كل يوم

محمد بن راشد لا يحب المدح..

سامي الريامي

كنت أتمنى أن يسمع جميع المسؤولين، بل جميع من يعيش على أرض الإمارات، تلك الكلمات التي قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، لنخبة من الإعلاميين العرب الذين يحضرون فعاليات منتدى الإعلام العربي السنوي الذي تستضيفه دبي، فكلماته نهج جديد غير مسبوق في الأوساط العربية بشكل عام، وهذا ليس تعليقي على ذلك اللقاء، بل هو تعليق معظم من حضره من أساتذة الإعلام، وكبار الكتاب، ونخبة الصحافيين العرب.

«لا أحب المديح، ومن يمدحني فهو يجاملني، وأحب من يقدم النصيحة، ويحاول تسليط الضوء على خطأ معين حتى نستطيع إصلاحه، ولا أزعل أو أتضايق من النقد»، هذه مقتطفات من كلام محمد بن راشد، أحببت أن أكتبها اليوم ليقرأها الناس، ويتعرفوا إلى نهج سموه، وأسلوبه وخلقه، فالنقد شيء صعب على كثير منا، فهو ثقافة لم تعتدها الشعوب العربية، قبل حكوماتها، ولا تستسيغها السلطات، والناقدون عادة ما يتحولون إلى منبوذين أو أعداء تتم محاربتهم!

لكن محمد بن راشد تعلم ثقافة تقبل الانتقادات من والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، أحد أبرز الحكام والحكماء في تاريخ هذه المنطقة، فلقد روى عنه محمد بن راشد أمس، العديد من القصص التي نسمعها للمرة الأولى، جعلتنا ندرك كيف استطاع هذا الرجل البدوي البسيط أن يبني أساس نهضة مدينة عصرية حضارية في وقت صعب، مملوء بالتحديات، وخالٍ من الإمكانات والوسائل، لكنه استعاض عن ذلك بشخصيته العظيمة، وعبقريته وحسن إدارته.

يقول سموه: «كنت جالساً في مجلس والدي الشيخ راشد، بعد فترة بسيطة من تخرجي من كلية عسكرية، وجاء رجل بدوي يضرب بعصاه بقوة على الأرض ويلوح بها باتجاه الشيخ راشد، وهو يصرخ بكلمات لا تليق أبداً بمخاطبة حاكم البلاد، وكنت أفور من الغضب وأحاول النهوض لإسكاته، إلا أن الشيخ راشد كان يمسك يدي ويجلسني إلى أن انتهى، فسأله عن مشكلته، فتبين أن الكهرباء لم تصل إلى مزرعته بعد، فنادى الشيخ راشد عن المسؤول ليعرف السبب، فأجابه بأن مشروع إيصال الكهرباء إلى المزارع يجري العمل فيه، ووصل إلى قبل موقع مزرعته بمزرعتين، ومن المتوقع خلال أيام أن تصل إليها الكهرباء، فابتسم البدوي ودخل السرور قلبه، وشكر الشيخ راشد، ثم انصرف، وانتهت القصة بحكمة تعلمتها من والدي الذي لا يترك أبداً للغضب مجالاً ليتحكم فيه».

تحدث سموه كذلك عن كتابه الجديد «ومضات من فكر»، وقال: «لست بكاتب لكني شاعر، وأحب اللغة العربية، والكتاب هو توثيق لمحاضرة اشتملت على أسئلة مختلفة، وأجبت عنها من واقع خبرتي وتجربتي، ثم جمعتها وأضفت إليها، فكان الكتاب، وأحب أن أسمع نقدكم له، حتى أستفيد منكم وأتعلم»!

«ومضات من فكر».. تجربة رائعة في مجال توثيق خبرات محمد بن راشد الإدارية، وتجربته في القيادة وبث الطاقة الإيجابية، وفي الفكر الذي يصنع الإنجازات، فلقد كانت محاضرته في القمة الحكومية مملوءة بالحكم التي أبدعها سموه، لن أنسى ما قاله عن اغتنام الفرص مثلاً «لن تستطيع إمساك الماء نفسه بقبضتك من نهر مرتين»، ولذلك فإن توثيق المحاضرة في كتاب هو عمل رائع يضمن بقاء المعرفة والحكمة لأجيالنا المقبلة.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر