كل يوم

ماذا يحدث في هيئة الصحة؟

سامي الريامي

تعاني أقسام العناية المركزة في مستشفى راشد تكدساً شديداً يفوق نسبة 140% من إجمالي عدد الأسرّة، هذا التكدس الشديد ناتج، كما يقول أطباء هناك، عن «تحويل مرضى من إمارات الدولة كافة إلى مستشفى راشد، لأن تلك المستشفيات تعاني نقصاً في خدمات العناية المركزة».

«المشكلة الأساسية تكمن في التركيز على الإداريين، وتفضيل الشكليات والسطحيات والأمور ذات الصدى الدعائي، والابتعاد عن، بل تهميش، الكفاءات الطبية المتخصصة».

هذا التكدس في مستشفى راشد دفع إدارة المستشفى إلى نقل 24 حالة مرضية مصنّفة على أنها حالات حرجة، وتحتاج إلى عناية مركّزة، إلى أقسام علاج عادية، وفي حين أن المعايير العالمية تقضي بإشراف طبيب العناية المركزة على أربع إلى ست حالات مرضية، فإن الوضع الحالي في مستشفى راشد وصل إلى إشراف الطبيب على 14 مريضاً في التوقيت نفسه!

عموماً، وبغض النظر عن السبب الذي يسوقه الأطباء، فإن الواقع يثبت وجود أخطاء إدارية كبيرة، وتراجع واضح في الخدمات الطبية المقدمة، وحالة عدم رضا، وإحباطات شديدة يمر بها أطباء واستشاريون وأخصائيون في هيئة الصحة بدبي، وجوّ عام سلبي طارد للكفاءات، وأعتقد أن هذه الأمور هي أدعى للنقاش والتركيز عليها، بشكل أكبر من تحويل مرضى من إمارات الدولة المختلفة إلى مستشفى راشد، فالتحويل في حد ذاته ليس جديداً، ويحدث من بداية إنشاء المستشفى، الذي يغطي عملياً دبي والمناطق الشمالية، وأحياناً بعض دول مجلس التعاون!

ماذا يحدث في هيئة الصحة؟ سؤال مهم يحتاج إلى تحليل ودراسة، لكن الواضح جداً، وهو الأمر الذي يتفق عليه كل مختص أو طبيب أو مخضرم سألته عن أوضاع الهيئة، أن المشكلة الأساسية تكمن في التركيز على الإداريين، وتفضيل الشكليات والسطحيات والأمور ذات الصدى الدعائي، والابتعاد عن، بل تهميش، الكفاءات الطبية المتخصصة، التي تعتبر عماد وأساس كل مستشفى، والنتيجة خسارة أكثر من 100 طبيب وأخصائي في عام واحد، لا نقلل من شأن أحد، فالإداري له دور، لكن يجب ألا يكون الطبيب تحت إمرة إداري لا يفقه في أمور الطب شيئاً!

لفتت نظري أخيراً صورة مدير عام الهيئة يزور كبار السنّ في المناطق الشمالية، وهو إجراء ظاهري جميل، ولكن، ولأنني تشرفت يوماً بمرافقة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لبيوت كبار السنّ في تلك المناطق، فإنني أعرف تماماً أن هذا الأمر يشكل أولوية قصوى لدى سموه، وسمعته بأذني، كما سمعه شعب الإمارات بأسره عبر القنوات التلفزيونية، وهو يكلف دكتورة مواطنة بالإشراف المباشر على كبار السنّ في تلك المناطق، هذه الدكتورة عرفت كيف تكسب قلوب المسنين هناك، وأصبحت قريبة منهم، يحبونها وتحبهم، لكنها فجأة تُبعَد وتُهمّش، وتشكل الإدارة لجنة أخرى بإشراف طبيبة أخرى للمهمة، وفجأة يظهر المدير العام (إعلامياً) في الصورة قرب كبار السنّ، مع العلم أن كبار السنّ هناك لا يريدون التعامل سوى مع الدكتورة سلوى السويدي، والشيخ محمد بن راشد يدرك ذلك، ولبّى لهم طلبهم، فما مصلحة الإدارة في إبعاد الطبيبة عن أداء مهمتها؟ وما مصلحتها في حرمان أكثر من 30 مسنّاً كانت الدكتورة وفريق عملها يقدمون لهم الرعاية الصحية في تلك المناطق من دون تصوير وإعلام وظهور؟ والأهم من ذلك كيف تجرؤ الإدارة على الطلب من الدكتورة إحضار «تكليف خطي مكتوب» من الشيخ محمد بن راشد للاستمرار في مهمتها، وسموه أمر بذلك على الهواء مباشرة؟!

هذا مثال واحد على كيفية تهميش الأطباء، ومضايقتهم في مهامهم، ولاشك في أن هناك أمثلة وقصصاً كثيرة من أطباء آخرين أصبحوا يبحثون عن فرص عمل في مستشفيات أخرى وأماكن أخرى، ولاشك في أنهم سيجدون فرصاً أفضل، فهم لن يخسروا كثيراً، لأنهم أطباء، وهذه الكلمة ليست عادية أبداً، في حين أن غيابهم سيشكل خسارة للمستشفى والهيئة والمدينة!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .   

تويتر