تراجع احتمال وجود شركاء غربيين للغرب للتوصل إلى تسوية سياسية

سوريون واقعون بين خذلان أميركـــا واستعداء روسيا والأسد

صورة

تعتقد شريحة من العرب السنة أن السماح لروسيا بوضع الأجندة في سورية، سيقضي على أفضل أمل لديهم لهزيمة تنظيم «داعش» واستعادة السلام.

 

أواخر عام 2015، فاجأ رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، برلمان بلاده عندما أعلن عن وجود 70 ألفاً على الأقل من الثوار «المعتدلين» في سورية، الذين هم على استعداد للانضمام إلى التحالف في المعركة ضد «داعش». كان لديه سبب للتفاؤل، حيث إن جماعات مثل جيش الفتح والجيش السوري الحر، حاربت ببسالة على حد سواء ضد «داعش». ويتفق مع فرضية كاميرون تلك مسؤولون أميركيون يعملون حالياً أو عملوا من قبل في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مثل وزير الدفاع السابق الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) السابق أيضاً، ليون بانيتا، حيث يعتقد هؤلاء أن هناك شركاء محتملين بين الثوار، خصوصاً بين العرب السنة الذين يمكنهم انتزاع الشرعية ليصبحوا بديلاً عن «داعش». وقد أوضح الحلفاء الإقليميون أيضاً ضرورة مثل هذه القوى، لا سيما أن الأتراك سوقوا الأسبوع الماضي للبنتاغون ضرورة تدريب القوى السنية داخل سورية.

 

ولكن يبدو أن أمر السنة لا يهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يسعى إلى تحديد من هو إرهابي، ومن هي المجموعة من الثوار التي ينبغي قصفها اعتماداً على مدى عدائهم للنظام وليس لتنظيم «داعش». ويعكس ذلك أن الروس قد اعتمدوا تكتيك نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي يعتمد الممارسات الوحشية ضد المجتمعات السنية، وإسقاط الذخائر عشوائياً على مناطق مكتظة بالسكان في المناطق الحضرية الداعمة للثوار السنة العرب. وحتى مع اعتقاد مسؤولين أميركيين أن هناك بعض التداخل بين أهداف موسكو وواشنطن، فإن الحملة الروسية عملت على عزل السنة العرب السوريين عن الغرب والعالم.

 

في الأيام الأولى من تدخلها في أكتوبر الماضي، بدأت روسيا بقصف العناصر التي تسعى بشدة لعقد شراكة مع الغرب، ما أسفر عن مقتل قادة الجيش السوري الحر الرئيسين في درعا وحماة. وليس ذلك أمراً مفاجئاً، فقد تبنى بوتين بشدة استراتيجية الأسد سيئة السمعة، التي تهدف إلى القضاء على الثوار المعتدلين في سورية في محاولة لتصوير نفسه في النهاية على أنه الخصم الوحيد لتنظيم «داعش» الذي لايزال واقفاً على رجليه.

وفي شمال سورية، حيث يقاتل ثوار حلب بشدة ضد «داعش»، لاتزال الطائرات الروسية تستهدفهم بشكل منتظم. وقد استهدف الروس أيضاً البنية التحتية المدنية التي كان من الممكن أن تجعل الحياة أقل بؤساً في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، بما في ذلك المستشفيات والمدارس. وفي 9 يناير، ضربت حملة القصف الروسية المكتب الميداني الإنساني لمنظمة «فرقة الطوارئ السورية»، في إدلب. وعلى رغم أنه من الممكن أن يكون المكتب الذي يعمل في توزيع مساعدات من الحكومة الأميركية، قد تم استهدافه عن غير قصد، فمن المرجح جداً أن يكون استهدافه أيضاً عن قصد لأن له علاقة بالمعارضة المسلحة.

وفي هجوم آخر على المعارضة، في يوم عيد الميلاد، قضت غارة جوية روسية على زعيم جماعة «جيش الإسلام»، زهران علوش، وهي كتيبة معارضة رئيسة ملتزمة بشدة بإبعاد «داعش» عن دمشق. واحتفل «داعش» على الفور بهذه العملية بعد أن علم بوفاته. ويعكس ذلك أن «داعش»، مثل نظام الأسد وروسيا، هو الأكثر خوفاً من الجماعات السنية الأخرى التي تقف في طريقه. والجدير بالذكر أيضاً أن «جيش الإسلام» كان جزءاً من عملية السلام، التي أقرت النقاط الأساسية لوقف إطلاق النار الدولي، في مؤتمر للمعارضة في الرياض، بالمملكة العربية السعودية. وفي أعقاب وفاة علوش، يبدو أن التزام المجموعة بالعملية أصبح أقل وضوحاً.

 

وتثبت الاغتيالات الروسية التي تستهدف الثوار الذين آلوا على أنفسهم محاربة «داعش» ويبدون التزامهم بوقف إطلاق النار – أن مؤيدي الأسد هؤلاء ليست لهم مصلحة في وضع حد للعنف. ولكن مما يبدو أكثر إثارة للقلق، هو عدم قدرة الولايات المتحدة على حماية التحالف العربي السني الذي لايزال أفضل أمل لهزيمة «داعش». وفي الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة لكسب مزيد من الزمن، يواصل الروس قضاءهم ببطء على العناصر السنية المعتدلة التي يمكنها الجلوس على الجانب الآخر من طاولة المفاوضات في فيينا. وهذا لا يعرض فقط مباحثات فيينا للخطر، وإنما يقلل أيضاً من فرص الشراكة بين الولايات المتحدة والقوات البرية السنية تحت الإدارة الأميركية المقبلة.

 

من الناحية الأخرى، يبدو على واشنطن الارتباك باستمرار في ما يتعلق بأهداف التدخل الروسي في سورية، واصفة دوافع بوتين بما يشبه الألغاز. وفي الواقع، تدرك إدارة أوباما نيات بوتين جيداً، وهي حماية النظام في دمشق، وتأمين مصالحها ومشروعاتها داخل البلد.

 

وحدثني مسؤولون في إدارة أوباما وراء أبواب مغلقة، بأنهم يدركون تماماً هذه الأهداف ويفهمون أنها لا علاقة لها بهزيمة «داعش».

 

ولكن من خلال سماحه لبوتين بوضع قواعد الطريق في سورية، فإن البيت الأبيض يسمح له أيضاً بمساعدة حملة الأسد الإرهابية ضد المجتمعات العربية السنية. وهذه الحملة ليست نتيجة غير مقصودة، ولكنها استراتيجية ظل يستخدمها النظام منذ عام 2012 وتبناها الروس وشذبوها في عام 2015. ويستطيع نظام الأسد البقاء على قيد الحياة إذا استطاع نظامه ومؤيديه إبعاد الجماعات السنية – وهو أمر سمح به البيت الأبيض.

 

ويعترف القائد الرفيع بحلف شمال الأطلسي (ناتو) الجنرال فيليب بريدلوف، أن هناك مناطق من سورية لا تستطيع الطائرات الأميركية الطيران فوقها بسبب الحركة الجوية الروسية، ووجود نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس –400، حيث تستطيع الطائرات الأميركية التي تطير فوق هذه المناطق توفير الدعم الجوي للقوات المناهضة لـ«داعش». وبهذا تكون الأنشطة الجوية الروسية منعت بالفعل الطلعات الغربية من استهداف التنظيم، على عكس نظرائهم الروس، الذين قصفوا الجيش السوري الحر المعادي لـ«داعش»، الذي تدعمه الولايات المتحدة. وبدلاً عن مواجهة الروس في مثل ما حدث، تقبّل وزير الخارجية الأميركية، جون كيري في 15 ديسمبر العام الماضي الفرضية الروسية، التي تقضي ببقاء الأسد أثناء عملية الانتقال السياسي في دمشق – وهو رفض مباشر للموقف الذي اعتمدته أساساً شخصيات عربية سنية معارضة مسلحة وسياسية اجتمعت في الرياض.

 

ويبدو أن روسيا اتخذت موقفها المبدئي بشأن السماح للأسد بالبقاء في السلطة، لكي تجعل رحيله الحتمي في ما بعد كأنه جائزة سخية من لاعب كبير جديد في الشرق الأوسط. ما لن يقبله الروس أبداً هو حكومة شاملة تساعد على تمكين الجماعات السياسية والعسكرية التي تقصفها روسيا حالياً. وقد لا تكون هذه النتيجة ما تتوقعها الولايات المتحدة أو القوى الدولية الأخرى.

ونحن نتطلع قدماً إلى محادثات فيينا وننظر في مصير الأسد، علينا أن نعترف بالواقع القبيح وهو أن التدخل الروسي قد أمن بالفعل موقف الأسد في الوقت الحاضر. وتساءل المستشار الأميركي الخاص السابق بشأن الانتقال في سورية على الموقع الإلكتروني للمجلس الأطلسي في 4 يناير، فريد هوف، لماذا تحتاج موسكو أو تريد ضماناً أميركياً في ما يتعلق بسورية؟ فمتى شكلت واشنطن تهديداً حقيقياً لنظام الأسد؟.

تويتر