5 دقائق
أمَّة اللغة والقراءة
الأمة العربية أَرُومةً، والأمة العربية نطقاً، هي أمة اصطفاها الله تعالى لنقل رسالة الإسلام وشريعته للأنام؛ لأنها جاءت بلسان عربي مبين، ليس فيها عوج اللهجات، ولا هجين اللغات، كما وصف الله تعالى كتابه المبين بقوله{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} في ست آيات، وفي ذلك حث كبير على الحفاظ على هذه اللغة لتبقى الشريعة محفوظة والرسالة العامة شاملة متجددة، وإذا كان الله تعالى قد تكفل بحفظ كتابه العربي المبين، كما قال جل شأنه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فلازم ذلك أن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله تعالى، ولا يفتُّ في عضدها، إن شاء الله تعالى، ما حلَّ بها من تقهقر في النطق والاعتماد، إلا أن ذلك شَينٌ فاحش لأهل اللغة، فإن الشأن فيهم أن يكونوا أشدَّ حفاظاً على سلامتها في النطق وصيانتها من اللحن؛ لأنهم بذلك يكونون محل السُّخرية عند من يعرف سلامتها وقواعدها، فيقولون: كيف ينطق أهل العربية عربيتهم بغير قواعدها وبغير مخارج حروفها وصفاتها؟ فتكون معرفة القواعد ومخارج الحروف وصفاتها حجةً على أهل اللسان العربي، ووصمة عليهم لأنهم لم يلتزموا أصول لغتهم، وكما قالوا: اللحن في الكلام أقبح من الجُدري في الوجه. وقالوا: اللحن هُجنة على الشريف.
|
«إن أعرض أهل اللسان عن لغتهم فسوف يأتي الله بقوم آخرين يهتمون بها كما اهتم بها كثير من غير أهلها». |
وإنما يأتي اللحن من عدم تعلم قواعد اللغة، وعدم تطبيقها من المتعلم، ومن المعلوم أن اللحن في اللغة عفوياً كان السبب الأول لوضع قواعد اللغة، كما رُوي عن أبي الأسود الدؤلي، رحمه الله تعالى، أن ابنته قالت له: «ما أحسنُ السماءِ» بضم أحسن، تريد التعجب، ولكنه فهم الاستفهام فقال لها: نجومُها، فقالت له: يا أبت، إنما أُخبرك ولم أسألك، فقال لها: إذاً فقولي: «ما أحسنَ السماءَ» بالنصب، وشكا الحال لأمير المؤمنين علي، رضي الله تعالى عنه، ما سمعه، فقال له: الكلام ثلاثة؛ اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، وجملة من باب التعجب، وقال: انح نحو هذا، وهكذا كان حفظ الله تعالى لهذه اللغة.
ونحن نرى ونسمع ونقرأ اليوم من أهل اللغة من لا يعي شيئاً من ذلك، وليس ذلك عيباً في اللغة، بل فيهم إن لم يهتموا بها قواعد ونطقاً، وإن أعرض أهل اللسان عن لغتهم فسوف يأتي الله بقوم آخرين يهتمون بها كما اهتم بها كثير من غير أهلها، وأصبحوا أصولاً فيها، بهم يقتدى وبهم يهتدى، كسيبويه والزجاج والفيروز أبادي وغيرهم كثير، فنالوا بذلك شرف العربية وكرامة أهلها، كما قالوا:
النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .