كل يوم

أميركا تحمي «عزيزي» مثلاً!!

سامي الريامي

سيتأثر كثير منّا بغياب الـ«بلاك بيري»، فهو من دون شك وسيلة جيدة لتسهيل الأعمال بتكلفة أقل، ولن أبالغ إذا قلت إنه يساعدنا على إنجاز أعمالنا الصحافية، على سبيل المثال، بشكل أسرع وأسهل بنسبة لا تقل عن 50 أو 60٪، فهذا الجهاز ليس وسيلة دردشة، ونشر شائعات وكلام «فاضي» فقط، وإن كانت هناك نسبة غير قليلة فضّلت ترك جميع مزاياه، وتعلقت بخدمة «الماسنجر»، وأساءت استخدامها بصورة مملة. ومع ذلك، وعلى الرغم من حبنا وتعلقنا بهذا الجهاز، فإن الاستغناء عنه أمر وارد تماماً، خصوصاً عندما تصل المسألة إلى الأمن القومي والاقتصادي، وعندما تصل الجهات المعنية في الدولة إلى قناعة تامة بأن تعليق خدمات الـ«بلاك بيري» هي مسألة سيادية، فإن من واجبنا الالتزام بكل ما من شأنه صيانة سيادة هذه الدولة، خصوصاً أن المؤشرات والمعطيات كافة، تؤكد أن دولة الإمارات هي واحدة من أكثر دول المنطقة تطوراً في مجال الاتصالات وتقنيتها وأجهزتها، وعندما تطلب منّا الدولة التخلي عن جهاز واحد فقط، في ظل وجود عشرات البدائل الأخرى، فإن ذلك يعني وجود خطورة فعلية، غير مبالغ فيها، من وجود هذا الجهاز، فلماذا التضخيم والمبالغة ووصف الأمر كأنه نهاية العالم، واعتبار الموضوع انتهاكاً للحرية الشخصية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير، أو وصفه بأنه مبالغة في التدابير الأمنية؟

المسألة أكبر مما كنا نعتقد، والقصة لا علاقة لها بشائعات «الماسنجر»، ومخالفات سيارة عبدالعزيز الغرير، ولا علاقة لها بطيش الشباب وافتراءاتهم على الناس في قوائم الـ«بلاك بيري»، فالدولة أكبر من أن تضع هدفها كبت مراهقين، والتعامل مع أخطائهم، بأخطاء أكبر منها، خصوصاً أن إلغاء الـ«بلاك بيري»، لا يعني إلغاء الشائعات والممارسات الخاطئة، فهي منتشرة وموجودة قبل الـ«بلاك بيري»، ولا شك في أنها لن تختفي باختفائه.

هناك مسألة أكبر، اتضحت معالمها مع مسارعة الخارجية الأميركية إلى إصدار بيان خاص عن تعليق خدمات الـ«بلاك بيري» في الإمارات، أعربت فيه الولايات المتحدة الأميركية عن «قلقها» لاتخاذ الإمارات هذه الخطوة، فهل تعتقدون مثلاً أن «قلق» أكبر دولة في العالم كان من أجل المحافظة على «عزيزي» مثلاً، أو من أجل فئة الشباب المغرمين بـ«الماسنجر»، أم من أجل عيون الفتيات اللاتي سيفتقدن خاصية «التطقيم» بين لون غطاء الـ«بلاك بيري»، ولون «الجوتي» والشنطة، أم أن المسألة مرتبطة بحقوق الإنسان، التي انتهكت في فلسطين والعراق وإفريقيا، وفي بلدان أخرى حيث الشعوب المحرومة من كل أساسيات الحياة، وتفاقمت في الإمارات لأن الناس سيحرمون من الـ«بلاك بيري»؟!

 

 معلومات الإمارات هي حق سيادي من حقوق الدولة، ومن غير المنطقي حقاً الاحتفاظ بكل مراسلات الدولة، ومخاطبات أفرادها، ومعلومات مختلف قطاعاتها السرية وغير السرية في دولة أخرى، ومن المقلق حقاً أن يحصل منافسون أو أعداء أو أي جهات مشبوهة على معلومات 500 ألف مشترك في الإمارات، منهم جهات حكومية، وشركات كبرى، ومسؤولون كبار، وعسكريون، وأفراد من مختلف شرائح المجتمع، وبشكل لا تستطيع معه الجهات المعنية حماية هذه المعلومات، فهل نقدم حياتنا العامة والخاصة ومعلوماتنا السرية والعلنية هدية لجهات خارجية، أم نستغني عن جهاز واحد ونكتفي بعشرات الأجهزة الأخرى البديلة؟!

 

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى الضغط على اسمه

تويتر