اشتباكات طرابلس كشفت التحول اللافت في سياسة الحكومة الحذرة تجاه الوضع في المدينة

الصراع السوري يجرّ لبنان إلى دائرة العنف الطائفي

صورة

يشهد لبنان في هذه الأيام تصعيداً أمنياً خطراً، في الوقت الذي اندلعت فيه اشتباكات شمال البلاد، تعد الأسوأ من نوعها منذ بداية الأزمة السورية. واحتدمت المعارك في مدينة طرابلس يوم الجمعة الماضي، بين الجيش اللبناني وجماعات سنية مسلحة، وقتل فيها 18 شخصاً بينهم ستة جنود. ويشير القتال في طرابلس إلى تحول لافت في سياسة الحكومة، التي دأبت منذ فترة طويلة على اتباع الحذر تجاه الوضع في المدينة، حيث كان المسلحون غير النظاميين يوجدون ويتحركون في حرية بين السكان المحليين الذين يعانون الفقر والتهميش. واكتسب المتشددون شعبية بين الأهالي، وباتوا أكثر راديكالية بعد أن تمكنت قوات (الرئيس السوري) بشار الأسد من إحراز تقدم كبير ضد المعارضة. وتشهد طرابلس التي تواجه انعكاسات النزاع السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات، باستمرار مواجهات دامية بين السنة أنصار المعارضة السورية، والعلويين أنصار نظام الأسد. لكنها المرة الأولى التي تدور فيها معارك بهذا العنف، وسط عاصمة شمال لبنان. ويقول الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إننا «دخلنا على نحو مباشر في الحرب السورية، لم يعد مجدياً اتهام فريق للفريق الآخر بأنه لولا التدخل لما وصل الإرهاب إلى لبنان».

ويتحرك الجيش اللبناني عادة لإخماد اشتباكات متكررة في طرابلس، من دون ملاحقة المتشددين في معاقلهم بالأحياء المضطربة، لكن وحدات الجيش تقوم منذ أيام بعملية شاملة ضد المسلحين، مستخدمة طائرات هليكوبتر حربية، لأول مرة في طرابلس، في الهجوم على متشددين، قالت إنهم يتحصنون في سوق الخضار بالمدينة التاريخية بمنطقة السوق القديم.

وهناك نشاط معقد يقوم به المتشددون في طرابلس، وأظهر المسلحون السنة في المدينة تعاطفاً متزايداً تجاه تنظيم «جبهة النصرة»، وهي جماعة متمردة مرتبطة بتنظيم القاعدة في سورية، والتي تجند المقاتلين هناك. واتخذ المتمردون السوريون ملجأ هناك كذلك، ويقول مسؤولون أمنيون وسكان في طرابلس إن تنظيم «داعش»، الذي استولى على أجزاء من سورية والعراق يقوم بالتجنيد في المدينة.

وواجه الجيش اللبناني ضغوطاً مكثفة في الآونة الأخيرة، للقضاء على المسلحين، بعد أشهر من الاحتجاجات قام بها أقارب جنود لبنانيين تحتجزهم «جبهة النصرة». واختطفت مجموعة مسلحة جندياً في أغسطس الماضي في بلدة عرسال الحدودية، في البقاع اللبناني، ومنذ ذلك الحين أعدمت ثلاثة أشخاص. واتخذ المسلحون موقفاً عدائياً الأسبوع الماضي، إذ هدد قادة في «جبهة النصرة» بقطع رأس الجندي الأسير إذا لم يوقف الجيش ما تسميه المجموعة «الهجمات على السنة».

وتم تقسيم طرابلس لعقود على أسس طائفية بين السنة المعارضين للحكومة السورية والعلويين المؤيدين لها، وتندلع اشتباكات بشكل دوري عبر خط الجبهة بين حيين في المدينة، من دون الانتشار إلى مناطق أخرى من لبنان، أو حتى من طرابلس. لكن القتال هذا الأسبوع انتشر إلى أجزاء من المدينة كانت هادئة من قبل، بما في ذلك السوق القديم بالمدينة، والتي يجري النظر فيها لتكون موقعاً للتراث العالمي بحسب «اليونيسكو».

وللمرة الأولى، أرسل الجيش عربات مدرعة إلى باب التبانة، الحي السني الذي يصطدم بشكل دوري مع المنطقة العلوية المجاورة في جبل محسن. وأعلن زعماء علويون في طرابلس دعمهم الكامل للرئيس السوري. وأظهرت لقطات بثت على الإنترنت جرحى في طرابلس، يجري نقلهم في سيارات الإسعاف، تم تصويرها من قبل سكان في المدينة، ويسمع في الخلفية شخص يتهم الجيش بالتحالف مع «حزب الله»، الذي يقاتل في سورية إلى جانب الحكومة السورية، باستهداف السنة.

وبسبب العنف المتصاعد يشعر الزعماء السياسيون بخيبة الأمل، وهم يسعون جاهدين لإخماد التوترات الطائفية في جميع أنحاء البلاد. وحث أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، أتباعه، في بيان الأسبوع الماضي، على مقاومة ما سماه الجهود لإثارة الفتنة. في حين أصدر زعيم تيار المستقبل (السني)، سعد الحريري، بياناً قال فيه إنه يؤيد جهود الجيش لاعتقال نشطاء سماهم «إرهابيين».

لكن الحريري أشار، أيضاً، إلى تهميش السنة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أجبره على البقاء في الخارج أغلب الوقت بسبب تهديدات لسلامته. وتشهد مناطق الشيعة أيضاً حالة من الاضطراب على نحو متزايد. فقد قامت عائلات جنديين أسيرين لدى «جبهة النصرة»، وهم شيعة أساساً، بإغلاق الطرق وتنظيم اعتصامات أمام المباني الحكومية وسط بيروت. بينما حث «حزب الله» أتباعه على عدم الانخراط في ما سماه «الانتقام الطائفي»، في حين قال سكان المناطق الشيعية إنهم حريصون على الدفاع عن أنفسهم. واندلعت اشتباكات جديدة يوم الجمعة، بعد أن اقتحم الجيش قرية بالقرب من طرابلس، في حملة استهدفت نشطاء شاركوا في القبض على الجنود بعرسال، وبعدها هاجم مسلحون دورية للجيش اللبناني في السوق القديم بطرابلس. كما أسر مسلحون جندياً كان يركب سيارة أجرة، واختطف جندي ثانٍ من منزله.

يذكر أنه عندما ورد خبر قيام تنظيم «داعش» بقطع رأس عنصر في الجيش بعرسال، دان عدد قليل من سكان البلدة في مقابلة مع التلفزيون اللبناني علناً التنظيم، وبدلاً من ذلك ركز هؤلاء غضبهم على السياسيين اللبنانيين. ويرجع كثير من اللبنانيين تدهور العلاقات بين الطوائف، وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، إلى الصراع في سورية. وفي حين أصبح المزاج العام عند الطائفة السنية في لبنان معادياً على نحو متزايد، أسهم سلوك «حزب الله» في السنوات الأخيرة في جعل الوضع أكثر سوءاً، حيث فرض الحزب سلطته في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق، والزعيم السني البارز، رفيق الحريري في 2005، بعد أن وجهت محكمة دولية في لاهاي التهم إلى العديد من أعضاء الحزب بضلوعهم في الاغتيال.

 

تويتر