5 دقائق

مستر كابوريا..!!

عبدالله الشويخ

يقابلك أثناء مشيك في أمان الله في أحد « المولات »، ليأخذك بالحضن وهو يغرقك بمجموعة من الأسئلة المتتابعة، من دون منحك فترة توقف لتجيب عنها... أخبارك؟... الأهل؟... أمك؟... شو الدوام؟ وتحاول بدورك لاهثاً، التخلص من قبضتيه أولا، ومحاولة عدم السقوط في دوامة الإحراج ثانياً، لأنك وببساطة لا تذكر عنه أي شيء، ورغم تأكدك من امتلاكك ذاكرة صورية جيدة جداً إلا أن ملامحه غريبة تماماً عنك.

يبدأ بسؤالك عن أمور خاصة بك، فتتأكد أنه من المقربين ولكن دون جدوى من تذكر اسمه أو شكله، وعندما يحس بأنك لم تتذكره تتشكل ملامح الرعب على وجهه وهو يسألك السؤال الذي حاولت جهدك أن تؤجل سماعه: « أفا يا فلان ما عرفتني؟ »، وهي قمة الإحراج لنا كعرب، فتحاول تلطيف الجو بأن العتب على العمر وأن مصائب الثورات العربية لم تدع في احدنا ذاكرة، ثم تقول له بخجل: ذكرني! ليحتضنك مرة أخرى وهو يقول لك: أنا فلان بن فلان.. شريكك على الـ« الفيتس بوكس »!

من الطبيعي أن تلعن في سرك فلاناً وأباه فلاناً.. فما الذي يدريك أنه هو ذاك الرجل! خصوصا أنه يضع في « بروفايله » صورة لـ« حسين فهمي » في شبابه، على الرغم من أنه أمامك يشبه « اللمبي »، كما أنه لا يذكر اسمه أصلاً في النت وإنما يكتفي بوضع ذلك اللقب الغريب « مستر كابوريا »! فكيف كان عليك أن تتعرف إليه؟! إلا أنك تتوصل إلى نتيجة واحدة وهي أن هناك بالفعل من أصبحوا يعيشون في العوالم الافتراضية أكثر من عالمنا الحقيقي!.

في بداية التسعينات كان لدى شركة اتصالات خدمة اسمها الـ BBs يعرفها محترفو التقنية كانت شبكاتها تبدأ بالرقم ،500 ويمكن عن طريقها التواصل بين المسجلين فيها، وسببت في بداياتها تخريج أول مجموعة من « المنفصلين عن الواقع »، والذين كانوا عباقرة في حينها وأصابتهم لوثة الإدمان فلم يسمع بهم أحد بعدها! ومع نهاية العقد نفسه بدأت ظاهرة الشات والماسنجر والتي حولت الكثير من الشباب المفعم بالحيوية إلى طحالب متعفنة أمام شاشات الحاسب! والحمد لله أنها انتهت بعد فترة أصاب أغلبهم فيها إما الملل أو اكتشاف أنه أضاع الكثير من الوقت في معاكسة صديقه « أبوالمقالب »!

اليوم تعود الظاهرة إلى الواجهة، ولكن بثوب جديد فالمسؤول الذي لا تستطيع مقابلته لثمانية أشهر تراه يتوتر بمعدل مرة كل خمس دقائق، والهامور الذي يدعي أنه مشغول على مدار الساعة يقول شعراً ونثراً على مدار الساعة في الـ« فيس بوك »، تنظير في القضايا الكبرى وإهمال للقضايا الحياتية الملحة، اكتساب لمعارف من شرق الأرض ومغاربها وخسارة أقرب الناس إليه في المنزل نفسه.. ويبدأ تدريجياً بالانفصال عن الواقع والغوص في عالمه الافتراضي بمعارف وتقاليد وأسماء جديدة ليس أسوأها بطبيعة الحال « مستر كابوريا »

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر