أبواب

حسن شريف.. خيميائي الفن

علي العامري

لا يمكن الحديث عن الفن التشكيلي في الإمارات من دون الحديث عن الفنان الرائد حسن شريف، فهو منذ تخرجه في لندن، وعودته إلى الإمارات يدأب على بث روح جديدة في التشكيل بين الأجيال الجديدة. وأصبح نتيجة لإبداعه المغاير للسائد ورؤيته المختلفة للفن وفلسفته الحداثية، بمثابة المعلّم لدى أجيال من الفنانين. وقد كان له الأثر العميق في فتح آفاق أمام حركة التشكيل، إذ أسهم في تأسيس مرسم الفن في مسرح الشباب في دبي، وجمعية الإمارات للفنون الجميلة، ومجموعة «الخمسة»، علاوة على كونه المنظّر الأول في مجال الفنون البصرية، ولديه كتب في الفن الجديد ومفهوم الفن وإنتاجه.

حسن شريف الذي ينتج الفن كما يعيشه، يؤكد دائماً علاقة الفن بالزمن، وهو يعبر عن ذلك في أعماله المرتبطة بالنشاط الانساني، لذلك فهو «خيميائي الفن» بيديه يحوّل الأشياء إلى أعمال فنية، فعلاوة على بدايته في رسم الكاريكاتير مطلع الثمانينات، ورسم لوحات مسندية، فهو ينتج أعمالاً تصنف ضمن الفن المفاهيمي، عبر تركيبات. كما أنه ينتشل الأشياء المهملة وينقذ وجودها عبر تحويلها إلى أشياء فنية، إذ ينقلها بيديه وأفكاره ومخيلته إلى مستوى جديد ومختلف، من الناحيتين البنائية والدلالية. وفي أعماله يقوم بفعل دؤوب على «تكرار» الفعل، الذي يترافق مع الاستغراق في التأمل، إذ يلتقط أوراقاً ويلفها أو يعقدها ويكرر ذلك الفعل، مثل حركة الزمن، معبراً بذلك عن متعته الشخصية بالفن، ومعبراً عن نشاطه الإنساني وارتبارطه بالزمن. كما أنه لم يتوقف عند استخدام مادة أو خامة معينة في إنتاج فنه، إذ يرى أن كل شيء قابل للانتقال من «المهمل» أو «المنسي» أو «المستخدم» إلى مستوى فني ينقذ ذلك الشيء من «الموت».

حسن شريف منتج أفكار، يستخدم القماش للرسم، كما يستخدم الورق والمعدن وأي مادة أخرى، وهو بذلك يعلي شأن الأفكار التي ينتجها، ويؤكد أن الفنان نفسه هو المبدع، في كل الحالات وبأي مادة تتوافر لديه، أو يلتقطها من الشارع.

وبعدما كان «يساء فهم أو تذوق أو قراءة» أعمال حسن شريف الفنية، أصبحت اعماله الآن تلقى قبولاً من الجمهور والمؤسسات في الإمارات. وكانت «الانفراجة» الأولى في تقبل الفن الجديد، بدأت منتصف التسعينات، خصوصاً بعد تأسيس بينالي الشارقة للفنون الذي يهتم بالفن المعاصر، ومن ضمنه المفاهيمي. وكذلك ازدياد الاهتمام بالفن التشكيلي، عبر تأسيس صالات عرض في كل الإمارات، خصوصاً في أبوظبي ودبي والشارقة، ودخول أعمال عدد من التشكيليين الإماراتيين مزادات عالمية للفن، وازدياد الاهتمام باقتناء الأعمال الفنية. وجاء إطلاق «البيت الطائر» للفن في دبي الذي أسسه شقيق الفنانين حسن وحسين شريف، رجل الأعمال عبدالرحيم شريف في عام ،2008 بمثابة فضاء جديد للعرض ولحفظ وثائق فنية كانت مكدسة في صناديق.

الآن، بعد 32 عاماً من الفن، تنظم هيئة أبوظبي للثقافة والتراث معرضاً للفنان حسن شريف، في شهر مارس المقبل، هو الأول له في العاصمة أبوظبي، ويتضمن أعمالاً من مراحل مختلفة، بدءاً من عام 1979 حتى العام الجاري. والمعرض بذلك يمثل بانوراما تشكيلية لشريف الذي كان يلقب بـ«فنان الشعب»، نسبة إلى مدرسة الشعب في دبي التي كان يدرس فيها.

تعد خطوة هيئة الثقافة ذات أهمية بالغة في إعادة الاعتبار إلى رائد التشكيل حسن شريف، والتعريف بإبداعه الذي حقق حضوراً محلياً وعالمياً، وفتح آفاقاً جديدة أمام الفن البصري الجديد.

alilameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر