تفجّر الوضع الكردي وتقدم «داعش» فاقما قلق أنقرة

الأزمة الســورية تهــدد بتدمـير الأحلام التركية

صورة

خلال الفترة المقبلة ستمر العديد من الذكريات المئوية على الأتراك، ففي عام 1915 تمكنوا من هزيمة بريطانيا في معركة غاليبولي، وفي الفترة ما بين عامي 1920 و1922، تمكنوا من وقف الجهود التي كان يقوم بها الجميع والهادفة إلى تقسيم تركيا. وفي معاهدة لوزان عام 1923، تم الاعتراف بتركيا كما هي حدودها الحالية تقريباً، وفي ذلك العام تم الإعلان عن جمهورية ذات تطلعات أوروبية. وتتطلع الحكومة الحالية إلى عام 2023، كي تعلن بأن الاقتصاد التركي سيكون ترتيبه الـ10 عالمياً.

أخطاء كبيرة

ارتكبت الحكومة التركية العديد من الأخطاء المتنوعة في تعاملها مع الأكراد، إذ إن المنطقة الكردية الواقعة في الجنوب الشرقي لاتزال فقيرة ومحتقرة، وكانت النتيجة ظهور حركة إرهابية هي حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، بقيادة عبدالله أوجلان، الذي أسهمت نشاطاته في إبعاد الاستثمارات عن الإقليم، وفاقمت من سوء الوضع. وفي هذه الأثناء، تدفقت أعداد كبيرة من الأكراد نحو أوروبا الغربية وجنوب تركيا، وتطورت أحوالهم الاقتصادية والسياسية (وهم يشكلون ثلث الحزب الحاكم حالياً)، وانحدر آخرون في عالم الجريمة،. وثمة توتر كبير حالياً بين الأكراد والاتراك، والظروف الحالية على الحدود مع سورية جعلت الأمور تسوء أكثر.

وكان رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، يدرك أن كثيرين يعتبرون الإسلام بعيداً عن ركب الحضارة، ولذلك فإن أطروحته في الجامعة كانت تناقش هذه القضية. ويبدو أن بلاده ستظهر الآن عكس هذا الانطباع السائد عن الإسلام، وهناك منطقة في شمال اسطنبول من المقرر أن يتم إنشاء مطار عليها، إضافة إلى مركز أبحاث فضائي، لكن في الوقت الذي نصل فيه إلى الذكرى المئوية لمرور تأسيس الحكومة عام 1923، ربما لن يكون هناك أي سبب للاحتفال بذلك، لأن تركيا ربما لا تكون موجودة بحدودها الحالية، وهذه نتيجة محتملة للأزمات المحدقة في الجنوب والشرق.

ويعني وصول تنظيم «داعش» إلى حدودها مع سورية، البالغ طوالها نحو 500 ميل، ظهور المتاعب، بغض النظر عما يمكن أن يقوم به الأتراك. وفي عام 2011 حاول رئيس الوزراء في حينه، رجب طيب أردوغان، تقديم مساهمته في «الربيع العربي»، فشجب ممارسات النظام السوري، وقدم المساعدة للمعارضة، ولتحسين صورته في العالم العربي دان إسرائيل أيضاً، وكان الخطأ الرئيس في حسابات أردوغان أن النظام السوري سيسقط فوراً، وسيحتفل العرب بعودة النفوذ التركي من جديد، لكن النظام السوري لم يسقط، ومن المتوقع أن يتمكن الآن من استعادة حلب، ثاني أكبر مدينة في سورية. وبالنظر إلى تفتت سورية إلى العديد من مواقع النفوذ، قام الأكراد الموجودون في سورية بإنشاء كيان خاص بهم، مرتبط بالحركة الكردية الإرهابية الموجودة داخل تركيا، وهو حزب العمال الكردستاني «بي كي كي»، إضافة إلى وجود تعاون بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد.

ومع تفسخ الدولتين السورية والعراقية، ظهر العديد من المتطرفين الإسلاميين، وآخرهم كان «داعش»، الذي أثبت نجاحه بصورة مذهلة، وهو معاد للأكراد، ويحاصر الآن مدينة (عين العرب) كوباني السورية، التي يقطنها الأكراد، وبناءً عليه عبر الحدود 200 ألف كردي إلى داخل الاراضي التركية، لينضموا إلى نحو 1.5 مليون لاجئ من سورية.

وبالعودة إلى عام 2011، وعندما تعرض النظام السوري للضغوط للمرة الأولى، لاحظ نظام الأسد أن العالم الغربي لا يدري ما يفعله: فإذا تعرضت سورية للهجوم، سيحدث انفجار في الشرق الأوسط برمته، وكان على صواب. ومن الصواب أيضاً أن سورية والعراق دولتان غير حقيقيتين، تم فصلهما عن بعضهما بعضاً عام 1919 كي تتلاءما مع الأهداف الاستعمارية لفرنسا وبريطانيا، لكن إذا انفجر البلدان، فليكن ذلك، وتركيا في الخط الأمامي بكل المعاني. والسؤال الكبير الذي يفرض نفسه بقوة استنادًا إلى ما سبق، هل سيظهر كيان كردستاني؟ إذا كان الجواب نعم، فإن ذلك معناه أن تركيا ستخسر ثلث مساحتها الحالية، مع احتمال حدوث تطهير عرقي، مثل الذي وقع في البلقان وآسيا الصغرى قبل قرن من الزمان، حيث شكل اللاجئون نصف سكان تركيا المدنيين في ثلاثينات القرن الماضي، وربع سكان اليونان،

وكان الأكراد هم أكبر الخاسرين من تسويات ما بعد الحرب العالمية الثانية عام 1919، وحصلت تركيا على شمال العراق الكردي، لكن البريطانيين الذين يبحثون عن النفط من ناحية وعن المناطق الاستراتيجية لمحميتهم العراقية، منعوا تقسيمها عام 1926، وكان الأتراك والأكراد في حينه متقاربين جداً، كما أن الأكراد العقلانيين أدركوا أن مستقبلهم الأمثل في تركيا.

وبالطبع، فإن إعادة تشكيل كردستان سيكون أمراً صعباً، ليس أقله أنه توجد سبع لغات كردية منفصلة، تكتب بأحرف مختلفة، وأكثر هذه اللغات تطوراً هي الصورانية في الشمال الغربي للعراق، التي يتحدث بها المثقفون، وهي ليست مفهومة بسهولة في تركيا، حيث يتم التحدث بلهجتين أخريين من الكردية هما كيرمانك وزازا، وعند الكتابة يتم استخدام الحرف اللاتيني، وبعبارة أخرى فإن كردستان لو كانت موجودة لعانت المتاعب التي واجهتها تركيا عام 1923 عند إنشائها.

ومهما فعل الأتراك حالياً سيرتد عليهم بصورة سلبية، فهل يرسلون الدبابات من أجل إنقاذ كوباني؟ وهذا يعني عبور الحدود الدولية، والحرب، لكن لماذا يموت الاتراك في سبيل هذه القضية؟ وإذا تركوا الأكراد يذبحون في كوباني سيزداد دعم الـ« بي كي كي» بصورة خيالية.

وبلا نتيجة، صوت البرلمان التركي لتمكين الحكومة من التدخل، ولكن أردوغان استغل الظرف ليقتص من النظام السوري، ووضع شرطاً للتدخل هو الإطاحة بالنظام السوري. وبالنظر إلى الدعم الروسي والإيراني لن يتم الإطاحة بنظام الأسد، وبناءً عليه فإن الأتراك كدسوا الأسلحة على حدودهم، من دون أي استعداد للتحرك. وخلال كل هذه الأحداث، فإن التفجير غير المنتهي للمنطقة برمتها يمكن أن يكون له أثر سيئ في الاقتصاد التركي (يتوقع الجميع في أنقرة تزايد أعمال التفجير الارهابية).

وبالعودة إلى عام 2011، كان يتعين على الحكومة تذكر القول المأثور لمؤسس الجمهورية كمال أتاتورك: إذا كان السلام يعم خارج الدولة فإنه سيخيم على داخلها. وفي هذا المقام اعترف بأني عام 2003 أيدت غزو العراق، وكان ذلك أكبر الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي، وجميع الأتراك الذين أعرفهم أخبروني بأني على خطأ، وكانت لدى الحكومة التركية في حينه شكوكها إزاء هذا الغزو، ويجب أن تكون لديها مثل هذه الشكوك بشأن سورية، وإلا فإنه سيكون أحد أنواع جنون العظمة هو الذي دفع بهم إلى هذه الفوضى الكبيرة.

نورمان ستون استاذ العلاقات الدولية في جامعة «بيلكنت» في أنقرة

تويتر