5 دقائق

( وطنٌ في مسجد..! )

عبدالله الشويخ

لمساجدنا العامرة خصوصيات كثيرة، سواء كانت « محلية » أو« اتحادية »، وسواء كان فيها مؤذن مقيم أو كانت تعتمد « الأذان الموحد » الذي تم تعميمه واعتماده في عدد من إمارات الدولة، وللمساجد المتوسطة الحجم التي تقع في داخل الأحياء السكنية خصوصية أخرى، فهي تصبح بعد فترة نواة لمركز الفريج الاجتماعي، فمنها تعرف أخبار المواليد والوفيات، وتتعرف إلى القاطنين الجدد، وتصلك دعوات الإفطار والزفاف.

في مساجدنا هناك « بروتوكول » يقضي بوجود ساعتين على الحائط إلى يمين ويسار المنبر، الساعة الموجودة إلى اليمين مفهومة، وتراها تشير إلى الوقت الحالي، أما الساعة الموجودة إلى اليسار منذ 30 عاماً فهي تشير إلى التوقيت في « ساوباولو » أو« طوكيو »، لا أعلم أيهما على التحديد، ويصر المفتش منذ 30 عاماً على فحصها كلما مر بالفحص الدوري على المساجد، وحين تسأله عن معناها ينظر إليك بفوقية، وهو يقول لك إنه توقيت « غروبي »!

هناك دائماً في مؤخرة المسجد، على الحائط الخلفي، عالم من الأزرار تشي بأنك في غواصة نووية، وفوقها لوحة كتب عليها تهديد مؤدب « ممنوع اللمس »، وقداسة المكان تضيف إلى التهديد نوعاً من التخوين، لذا فإن أحداً لا يجرؤ على العبث بها، على الرغم من وجود كتابة بخط أصغر قليلاً تقول « المروحة الكبيرة - يسار » أو« الثريا أمام - يمين »، وإذا انتقلت ببصرك إلى اليسار قليلاً فإنك تجد مكتبة صغيرة تتناول لا على التعيين مطويتين، لتجد أن إحداها تحمل عنوان « دعوة لإحياء ليلة الإسراء المباركة في مسجد (...) يوم الخميس »، وتجد المطوية الأخرى تحمل عنوان « بدعة إحياء ليلة الإسراء »، وهكذا تجد أنك لم تعد تفهم المطلوب، فتترك هذه الزاوية إلى أجل غير مسمى!

في مساجدنا هناك دائماً ذلك الشاب اللطيف الذي يقف بعد الصلاة مباشرة ليقول « الكليشة » المعتادة « إن فلاحنا ونجاحنا.. »، ثم يمسك بك ليقرأ معك في « رياض الصالحين » الذي يصر على القراءة منه منذ أن وجد، وهناك من ينظر إلى ثوبك ولحيتك ويحوقل، وقد نسي أن الإسلام ابتسامة وتعامل قبل أن يكون لحية وثوباً، وهناك من ينتظرك في الخارج ليعرض عليك أن تنضم إلى فريق لكرة القدم، ثم جلسة مغلقة في بيت أحدهم!

هناك دائماً ذلك « الشيبة » الذي له مكان معلوم، الذي يحب أهل المسجد أن يروه، فوجوده الضمانة الوحيدة لقيام الإمام بإنهاء التراويح سريعاً، إلا أنه في الوقت نفسه يتجنب الجميع الوقوف إلى جواره، لأنه لن يفوّت أي خطأ يرتكبه مجاوره ليعالجه بالعصا!

في مسجدنا هناك دائماً ذلك الغلام الطموح الذي يصر على الوقوف بجوار الكبار في الصف الأول، وبعد الإقامة يشير الإمام إلى مجاوريه لرفسه إلى الصفوف الخلفية، لكنه من جيل ثورات عربية يصر على تكرار مشاغبته في كل جمعة!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر