن، على الرغم من أن نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، المدعوم من إيران وروسيا استعاد آخر معقل للثوار في الأراضي الحضرية، في شرق حلب ديسمبر الماضي، على الرغم من أن هناك وقفاً جزئياً لإطلاق النار، لكنه غير متجانس إلى حد بعيد. وتدير المعارك تشكيلة غريبة من القوات، من بينها قوات روسية وأميركية وإيرانية وتركية وكذلك ميليشيات كردية، وقوات شبه عسكرية شيعية مدعومة من إيران، تتوحد في بعض الأحيان في ساحة المعركة لقتال ميليشيات «داعش». ولايزال تنظيم «القاعدة» يستطيع الضرب في عمق النظام، كما عكس ذلك الهجوم المميت الشهر الماضي على المخابرات العسكرية في حمص، وينشغل الثوار بإعادة تجميع قواهم لحماية أنفسهم، بينما لم تحرز المحادثات حول الانتقال من الحرب إلى السلم أي تقدم يذكر.

الواقعية

إن الواقعية التي تترسخ في بروكسل وواشنطن، تحتاج إلى مزيد من المدخلات من الواقع. ويسعى الأوروبيون بيأس إلى أي شيء يمكن أن يحول مسار اللاجئين السوريين نحو بلادهم، لكنهم يريدون أن يتأكدوا بشكل قاطع أن التغييرات الديموغرافية التي أرساها النظام دائمة. وأن رعاة النظام، أيضاً، قد بدأوا بالفعل إعادة الوضع إلى ما كان عليه بعد الفوضى التي تسببوا فيها.

250

مليار دولار، حجم الأموال اللازمة لإعادة بناء سورية، وربما في نهاية المطاف سيكون المبلغ ضعف ذلك.

ثمة مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، قد تخلت تماماً عن أي فكرة لإطاحة الأسد.

أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي ظل سلاح جوه عاملاً حاسماً في إنقاذ الأسد، والذي حول حلب إلى أنقاض، فيعتقد أن الوقت قد حان ليطلب من أوروبا تمويل إعادة إعمار سورية. وتحضرنا هنا عبارة: «أنت كسرتها فعليك أن تصلحها»، التي أصبحت عبارة ذات علاقة جيوسياسية، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة في عام 2003 الثور لتحرير «أو بالأحرى لتكسير» متجر الخزف، وهو في هذا المثل العراق، ومنذ ذلك الحين ظل الجنود متورطين في الوحل، وأنفقت أميركا مئات المليارات من الدولارات في وقت لاحق، وكان عليها محاربة «المتطرفين» الأكثر خبثاً. لكن إذا ترجمنا الوضع السوري إلى اللغة الروسية، فإن المعنى يكون كما يلي: «نحن كسرناها، أنت تدفع ثمن ذلك، لكن نحن وأصدقاؤنا نملكها».

معضلة

لا شك في أن الكرملين يرى أن هناك مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، قد تخلت تماماً عن أي فكرة لإطاحة الأسد. ويبدو أن الذعر السياسي صار يأخذ بتلابيب أوروبا، في ظل تخوفها من حدوث أي موجة أخرى كبيرة من المهاجرين واللاجئين المتدفقين من المنطقة نحو أوروبا. إلا أن الثقة التي تتمتع بها موسكو وطهران في سيطرتهما على الوضع، ينبغي ألا تخفي حقيقة أن أمامهما معضلة حقيقية ومكلفة في سورية. أولاً إلى أي مدى تستطيع حكومة الأسد أن تتحكم في ما يقرب من 35% من الأراضي السورية الواقعة تحت قبضتها. حيث إن نقص القوى البشرية الموالية للنظام جعله يعتمد على روسيا وإيران والقوات شبه العسكرية القوية مثل «حزب الله» اللبناني، ولهذا السبب ينبغي أن تتعاقد دمشق من الباطن، من أجل السيطرة على فسيفساء من أمراء الحرب، والميليشيات والجيوش الخاصة، وثلة من المبتزين، جميعهم استثمروا في هذا الوضع المشوه والمربح من اقتصاد حرب تسبب في إفقار كتلة كبيرة من السوريين، واقتلع ما يقرب من نصف المواطنين من جذورهم.

أسر الدولة «المصغرة»

ثانياً: إلى أي مدى ستظل روسيا وإيران على استعداد لمساعدة الأسد في الخروج من أسر الدولة المصغرة، واستعادة ما تبقى من سورية؟ ومن المؤكد أن الدولة السورية ليس لديها العدد الكافي من القوات لاستعادة شرق سورية والحفاظ عليه. انظروا كيف ظلت مدينة تدمر في وسط سورية تتعرض تارة للاحتلال من قبل «داعش»، وتارة أخرى تعود للقبضة الحكومية. فقد استعاد النظام للتو هذه الجوهرة اليونانية الرومانية القديمة، لتعود إلى «داعش» للمرة الثانية في ديسمبر، بينما كانت القوات الحكومية تركز على حلب. وأخيراً، عادت تدمر مرة أخرى للحكومة بعد الضربات الجوية الأميركية على «داعش» داخل المدينة الأثرية.

الصراع السوري متلون ومتغير الشكل، وسيجانب الرئيس الأسد الحكمة إن هو راهن على البقاء في القصر، في ظل هذا التحالف الغريب.

الواقع الزائف

ثالثاً: السيطرة المزعومة على «سورية المفيدة» هي واقع زائف، فبصرف النظر عن الحقائق الأمنية التي تؤكد أن ما تبقى من أراضي سورية موبوء بالنشاط المتطرف، فإن هذا الزيف يشير إلى أن الشرق تقريباً عبارة عن صحراء «عديمة الفائدة»، لكن الأمر ليس كذلك، حيث إن صمود نظام الأسد يتطلب موارد طاقة ومحاصيل من الشرق. وتنتج محافظات الرقة والحسكة ودير الزور 60% من الحبوب في البلاد، إضافة إلى 75% من القطن، وكل النفط والغاز قبل الثورة عام 2010. وبغض النظر عما إذا كان الشرق عديم الفائدة أم لا، فإن هذه المناطق ضرورية جداً، لكي يستطيع النظام استعادة الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي. ويعتمد توليد الطاقة في سورية على حقول الغاز بشرق البلاد، حيث كانت سورية تحصل قبل الحرب على نحو ربع احتياجاتها من الغاز من هذه المنطقة. لهذا ليس أمام روسيا وإيران سوى الاستمرار في القتال من أجل استعادة كامل سورية. ومن شأن ذلك أن يكون مكلفاً في الأرواح والمال، لكنه سيزيد رقعة سيطرة الرئيس الأسد، الذي انقسمت دولته الآن إلى دولتين. إلا أن توفير الحماية لسورية هو بالفعل مكلف جداً.

ويقول خبراء الأمن العرب إن إيران ظلت تنفق سنوياً ثمانية مليارات دولار. ويعتمد اقتصاد روسيا وإيران على النفط والغاز، لاسيما خلال هذه الفترة التي اتسمت بهبوط أسعار النفط والغاز، وكلتاهما تخضع لعقوبات دولية. صحيح أن موسكو تعاقدت على إيجار منشآت في طرطوس، مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وأنها تعتزم توسيع قاعدتها الجوية قرب اللاذقية. واستطاع الحرس الثوري الإيراني، وهو عبارة عن إمبراطورية تجارية وقوة تدخل سريع، تأمين الاتصالات المتنقلة ذات القيمة، ومناطق تعدين الفوسفات، والميناء، ومناطق توليد الطاقة.

إلا أن حجم الأموال اللازمة لإعادة بناء سورية من المرجح أن تصل قيمته إلى 250 مليار دولار، وربما في نهاية المطاف سيكون المبلغ ضعف ذلك، ولن تصطف الدول الغربية لإعادة التعمير دون استقرار أساسي، واتفاق على تقاسم السلطة.

ديفيد غاردنر محلل سياسي

تويتر