واشنطن مطالبة باستخدام القوة على الفور في البلدين

العالم يتجاهل سورية ويقاتل فــي العراق

صورة

خلال العامين الماضيين، طالب العديد من خبراء السياسة الخارجية، بمن فيهم أنا شخصياً، باستخدام القوة في سورية ولكن من دون طائل. لقد استهدفتنا السخرية، ووصفنا الرئيس باراك أوباما بأننا أشخاص لا يفهمون بأن استخدام القوة ليس حلا لكل المشاكل. وفي «ويست بوينت» اقترح حلاً أكثر حكمة، يتمثل في استخدام القوة لحماية مصالح الولايات المتحدة الحيوية. وبشكل مفاجئ قبل أيام، أعلنت الإدارة الأميركية أنها تدرس إمكانية استخدام القوة في العراق بما في ذلك الطائرات من دون طيار ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي يحتل المدينة تلو الأخرى زحفاً نحو بغداد. تحول مفاجئ مثل هذا يجعل المراقبين مثلي يشعرون بالحيرة. لماذا يدخل تهديد «داعش» في العراق ضمن المصالح الحيوية الأميركية في حين لا ينطبق هذا التصنيف على التهديد ذاته ومن التنظيم نفسه في سورية التي دمرت الحرب أوصالها وزعزعت استقرار لبنان والأردن العراق.

التدخل الأميركي

طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتوجيه ضربات جوية ضد المتمردين. وتحاول للولايات المتحدة الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في العراق، إلا أن التدخل العسكري يبدو فكرة سيئة في الوقت الحاضر بالنسبة لأصحاب القرار في البيت الابيض، إذ لا تستطيع الولايات المتحدة أن تدخل إلى جولة أخرى من الحرب في العراق. في المقابل سوف يكون توجيه ضربات جوية وتقديم أسلحة جديدة أمرين لا جدوى منهما حين يكون الجيش العراقي نفسه غير قادر على الدفاع عن البلد. ويتساءل مراقبون إن كانت الولايات المتحدة ترغب بالفعل في إنقاذ زعيم مثل المالكي، الذي يحاول البقاء في السلطة لفترة ثالثة كرئيس للوزراء. سوف يعود الأمر إلى قادة العراق ليظهروا حسهم القيادي، ويقوموا بتسمية رئيس جديد للوزراء، والذي سيقوم بتقاسم السلطة، وإجراء الإصلاحات اللازمة، وضم الجماعات الطائفية والعرقية كل، وخاصة السنة المهمشين، إلى الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد -إذا لم يكن الوقت قد أصبح متأخراً جداً علن هذا.

أظن أن المسؤولين في البيت الأبيض سيقدمون ثلاثة أسباب. أولاً، سيقولون إن التنظيم في العراق يضم أعضاء من تنظيم القاعدة. ولكن ذلك يتجاهل الأحداث الأخيرة. توقع الخبراء لأكثر من سنة أنه ما لم نتدخل في سورية، فإن «داعش» سيقيم دولة إسلامية في شرق سورية وغرب العراق، وهذا ما نراه بالضبط الآن. فلماذا لا يتم مهاجمتهم مباشرة في سورية، حيث القضاء عليهم سيعزز المعارضة المعتدلة؟. لأن البيت الأبيض قد يقول، فيما يتعلق بالسبب الثاني، إن الحكومة العراقية طلبت المساعدة، الأمر الذي يجعل استخدام القوة مشروعة بموجب القانون الدولي، في حين أن الحكومة في سورية هي التي بدأت عملية القتل، ونشرت عمداً لهيب الحرب الأهلية، وبما أنها لن تسمح بالمساعدات الإنسانية مما يؤدي إلى تجويع وهلاك المدنيين، فإن ذلك يتعارض مع استخدام القوة. ولكن القانون هنا يحدد مصالح الحكومة العراقية ضد شعبها. وهو يسمح لنا بمساعدة الحكومة التي طالما خرقت اتفاقيات تقاسم السلطة بطريقة انتهت بدعم الطائفة السنية ل «الدولة الإسلامية». ومن وجهة نظر استراتيجية، فإن الحكومة هي التي تخضع للهيمنة الإيرانية، إلى الحد الذي يرفض رئيس الوزراء نوري المالكي بوجود قوات أميركية مقيمة، بحسب تعبير فريد زكريا في ال «واشنطن بوست»، لأن الإيرانيين يرفضون ذلك. أما السبب الثالث الذي سوف يقدمه البيت الأبيض هو أن أميركا حاربت لمدة 10 سنوات في العراق، وكلفت الحرب ثمناً باهظاً.

لقد أطحنا بحكومة مستقرة ولكنها قاسية، مع أنها أقل وحشية من حكومة (الرئيس السوري) بشار الأسد، وتركنا حكومة ضعيفة وغير مستقرة. لا يمكن أن نسمح لجنودنا أن يخوضوا حرباً عبثية، وفقا لهذه الحجة، ولهذا علينا أن ندعم الحكومة التي سلمناها مقاليد الحكم. وتدل هذه الحجج على أن البيت الأبيض أعمى. فهو يرى العالم على مستويين: العالم الإنساني من معاناة الفرد، حيث مهما بلغت قسوة الصورة وبشاعة الجرائم، فإن المصالح الأميركية غير متضررة. هنا لأن الأمر متعلق بمجموعة من الأشخاص والعالم الاستراتيجي لمصالح الحكومة، حيث الأمر المهم في هذه الحالة هو رقعة الشطرنج التي يتلاقى فيها زعيم ضد آخر، ووقف اللاعبين الذين يمثلون أفرادا ودولاً والقادرون على توجيه الأذى للولايات المتحدة.

في الواقع، الأمرين مرتبطين ارتباطاً وثيقاً. عندما تبدأ الحكومة بارتكاب المجازر ضد مواطنيها، بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والتجويع، كما يفعل نظام الأسد، فإن وقف هذا النظام واجب دولي. وإن لم يتم وضع حد له فإن العنف والتشريد والتعصب سوف يزدهر. واعتبار أن الحكومة السورية على سوئها لا زالت أفضل من بديل «الدولة الإسلامية» افتراض غير صحيح. وبما أننا نسمح لنظام الأسد بالاستمرار في ارتكاب أسوأ الجرائم ضد الإنسانية -منذ ما حدث في رواندا- فإن الدعم لتنظيم «داعش» سوف يستمر. وطالما أننا اخترنا رئيس الوزراء المالكي على مصالح مواطنيه بمختلف انتماءاتهم فإن حكومته لا يمكن أن تكون في مأمن أبداً.

على الرئيس أوباما أن يوجه لنفسه الأسئلة التالية في العراق وسورية. ما هو شكل العمل الأفضل، على المدى الطويل والقصير، بالنسبة للشعبين العراقي والسوري على حد سواء؟ ما هو التحرك الذي سوف يكون من شأنه وقف العنف والبؤس الذي يواجهانه بشكل يومي؟ ما هو العمل الذي سوف يقدم لهم أفضل فرصة لتحقيق السلام والازدهار وحكومة مقبولة؟.

الجواب عن هذه الأسئلة ربما يتضمن استخدام القوة بشكل محدود ولكن على الفور في كلا البلدين. قوة تكفي لتذكير جميع الأطراف أن بإمكاننا أن نراقب من الجو وأن نرد ليس على عناصر القاعدة فقط، الذي تتعقبهم الطائرات من دون طيار الأميركية لشهور طويلة، ولكن على الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب الفظائع الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، قوة كافية لإجبار الحكومات والمتمردين على حد سواء للحضور إلى طاولة المفاوضات، وقوة كافية لإيجاد فسحة للتنفس بحيث يتمكن القادة المحترمون من تعزيز سلطتهم على أرض الواقع.

من الناحية القانونية، يجب علينا أن نتحرك في كلا البلدين لأننا نواجه تهديداً للسلام والأمن العالميين، وهذا هو الوضع الذي أنشئ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمعالجته. وإذا عرقلت دول مثل روسيا والصين قرارات المجلس من أجل مصالحها الضيقة، يجب علينا أن نعمل بشكل متعدد الأطراف، كما فعلنا في كوسوفو، ومن ثم الحصول على موافقة المجلس بعد وقوع التدخل. تم إنشاء ميثاق الأمم المتحدة من أجل السلام بين شعوب العالم، وليس كأداة لسلطة الدولة. هذه ليست مجرد عملية حسابية من المنظور الإنسانية بل هو حساب استراتيجي. حيث لو استعد الرئيس قبل عامين لكان من الممكن أن نوقف المذبحة المنتشرة اليوم في سورية والعراق.

أن ماري سلوتر رئيسة مؤسسة أميركا الجديدة والمديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية

 

 

 

 

تويتر