فشلت في حماية المدنيين بالعديد من الأماكن حول العالم

المناطق الآمنة لن تنقذ الشعــب السوري من القصف والقتل

صورة

بعد الجدل الذي صدر عن واشنطن، يوم الثلاثاء الماضي، حول المناطق الآمنة في سورية، التي يمكن أن تلجأ إليها العائلات السورية المعرضة للقصف هاربة من الخطر، أيد النائب الأميركي مايك بينس، عن الحزب الجمهوري هذا الرأي. لكن الفكرة التي تبدو مجرد تخفيف لمعاناة السوريين، وحظيت بدعم السيناتور كيم كاي، هي عبارة عن كابوس عملي مع تاريخ طويل من الفشل، والمناطق الآمنة ليست بديلاً عن قبول اللاجئين.

لا سبب استراتيجياً لمنطقة آمنة داخل سورية

لابد من القول إن إقامة منطقة آمنة في سورية ستكون أقل أهمية من المناطق التي جرى ذكرها، ولهذا فقد عمد مفوض الأمم المتحدة للاجئين إلى رفضها، ويمكن للاجئين السوريين الهرب إلى الدول المجاورة، مثل تركيا والأردن ولبنان، التي تستضيف مجتمعة نحو أربعة ملايين لاجئ سوري. ومن الصعوبة بمكان الوقوف على سبب استراتيجي لتوسيع المنطقة الآمنة في تركيا بضعة أميال إلى الجنوب داخل سورية، كي تكون المخيمات ضمن الحدود السورية. كما أن إسكان اللاجئين داخل سورية لم يمنع أزمة هروب اللاجئين إلى أوروبا، لأن ما وصفته الأمم المتحدة بالظروف المرعبة التي يعيشها اللاجئون في المخيمات هي التي دفعت أمواجاً من اللاجئين إلى الهرب نحو مدن في تركيا ولبنان والأردن. ونظراً لعدم عثورهم على العمل لأسباب قانونية أو اقتصادية اختار الآلاف من السوريين المعدمين المخاطرة بركوب البحر للوصول إلى اليونان، ولهذا فإن نقل هذه المخيمات إلى سورية لن يغير في الأمر شيئاً.

والمناطق الآمنة هي استراتيجية من اختيار القوى الخارجية، التي لا تنوي الالتزام بحل للصراع الدائر حالياً في سورية. ولكنها لا تخفف فعلاً كثيراً من المسؤولية. وعندما تتعرض إحدى هذه المناطق الآمنة للهجمات، فإن القوى الكبرى في العالم ستجبر على الوقوف إلى أحد جانبي الصراع، وهو بالضبط ما تقوم السياسة بتجنبه، وبصورة طبيعية، فإن التدخل عن طريق رفع العتب فحسب، تكون نتيجته سيئة.

وتم استخدام مناطق خصصتها الأمم المتحدة كمناطق آمنة للمرة الأولى في العراق عام 1991، وقد ساعدت القوات الكردية في شمال العراق، لإبعاد القوات الحكومة العراقية عن كردستان العراق، في أعقاب حرب الخليج الأولى، ومنذ ذلك الوقت، تخطر هذه الحالة على أدمغة السياسيين وصناع القرار عندما يفكرون في أي تدخل محدود. ولكنهم لم يتمكنوا من تكرار نجاح هذه الحالة، أي منطقة كردستان العراق، لأسباب واضحة.

ونجحت عملية المنطقة الآمنة في شمال العراق، لأن قوات البشمركة الكردية كانت على الأرض لحماية المنطقة. وفي عام 1992، ونتيجة نجاح هذه المنطقة عمدت الأمم المتحدة إلى تخصيص منطقة آمنة للشيعة في جنوب العراق، ولكن من دون القوة الكافية التي خصصت في الشمال، الأمر الذي سمح للنظام بمهاجمة المنطقة.

ونظراً لعدم التعلم من هذه الحالة، كررت الأمم المتحدة خطأها في عام 1993، عندما ترددت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن التدخل في البوسنة، وقامت الأمم المتحدة بتخصيص مدينة سيربرينيتسا منطقة آمنة لمسلمي البوسنة، الأمر الذي جذب الكثير من اللاجئين إليها، ولكن عندما حاصرت القوات الصربية المدينة، لم يكن هناك من يقدم الحماية الموعودة، الأمر الذي أدى إلى حدوث أعمال تطهير عرقي، حيث قتل نحو 8000 مدني مسلم من الرجال والنساء والأطفال في مجزرة مروعة.

وحاولت فرنسا إنشاء مناطق آمنة في رواندا عام 1995، لمنع مزيد من أعمال القتل، ولكن على الرغم من أن المناطق المحمية كانت تغطي 20% من البلاد، إلا أن أفراد قبيلة الهوتو واصلوا عمليات القتل في مناطق أفراد قبيلة التوتسي. ولم تتمكن الحكومة الجديدة من وقف أعمال القتل، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الجنود الفرنسيين للحماية، واستخدم مرتكبو المجازر المنطقة الآمنة لحماية أنفسهم. وحال انسحاب القوات الفرنسية، اجتاح الجيش الرواندي مخيمات اللاجئين وارتكب مزيداً من أعمال العنف، ما دفع اللاجئين إلى الهرب نحو زائير. وحتى عام 2009، كانت الأمم المتحدة تحاول فرض منطقة آمنة في سريلانكا، إلا أن الحكومة السريلانكية واصلت قصفها لهذه المنطقة.

والولايات المتحدة ترغب حقاً في جلب الأمن إلى سورية حالياً، لكن ذلك ليس بسهولة رسم خطوط على خريطة وتسميتها «مناطق آمنة»، اذ لابد من وجود من يستطيع منع العنف على الأرض. وتظهر حالات الفشل المتكررة في اتفاقات وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية والثوار، عبث إنشاء المناطق الآمنة.

ويمكن ان تتدخل القوات الأميركية لفرض منطقة آمنة، لكن تقديرات وزارة الخارجية تقول إن هذه السياسة تتطلب نحو 30 ألف جندي أميركي على الأقل، الأمر الذي يرفع من احتمال حدوث إصابات في صفوف هذه القوات، اذا تعرضت المنطقة الآمنة للقصف. ورفضت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، هذا الاحتمال، كونه ينطوي على مخاطر كبيرة وفوائد قليلة.

وأكبر هذه المخاطر ستنجم عن قيام قوات النظام السوري بهجوم على قوات المعارضة الموجودة في المنطقة، وبالنظر إلى أن سورية وروسيا تنسقان هجماتهما، فإن حرباً ضد سورية تعني حرباً ضد روسيا، وبالتالي الحرب مع دولة نووية من أجل تثبيت منطقة آمنة، الأمر الذي يعتبر تهوراً كبيراً.

وإذا تم إنشاء المنطقة الآمنة في منطقة تسيطر عليها المعارضة، فسيؤدي ذلك إلى حرب مع قوات النظام السوري، الأمر الذي سيجعل كفة القتال ترجح إلى جانب المعارضة، وبالتالي إلى تغيير النظام في سورية، وهذا سيؤدي إلى وقوع البلد في حالة من الفوضى والاحتراب، بين العديد من المجموعات المسلحة المتقاتلة في شتى أنحاء سورية، وبدلاً من جلب مزيد من الأمن، ستؤدي هذه السياسة إلى نشر الفوضى.

وهذا ما حدث نتيجة سياسة «مناطق حظر الطيران» لحماية المدنيين في ليبيا عام 2011، حيث تحولت هذه السياسة بسرعة من سياسة ردع الهجمات التي كان يقوم بها العقيد معمر القذافي على المدنيين في بنغازي، إلى استهداف لعناصر من النظام الليبي. وأدى ذلك إلى الإطاحة بالنظام الليبي، وانحدار ليبيا إلى حالة من الفوضى، الأمر الذي استغله تنظيم «داعش»، ونجم عنه أزمة لاجئين انتشرت عبر البحر المتوسط.

وفي حقيقة الأمر، فإن القيام بعمليات في سورية، سيكلف الولايات المتحدة مبالغ أكبر بكثير من استضافة لاجئين سوريين. ومن المعروف أن نشر جندي واحد يكلف الخزانة الفيدرالية 1.2 مليون دولار سنوياً، وبناء عليه، فإن 30 ألف جندي سيكلفون على الأقل 36 مليار دولار سنوياً. ولكن الأمم المتحدة تقدر تكاليف استضافة لاجئ سوري واحد في الولايات المتحدة، بنحو 14.7 ألف دولار سنوياً.

إن المنطقة الآمنة هي سياسة ليس لها أي سند سوى التطمينات الكلامية، فهي لن تفعل شيئاً لتخفي المعاناة الحقيقية للسوريين، كما أنها مكلفة وإجراءاتها غير عملية، ولا تجنب أميركا وأوروبا استضافة اللاجئين، اذ سيظلون يحملون مسؤولية قبول اللاجئين السوريين في بلادهم، وهي أفضل منطقة آمنة يمكنهم أن يقدموها.

تويتر