طالبوا بإيجاد حلول بديلة تساعد على استغلال المزارع

مزارعون في الشارقة والفجيرة: ملوحة المياه تحد من تنوع المحاصيل

المياه المستخرجة ألحقت الضرر بمحاصيل وأثرت في خصوبة التربة. الإمارات اليوم

أفاد مزارعون مواطنون في إمارتي الشارقة والفجيرة، بأن المياه الجوفية المستخدمة لري المزارع أضحت ذات ملوحة عالية، ما نتج عنه قلة تنوع المحاصيل الزراعية، وتراجع المردود الزراعي، الأمر الذي أثر سلباً في أصحاب المزارع الذين يعتبرون هذه الحرفة مصدر دخلهم الرئيس.

وطالبوا الجهات المعنية بضرورة إيجاد حلول بديلة تساعد المزارعين على استغلال مزارعهم بشكل يسهم في رفد السوق المحلية بأنواع عدة من المحاصيل الزراعية.

وقالت وزارة التغير المناخي والبيئة، إن الوزارة تسعى لتقليل اعتماد المزارعين على المياه الجوفية من أجل التغلب على مشكلة ملوحة المياه، داعية إلى الاعتماد على بدائل، فيما أكد الخبير الزراعي وعضو مجلس الشارقة الاستشاري الدكتور خليفة بن دلموك، أن الاستهلاك العشوائي لمياه الري هو السبب الرئيس لملوحة المياه الجوفية، التي أدت إلى محدودية الإنتاج الزراعي الذي اقتصر على زراعة النخيل والأعلاف، نظراً لطبيعتهما التي تقاوم ملوحة المياه.

ملوحة المياه تحد من تنوع المحاصيل

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/03/446998.jpg

حول التأثير الضار للمياه الجوفية في المحاصيل الزراعية قال الخبير الزراعي وعضو المجلس الاستشاري في الشارقة الدكتور خليفة بن دلموك، إن «ملوحة المياه تحد من تنوع المحاصيل الزراعية، التي يتضرر معظمها بفعل التركيز العالي للملوحة في المياه، والتي تحد من امتصاص النباتات لكميات المياه التي تحتاجها في عملية النمو، فمثلاً جذور شجرتي الليمون والمانجو لا تمتصان المياه المالحة، ما يؤدي إلى هلاكهما في حال عدم توافر مياه عذبه، أما نبات البرسيم فلا يعمر طويلاً عند ريه بالمياه المالحة، إذ ينمو في الدورتين الأوليين لحصاده، إلا أنه يتوقف عن النمو بعد حشه أكثر من مرتين متتاليتين، في حين كان المزارعون في السابق يحصدون البرسيم أكثر من 13 مرة متتالية في ظل توافر مياه الري العذبة، أما النباتات الورقية فإنها تكون أقل جودة من المطلوب في حال تم ريها بالمياه المالحة».

وقال: «نتج عن ملوحة مياه الري محدودية تنوع المحاصيل الزراعية، واقتصارها على الأعلاف والنخيل باعتبار أن شجرة جذور النخيل تتكون من ألياف تعمل على (فلترة) الأملاح الموجودة في التربة، إذ تأخذ حاجتها من المياه وتبعد الأملاح المركزة فيها جانباً».

وتفصيلاً، قال المزارع هويشل الخاطري، من مدينة الذيد، إنه «في ظل استمرار قلة منسوب المياه الجوفية في مزارع المنطقة بشكل ملحوظ، خلال الأعوام الأخيرة، أضحت المياه المستخرجة من باطن الأرض تحتوي على تركيز عالٍ من الملوحة، ما ألحق الضرر ببعض المحاصيل، عبر تأثيرها في خصوبة التربة، إذ تتراكم الأملاح الذائبة على سطح التربة وفي منطقة الجذور»، موضحاً أن تأثير ملوحة مياه الري في إنتاجية المحاصيل وتنوعها يختلف من محصول إلى آخر بحسب حساسيته للأملاح الذائبة في مياه الري.

وأشار إلى أن نمط «الزراعة من دون تربة» الذي اعتبره بعض المزارعين الحل الوحيد المتاح أمامهم لمواجهة المنسوب العالي من الملوحة المتركزة في المياه الجوفية، مكلف مادياً وغير متاح تطبيقه لجميع المزارعين، خصوصاً الذين لم يتلقوا دورات تدريبية وتعليمية على كيفية ممارسة هذا النمط من الزراعة.

ولفت إلى أن «ارتفاع تركيز الملوحة في المياه الجوفية اضطرنا إلى شراء مضخات لتكرار وتحلية المياه المالحة بكلفة عالية وبمبالغ تفوق طاقتنا، خصوصاً أن تسويق المحاصيل الزراعية لم يعد مجدياً مالياً، نتيجة إغراق أسواق البيع المحلية بالمنتجات المستوردة».

وأيده الرأي المزارع (أبوفيصل) صاحب مزرعة بالذيد، الذي أشار إلى أن ارتفاع ملوحة المياه يمثل تحدياً رئيساً للمزارعين، عازياً وجودها إلى قلة منسوب المياه الجوفية، ما يدفع بالمزارعين إلى حفر آبار على أعماق بعيدة من أجل الوصول إلى المياه الجوفية ودفع مبالغ مالية طائلة، خصوصاً في المناطق الجبلية والواحات، وفي نهاية الأمر لا يحصل المزارع إلا على مياه مالحة تتلف محصوله الزراعي. وطالب الجهات المعنية بتوفير بدائل عملية للتغلب على ظاهرة ملوحة مياه الري.

وأشارت مريم الحمودي، صاحبة مزرعة من منطقة (الوريعة) بالفجيرة، إلى أن المنطقة أضحت أخيراً تعاني شح المياه، فضلاً عن الملوحة العالية المتركزة في المخزون الجوفي المتوافر منها، موضحة أن هذا الأمر تسبب في إغلاق عدد كبير من المزارع، بسبب قلة الإنتاج وكثرة التكاليف المدفوعة.

ولفتت إلى أن أسباب ملوحة مياه الري في المنطقة الشرقية ترجع إلى كثرة مصانع الدواجن المنتشرة في المناطق القريبة من المزارع، وقيام عمال هذه المصانع برمي مخلفاتها بشكل غير قانوني في المناطق الزراعية أو القريبة منها، ما ينتج عنه تلوث التربة، وتحديدا الطبقة السطحية التي تعلو المياه الجوفية، وتالياً تتكون طبقة «أمونيا» تتسبب في ضرر المياه وعدم إمكانية الاستفادة منها.

وأضافت الحمودي أن السبب الآخر لملوحة مياه الري هو كثرة مصانع تحلية وتعبئة المياه، التي تقوم بسحب كميات كبيرة من المياه الجوفية من أجل معالجتها وتعبئتها، ما يؤدي إلى شح المياه الجوفية العذبة، وتالياً ملوحة الآبار المخصصة للزراعة التي تعد المصدر الرئيس لمزارعي المنطقة لعملية الري.

ولفتت إلى أن مكائن وآلات تحلية المياه المالحة مكلفة جداً وقد لا يستطيع المزارع شراءها، لعدم وجود مردود من الإنتاج الزراعي في السوق، علاوة على قلة تسويق المنتجات المحلية بسبب منافسة الآسيويين لهم في أسواق بيع الخضار.

وقال عبدالله سعيد، صاحب مزرعة بالفجيرة، إن قلة منسوب المياه الجوفية دفعت بأصحاب المزارع إلى حفر آبار غير مقننة على أعماق بعيدة في باطن الأرض، ما نتج عنه الوصول إلى مياه تتركز نسبة الملوحة فيها بكميات كبيرة، قد تزيد على المعدل الطبيعي في بعض الأحيان، مبيناً أن الملوحة الشديدة التي أصابت التربة الزراعية في مزارع جعلتها عديمة الفائدة، ما أدى إلى هلاك كثير من المزروعات.

من جانبه، أكد مصدر في وزارة التغير المناخي والبيئة، أن الوزارة تسعى لتقليل اعتماد المزارعين على المياه الجوفية من أجل التغلب على مشكلة ملوحة المياه، فهبوط منسوب المياه الجوفية هو السبب الرئيس لاستخراج مياه ذات نسبة تركيز عالية، داعية إلى الاعتماد على بدائل كتحلية مياه البحر للأغراض البلدية بشكل رئيس، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعات التجميلية، وبعض الاستخدامات الصناعية، وأن برامج ترشيد استهلاك المياه تؤدي إلى تقليل معدلات استهلاك المياه الجوفية في قطاع الزراعة الإنتاجية. ولفتت إلى أهمية تعميم نظم الري الحديثة، والزراعة المحمية، واعتماد نباتات ذات استهلاك مائي قليل نسبياً.

فيما قال وزير التغير المناخي والبيئة ثاني الزيودي، في اجتماعه بمزارعي وصيادي المدن الشرقية الأسبوع الماضي، إن الحل السريع المتاح لتحلية مياه الري هو إنشاء محطات تحلية، مشيراً إلى إعداد دراسات بهذا الشأن سابقاً ورفعها إلى ديوان شؤون الرئاسة، إلا أن نتائجها أظهرت ارتفاع كلفتها المادية، ما أدى إلى صرف النظر عن تطبيقها، والبحث عن حلول بديلة تؤدي إلى النتائج نفسها وبكلفة أقل.

من جانبه، عزا الخبير الزراعي وعضو المجلس الاستشاري في الشارقة الدكتور خليفة بن دلموك، من مدينة الذيد، أسباب ملوحة المياه إلى الاستخدام العشوائي للمياه الجوفية الذي كان سائداً قبل أكثر من 30 عاماً، نظراً لعدم تطبيق تقنية الري الحديث في ذلك الوقت، إذ كان المزارع يحفر في مزرعته من أربع إلى خمس آبار جوفية، مشيراً إلى أن الاستهلاك غير المقنن لمياه الري تزامن مع قلة سقوط الأمطار، ما قلل من نسبة تعويض المياه المستنزفة من جوف الأرض.

وأوضح أن استخراج المياه الجوفية بكميات كبيرة، تزيد على معدل تجددها، ينتج عنه خلل في توازن المخزون الجوفي الذي يتعرض إلى تملح مياهه نتيجة الاختلاط بالمياه المالحة العميقة الموجودة في طبقات الخزان الجوفي في المناطق الداخلية، أو التداخل مع مياه البحر في المناطق القريبة من ساحل البحر، مبيناً أن المزارع في مدينة الذيد يضطر إلى حفر بئر على أعماق بعيدة من السطح قد تصل إلى أكثر من 1200 قدم، ويختلف هذا العمق بحسب كميات الأمطار المتساقطة على كل منطقة ونوع تربة الأرض.

وأضاف: تعمل درجة حرارة الطقس المرتفعة على تقليل مخزون المياه الجوفية العذبة من خلال عملية التبخر، خصوصاً في الأرض المكونة من التربة القلوية التي تتسم بتباعد المسافة بين حبيباتها، ما يقلل من قدرتها على حفظ الماء، بخلاف التربة الطينية التي تتسم بتماسكها وباحتفاظها بالمياه مدة طويلة.

وشرح بن دلموك أنه «حين يلاحظ المزارع عند حفر الآبار استخراج المياه المالحة التي تتكون من (الكبريت) و(الكلس) بكميات كبيرة، فهذا دليل قاطع على نفاد منسوب المياه الجوفية العذبة من باطن الأرض».

تويتر