أبرزها التعسف في الرواتب وحجز جوازات السفر وتورّط مواطنين في قضايا مالية

مطالب بآليات للتخلص من سلبـيات «الكفيل»

الدولة تطبق معايير خاصة بالعمال الوافدين تعد الأكثر تطوراً في المنطقة. تصوير: تشاندرا بالان

قال قانونيون وذوو صلة بملف العمالة الأجنبية في الدولة، إن أخطاء شابت تطبيق نظام الكفيل، وخلّفت سلبيات كثيرة، مشيرين إلى أن السلبيات حول النظام نتجت عن الممارسات الخاطئة لبعض الكفلاء، وليس عن النظام نفسه.

وطالبوا بآليات تكفل التخلص من تلك السلبيات، ومن بينها التعسف في إعطاء الحقوق من بعض الكفلاء، مثل الرواتب والمكافآت وحجز جوازات السفر، إلى جانب تورط مواطنين في قضايا مالية وإدارية، من دون علمهم ، مشددين على أن «سوء استغلال نظام الكفيل تسبب في مشكلات لابد من إعادة تنظيمها ومعاقبة المسؤولين عنها، ولكن من دون إلغاء النظام كلياً، لما يشكله من مورد أساسي للمواطنين ومصدر خبرة حقيقية، يتعلمون منه كيف تدار المشروعات الاقتصادية».

وفيما كشف رئيس المحكمة العمالية في دبي القاضي أحمد عبدالله، أن سلبيات نظام الكفيل تسببت في نحو 80٪ من قضايا (العمل والجنسية) في دبي، قال مدافعون عن النظام بصورته الحالية يوفر الحقوق العمالية التي تنص عليها المواثيق الدولية، وتلتزم بها الحكومة على أكمل وجه.

وشدد مصدر في الإدارة العامة للجنسية والإقامة على أن مسألة تغيير نظام الكفالة المطبق داخل الدولة أو الإبقاء عليه، تعد مسألة سيادية خاصة بالدولة، وأضاف أن الدولة تطبق معايير خاصة بالعمال الوافدين تعد الأكثر تطوراً في المنطقة، مؤكداً أن الادعاء بتقييد حرية انتقال العمال بين الشركات لا يعبر عن الحقيقة، لأن الأرقام التي تنشرها وسائل الإعلام حول حجم العمالة التي تنتقل سنوياً داخل سوق العمل، تنفي هذا الادعاء.

الحرمان

قال هشام أحمد، وهو مدير عام شركة خاصة للدعاية والإعلان، إن أبرز سلبيات نظام الكفيل، تتلخص في الأسباب التي تؤدي إلى حرمان العامل من العمل في الدولة، مشيرا إلى أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتسبب في الغالبية العظمى من المشكلات العمالية التي تظهر بين الحين والآخر.

وأكّد أن هذه المنشآت تلزم العمال الجدد القادمين من بلدانهم بدفع مبالغ مالية مقابل تكاليف السفر وتصاريح العمل، وبعد جلب العمال من الخارج تفرض عليهم شروط توظيف صعبة، يوافق عليها العمال مضطرين لعدم قدرتهم على العودة إلى بلدانهم مثقلين بالديون، أو لجهلهم بنظام الحياة والمعيشة داخل الدولة.

وتابع أن الشركات الكبيرة تعطي العامل حقوقه كاملة، كما أنها لا تحمله أي أعباء عند استقدامه من الخارج، وبالتالي فإن العمّال أنفسهم يتمسكون بالعمل في هذه الشركات حتى بعد انتهاء العقود.

وأكّد أن فترة الاختبار (الستة أشهر) تعد الأكثر حرجاً في العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وفيها يتضح ما إذا كان صاحب العمل يستخدم حق الكفالة بتعسف أم بشكل قانوني، لأنها الفترة التي يستطيع فيها صاحب العمل إنهاء خدمات العامل من دون إبداء الأسباب، ولا يستطيع العامل في هذه الحال البقاء والعمل داخل الدولة، بموجب الحرمان الإداري الذي تفرضه عليه وزارة العمل.

ووفقاً لنظام الكفيل لا يتمكن العامل من الانتقال إلى وظيفة أخرى من دون موافقة مسبقة من الكفيل.

وطالب نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، محمد سالم بن ضويعن الكعبي، ببدائل لنظام الكفيل، تكفل التخلص من سلبياته، معتبراً أن الإفرازات السلبية لهذا النظام عديدة، بينها الكفيل النائم، وخلق سوق عمل غير شرعي، باستغلال المخالفين.

وأشار الكعبي إلى أن معظم الشكاوى المسجلة في الجهات ذات العلاقة من عمال مكفولين ضدّ كافليهم، هي نتيجة ظلم وقع عليهم، خصوصاً من الشركات الصغيرة، إذ يعامل بعضهم، في هذه الشركات، بما يشبه السخرة، فلا رواتب منتظمة ولا ساعات عمل محددة، ولا نظام ساعات عمل إضافي، علاوة على حجز بعض أرباب العمل جوازات سفرهم.

الكفاءات

ورأى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد العسومي أن نظام «الكفيل» أقر في مختلف دول مجلس التعاون منذ عقود، وبات غير ملائم بصورته الحالية مع المعطيات الجديدة ودخول دول المجلس منظمة العمل الدولية ومنظمة التجارة العالمية.

ولفت إلى خسارة خبرات ممتازة بسبب عدم سماح الكفيل بانتقالها من منشأته إلى منشأة أخرى، وإلزامها بالخروج من الدولة بعدما أصبحت خبيرة في عملها وفي المجتمع الذي تعيش فيه.

وتابع أن نظام الكفيل بصورته الحالية أفرز مجموعة من السلبيات، منها تورط مواطنين في قضايا مالية وإدارية من دون علمهم، كما دعم البطالة المقنعة من خلال ظاهرة «الكفيل النائم»، وأضاف أن أي تعديل على نظام الكفيل يجب أن يضمن حقوق صاحب العمل، وأن يفرق بين العمالة الماهرة وغير الماهرة التي تحتاج إلى تدريب وتكاليف إضافية لضبط سوق العمل.

وأكد ان حرية الاختيار والانتقال للعامل من أهم ركائز سوق العمل العالمية، التي تدفع بدورها النمو الاقتصادي لوجود منافسة حقيقية بين المنشآت في الحفاظ على العمال المهرة، فضلاً عن تنافس العاملين في إظهار خبراتهم لتحقيق فرص أفضل.

إيجابيات

إلى ذلك، قال حسن محمد، وهو مالك شركة مقاولات وكفيل عدد من المنشآت، إن نظام الكفيل حقّق توعية إيجابية للمواطنين في سوق العمل والمشروعات الاقتصادية، من خلال التزامهم بالاطلاع على جميع معاملات المنشأة التي يكفلها، وتالياً اكتسابه الخبرة.

وأضاف أن أسراً مواطنة تتعيش من كفالة منشآت، وتعينها مبالغ الكفالة على مصروفات الحياة، بما يقلل من الأعباء الملقاة على كاهل المؤسسات الحكومية، التي تعنى بالمساعدات الاجتماعية التي تأخذ بدورها المنشآت المكفولة بعين الاعتبار عند تقديم المساعدة. وأكد محمد أنه شخصياً اكتسب خبرة كبيرة عن طريق نظام الكفيل، إذ بات شريكاً فعلياً في مختلف المنشآت التي يكفلها، مبيناً أنه يتابع كل تفاصيل منشآته التي يكفلها عن قرب، ولا يسمح بالمخالفات لأن ذلك يورط الكفيل.

وتابع أن الكفلاء المواطنين تحمّلوا تبعات المنشآت التي يكفلونها بعد مغادرة مالكيها من الوافدين الدولة بسبب تداعيات الأزمة المالية، ومن بين تلك التبعات أجور مستحقة للعمال ومستحقات إنهاء خدماتهم وغرامات تجديد بطاقات وغيرها، لاسيما أن بعض الكفلاء لم يكونوا على علاقة حقيقية بالمنشآت التي يكفلونها، مشيراً إلى أن الممارسة الإيجابية تكمن في الكفيل المواطن والشريك الذي يقف على دقائق المنشأة ويعرف كل صغيرة وكبيرة فيها.

سوء استخدام

ورأى الباحث الاقتصادي رياض خليل مطر، أن سوء استغلال نظام الكفيل تسبب في مشكلات لابد من إعادة تنظيمها ومعاقبة المخالفين، وليس إلغاء النظام كلياً، لما يشكله من مورد أساسي للمواطنين ومصدر خبرة حقيقية يتعلمون منه إدارة المشروعات الاقتصادية.

وأوضح أن الشريك أو وكيل الخدمات، وفقاً للتسميات القانونية المتداولة، يحظى بفرصة جيدة في الإشراف على المنشأة، والوقوف على مختلف التفاصيل فيها، ويكتسب معارف وخبرات مهمة، لا يمكن بخسها حقها لمجرد إساءة استغلال النظام من البعض. وبين أن الكسب عن طريق ما يسمى بـ«الكفيل النائم» محرم في الشرع، ويعد نوعاً من الاستغلال، وتجب معاقبة من يستخدم القوانين في غير محلها، لما يشكله من خطر بوجود منشآت وهمية وعمالة سائبة، فضلاً عن تحمل المواطن مسؤوليات خطيرة في حال هرب صاحب المنشأة الحقيقي وتركها بمشكلاتها المالية والإدارية، وليس التعامل معها بمنطق البتر.

معاناة

وأفادت نورا محمد علي، وهي موظفة في جهة محلية في أبوظبي، بأنها عانت من سلبيات نظام الكفيل، بعد أن منعها من العمل في القطاع الخاص لعام كامل، اضطرت بعدها إلى مغادرة الدولة أشهراً عدة، على الرغم من أن لديها طفلين يدرسان في مدارس خاصة داخل الدولة.

وأشارت إلى أنها اضطرت إلى الاستقالة بسبب المقابل المالي غير المناسب، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، ونظراً لأن عقدها محدد المدة، تم إلغاء بطاقتها مع الحرمان عاماً، ولم تعد مرة أخرى إلا بعد حصولها على وظيفة في القطاع الحكومي، وهو القطاع الوحيد المسموح بالعمل فيه لمن يعاقبون بالحرمان الإداري من وزارة العمل، إضافة إلى العمل في المناطق الحرة، ودعت المسؤولين إلى تجاوز السلبيات في هذا النظام.

مواثيق دولية

وقال المدير الإداري لمنطقة الخليج في شركة «أرشيردون كونستركشن أوفر سيز» رياض كرباج، إن لكل نظام سلبياته وإيجابياته، إلا أن نظام الكفالة المطبق داخل الإمارات يختلف في كثير من جوانبه عن بقية الأنظمة المشابهة، إذ يوفر الحقوق العمالية كافة التي تنص عليها المواثيق الدولية، وتلتزم بها الحكومة على أكمل وجه، مشيراً إلى أن إلغاء النظام أو الإبقاء عليه ليس هو المحك، إنما هو كيفية التعامل مع النظام.

وأكّد أن الظروف والشروط القانونية التي فرضتها الوزارة على انتقال العمال بين شركات القطاع تنسجم مع طبيعة سوق العمل داخل الدولة، التي تعتمد كلياً على العمالة الوافدة، وتالياً فإنه تتعين حماية الشركات التي تجلب عمالة من الخارج بتكاليف باهظة، وتتكبد مشقة التدريب والتأهيل لآلاف العمال، ولا تتحمل أن يترك العمال العمل قبل انتهاء المشروع الذي تم إحضارهم من أجله.

وأكّد أن الشركة لم تمانع يوماً في منح أي عامل أو موظف شهادة عدم ممانعة للعمل في أي مكان آخر، لأنها تؤمن بأن للعامل الحرية في اختيار مكان عمله، إلا أنه أشار أيضا إلى أن بعض العمال من البلدان المصدرة للعمالة على استعداد لتغيير جهة عملهم من أجل زيادة بضعة دراهم، ومن ثم تجب حماية الشركات بنظام متكامل.

وكان وزير العمل، صقر غباش، قال أخيرا إن «نظام الكفيل، قانوني وتأخذ به الدولة، كما هي الحال في معظم دول العالم»، معتبرا أن هناك «خلطاً بين مفهوم الكفيل نظاماً قانونياً، والممارسات السائدة المرتبطة به»، ولفت إلى أن «النقد الموجه إلى النظام يجب أن يذهب إلى الممارسات وليس إلى النظام نفسه، ولكن يجب أن نتفق على أن النظام قانوني وسليم، ومطبّق في معظم دول العالم، ولنتوجه إلى البحث في الممارسات السلبية المرتبطة به».

تويتر