دمشق واثقة بأنها لن تُحاسَب من قبل أي جهة

موسكو والأسد يستغلان الهــــدنة لإعادة نشر قواتهما

صورة

يبدو أن الحرب في سورية تتعقد أكثر فأكثر، في وقت تشعر الحكومة السورية بأنها بعيدة عن المساءلة. وتطالب منظمات حقوقية بالضغط على نظام بشار الأسد والدفع لمساءلته قانونياً عن الجرائم التي ارتكبها، إذ يجب ألا يعتقد أن الإجازة التي يتمتع بها الآن ستمتد إلى ما لا نهاية. يأتي ذلك في وقت شرعت «لجنة العدالة والمساءلة الدولية» في جمع أدلة عن تجاوزات نظام دمشق من أجل تحقيق محتمل فيها.

منعطف جديد

تشهد الأزمة السورية منعطفاً جديداً يشير إلى مدى عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل للمشكلة المستمرة منذ ست سنوات. ولم تتخلّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن إعادة فرض الهدنة التي انهارت الأسبوع الماضي، في وقت استأنفت المقاتلات الروسية والسورية قصف أحياء مدينة حلب دون مراعاة الظروف الإنسانية المزرية التي يعيشها أهالي المدينة. والمشاهد الواردة من هناك تدل على مدى وحشية القصف والتدمير غير المسبوق منذ سنوات. إلى ذلك، دعت المفوضة الأوروبية فرديريكا موغرني، الأطراف المعنية إلى احترام الهدنة، كما طالبت القوى الدولية بممارسة الضغوط لوقف القتال. وعلى الرغم من القصف المكثف لأحياء حلب واستهداف قوافل الإغاثة، أكد وزير الخارجية الأميركية جون كيري، أن وقف إطلاق النار «لم يمت».

وأعلن الأسد أهدافه بوضوح منذ اللحظة الأولى لبدء الهدنة الأخيرة في سورية، قبل أكثر من أسبوعين، عندما ذهب إلى داريا في ريف دمشق، وتعهد من هناك باستعادة البلاد كاملة. ومن البداية عمد النظام إلى عرقلة عمل قوافل الإغاثة ومنعها من الوصول إلى المناطق المحاصرة بشكل يخالف بنود اتفاق الهدنة.

ويدل هذا السلوك على ثقة الأسد بأنه لن يواجه أي عقوبات أو ملاحقات، كما يسلط الضوء على العقبات التي تواجه عمل هيئات الإغاثة، خصوصاً تلك التابعة للأمم المتحدة. فهي لا تستطيع، ولم تكن قادرة أبداً على إيصال مواد الاغاثة والاغذية الى حيث تريد ومتى تشاء. وتخضع القوافل الأممية للإجراءات والتعليمات التي تمليها دمشق، وبالتالي يحدد الأسد أي جهة يمكن للأمم المتحدة العمل معها، ومتى وأين تذهب العشرات من القوافل الأممية التي تدخل البلاد.

وتعرّض العمل الإغاثي لانتكاسة كبيرة ليس من قبل نظام دمشق فحسب، بل ومن حكومات الدول المانحة التي تموّل جهود الأمم المتحدة في تقديم مواد الإغاثة الأساسية، بعد أن فشلت خمس سنوات من الجهود الدبلوماسية في تحقيق أي شيء يقترب من السلام، أو حتى ممارسة ضغوط كافية لوقف الفظائع، كانت قافلة الإغاثة في حلب إحدى ضحاياها أخيراً.

فرصة للبقاء

هذه الممارسات تدل على ثقة نظام الأسد بأنه لن يعاقب من قبل أي جهة دولية أو إقليمية، كما تدل على المخاطر والصعوبات التى يواجهها عمال الإنقاذ والقوافل، خصوصاً التي تشرف عليها الولايات المتحدة. وكانت تقديرات الخبراء والمحللين على مدى سنوات الحرب هي أن الأسد سيسقط في نهاية المطاف، ولكن في كل مرة كان يبدو فيها أن نهاية الرئيس السوري قريبة يحدث تحوّل مفاجئ يمنحه الهواء للتنفس وفرصة للبقاء في السلطة. ويمارس النظام ضغوطاً كبيرة على قوافل الإغاثة، إذ يجب على القوافل والمنظمات الخضوع لقوانين الحكومة السورية.

فمن بين طلبات المساعدة التي أرسلتها واشنطن لحكومة الأسد، تمت الموافقة على 60% منها فقط، وعلى الرغم من ذلك لم تصل القوافل إلى جميع الأماكن ووصلت إلى ثلثها فقط، فضلاً عن العديد من المساعدات والطعام الذي استبعده النظام. وصرحت منظمة الصحة العالمية بأن الحكومة السورية قد استثنت نحو 50 طناً من المساعدات الطبية منذ يناير، منها أدوية لعلاج الحروق والمضادات الحيوية وغيرها، ومنعت وصولها إلى المناطق المتضررة.

استغلال الهدوء

وتبدو موسكو متمسكة باستئناف هدوء نسبي في سورية، فهي تريد الاستفادة من هذا الهدوء لإعادة نشر قواتها وقوات حلفائها السوريين ضد تنظيم «داعش» الإرهابي والمجموعات المعارضة الأخرى. وفي وقت لم تأتِ الاجتماعات حول الأزمة السورية في الأمم المتحدة بنتيجة حتى الآن، وسط جو من التهم المتبادلة بين صناع القرار، فإن الأزمة السورية مستمرة، والمدنيون لايزالون تحت القصف رغم الهدنة المعلنة، كما أن المساعدات الإنسانية لم تتمكن من الوصول الى المدنيين المحاصرين والمتضررين في حلب وغيرها من المناطق.

وكانت حلب هدفاً لغارات متواصلة نفذها النظام وحليفه الروسي، وذلك قبل إطلاق العملية البرية. ولقي عشرات الأشخاص حتفهم في المدينة ومحيطها. وتقول مصادر إعلامية في سورية، إن القصف لم يتوقف، وطواقم الإسعاف أصبحت عاجزة أمام حجم المأساة، وتحوم طائرات الاستطلاع في سماء المنطقة قبل أن تنفذ الطائرات المقاتلة غاراتها، لتدمر بنايات سكنية بالكامل، وبات المئات من المدنيين لا يجدون مأوى، ولا يوجد بحوزة السكان وسائل لإزالة آثار الدمار، ففي حي الكلاسة، على سبيل المثال، لا يملك المنقذون إلا جرافة واحدة، ويبحثون بأيديهم عن ضحايا وسط أكوام دمار طال العديد من البنايات. ويصف مراقبون ما يحدث في حلب بأنه أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.

استعادة السيطرة

ويقول المحلل السياسي جورج ملبرونو، إن هدف هذه الغارات غير المسبوقة على حلب، هذه الأيام، هو استعادة السيطرة على المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة، بعد إخلائها من سكانها الذين فروا إلى المناطق الغربية التي يسيطر عليها النظام، إذ تشكل إعادة السيطرة على حلب أولوية بالنسبة للنظام وحليفه الروسي.

ويشير الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إلى أن تركيا التي شنت هجوماً نهاية أغسطس داخل الأراضي السورية بحجة طرد تنظيم «داعش»، تستهدف في الوقت ذاته أعداءها الأكراد، متسائلاً عما إذا كانت أنقرة ستسمح لدمشق وموسكو بالسيطرة على حلب التي تبعد 90 كيلومتراً عن أراضيها، دون أن يصدر عنها أي رد فعل.

يأتي ذلك فيما وصف سكان في الجزء الشرقي الذي يسيطر عليه المتمردون في المدينة القصف الذي تعرضوا له في الأيام الأخيرة بأنه الأكثر تدميراً من أي شيء رأوه من قبل، فقد دمرت العديد من المباني وتركت القذائف حفراً بعمق أمتار عدة. ويقول رئيس خدمات الإنقاذ للدفاع المدني في شرق المدينة، عمار سليمو، «فرقنا تستجيب ولكنها ليست كافية لتغطية هذا الحجم من الكارثة».

وقال مسؤولون في المعارضة، إن الغارات الجوية الأخيرة أصابت أربعة على الأقل من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شرق حلب، ويعتقدون أن الطائرات الحربية الروسية هي التي تنفذها في الغالب. كما استعادت قوات الحكومة السورية مخيماً للاجئين الفلسطينيين يقع شمال المدينة.

تويتر