«متوفى دماغياً» ينقذ حياة 3 مرضى

إجراء أول عملية «زراعة قلب» في الدولة بنجاح

صورة

بوصية شجاعة فارق الدنيا بطلاً، ليلاقي ربه وآخر أعماله إعادة الحياة إلى ثلاثة مرضى، حين منحهم من جسده ما تلف في أجسادهم، هذا ما فعله مريض ، حين أوصى بالتبرع بأعضاء جسده بعد وفاته، لإنقاذ حياة من يحتاجها من المرضى، فكانت وصيته سبباً في نجاح أول عملية زراعة قلب تجرى داخل الدولة، على يد فريق طبي في مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي»، أنقذت شاباً مواطناً، مثلما كانت سبباً لنجاة مريضين آخرين، نُقلت إليهما كليتاه، أحدهما أجرى عملية الزرع في المستشفى ذاته، وغادره بعد أن تماثل للشفاء، بينما الثاني أجراها في مستشفى مدينة خليفة الطبية.

نقل القلب في 90 دقيقة

شرح الفريق الطبي الذي أجرى عملية زراعة القلب، خطوات العملية قائلاً، إن العملية بدأت بنقل القلب من المريض المتوفى دماغياً، ثم وضعه في صندوق بارد جداً، والتوجه به إلى غرفة العمليات لزرعه في المريض، الذي تم تركيب جهاز لضخّ دمه من الرئتين، ليقوم بوظيفة القلب مؤقتاً، لحين زرع القلب الجديد، وبعد زراعة القلب في جسد المريض وخياطة الشرايين كافة، بدأ النبض مباشرة وبسرعة كبيرة، موضحاً أن الفترة ما بين نقل القلب من المتبرع وزراعته في جسد المريض استغرقت نحو 90 دقيقة.

واعتبر الفريق الطبي أنها فترة «قصيرة جداً»، قياساً بالعمليات المماثلة التي تجرى في الخارج، نظراً لأن أقصى فترة يتحمّلها القلب خارج الجسم نحو أربع ساعات.

زيادة وعي الجمهور بأهمية التبرّع

قال رئيس دائرة الصحة في أبوظبي عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، الشيخ عبدالله بن محمد آل حامد، إن ما تحقق في أبوظبي إنجاز تاريخي يضاف إلى السجل الحافل لإنجازات الدولة، ودليل واضح على النقلة النوعية التي وصل إليها قطاع الرعاية الصحية في أبوظبي، في ظل القيادة التي استثمرت الجهد والوقت، لينعم سكان الدولة بمثل هذه الخدمات المتميزة ذات المستوى العالمي، التي أصبحت اليوم متاحة في إمارة أبوظبي.

وأضاف أن «إصدار قانون تنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، والتعاون متعدد التخصصات، كان له كبير الأثر في أن تتم مثل هذه العمليات الدقيقة والمعقدة على أرض الدولة، معتبراً أن عملية التبرع بالأعضاء خطوة مهمة نحو الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية في الإمارة».

وتابع «نطمح في زيادة الوعي لدى الجمهور حول أهمية التبرع بالأعضاء لما له من دور في إنقاذ الأرواح، ونسعى إلى رفع الرصيد البنكي منها»، لافتاً إلى وجود تعاون وثيق مع الدول كافة في ما يخص التبرع بالأعضاء، والعمل على زيادة توافرها، ليستفيد منها مرضى، ويتمتعوا بحياة صحية جيدة.

وأضاف: «نفخر بهذا الإنجاز الذي قامت به خبرات محلية بمشاركة أيادٍ إماراتية، ليضاف إلى سجل المعرفة والعلم المحلي، حيث كان المرضى في السابق يسافرون للعلاج في الخارج، وتستغرق مدة انتظارهم للحصول على متبرع نحو ستة أشهر، وقد تمتد هذه المدة إلى أكثر من سنة».

وتفصيلاً، نجح أطباء في مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي»، في إتمام أول عملية زرع قلب تجرى في الدولة، بعد أن نقلوا قلباً من متبرع  توفي دماغياً، إلى مواطن شاب يبلغ من العمر 38 عاماً، في إنجاز تاريخي يسطر مجداً طبياً جديداً للإمارات.

وأفاد أعضاء الفريق الطبي الذي أجرى عملية نقل وزراعة القلب، بأن العملية استغرقت نحو ست ساعات، إذ امتدت من مساء الثلاثاء الخامس من ديسمبر الماضي، حتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء، مؤكدين أن العملية كُلّلت بالنجاح، والمريض يتعافى حالياً في المستشفى.

وضم الفريق أربعة من جراحي المستشفى، هم الرئيس التنفيذي بالإنابة لمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، الدكتور راكيش سوري، ورئيس معهد القلب والأوعية الدموية، الدكتور يوهانس بوناتي، والأخصائيان المساعدان في جراحة القلب، ستيفان سانجر وجهاد الرماحي.

وقال سوري خلال مؤتمر صحافي، أمس، إن «المريض الذي زُرع له القلب كان يعاني حالة قصور متأخرة في القلب، وكان يحتاج إلى زراعة قلب أملاً في إنقاذ حياته، ومن ثم أُدرج اسمه على قائمة الانتظار، بعد فترة قصيرة من صدور المرسوم بالقانون الاتحادي، الذي يجيز عمليات زرع الأعضاء من متبرعين متوفين في الدولة (المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لعام 2016 بشأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية)، وأخيرا تمت زراعة القلب للمريض من متبرع توفي داخل الدولة، أوصى بالتبرع بجميع أعضائه لإنقاذ المرضى، لتكون المرة الأولى التي تتم فيها زراعة أعضاء من متبرعين متوفين من داخل الدولة».

وأضاف سوري أنه «في الليلة ذاتها، ترأس رئيس معهد التخصصات الجراحية الدقيقة في المستشفى، الدكتور بشير سنكري، عملية زرع كلية من المتبرع نفسه، أُجريت لمريض آخر كان على قائمة الانتظار الخاصة ببرنامج زراعة الأعضاء في المستشفى».

وأكد أن عمليات نقل وزراعة الأعضاء التي قام بها أطباء المستشفى، جاءت بعد عامين من التجهيز والتدريب، لتعكس مدى أهمية مجال زرع الأعضاء على المستوى الاجتماعي، قائلاً: «لقد تمكّنا بفضل متبرع واحد من إنقاذ حياة ثلاثة مرضى، ومنحنا الأمل لعائلاتهم»، معتبراً أن دولة الإمارات اتخذت خطوات كبيرة ومهمة على صعيد طرح تشريعات وقوانين جديدة لدعم عمليات زرع الأعضاء.

من جانبه، أكد رئيس معهد القلب والأوعية الدموية، الدكتور يوهانس بوناتي، أن عملية زراعة القلب سارت بسلاسة دون أي مضاعفات، وبمجرد نقل القلب إلى المريض بدأ ينبض فوراً، وبعد إنجاز العملية التي استغرقت ست ساعات تم نقل المريض إلى وحدة الرعاية المركزة.

فيما قال مدير برنامج قصور القلب وزرع القلب في المستشفى، الدكتور فراس بدر، «تلقيت اتصالاً بشأن وجود متبرّع قبل العملية بـ48 ساعة، فبدأنا التحضيرات والتجهيزات المسبقة، استعداداً لإجراء عملية زرع القلب الأولى، وقام الفريق المختص بقصور القلب وزراعته، والذي يضم 24 عضواً من تخصصات متعددة، بالعمل لإجراء هذا النوع من العمليات منذ عامين، من خلال حضور جلسات تعليمية مكثّفة، ومحاكاة عملية الزرع والجراحة».

وتجدر الإشارة إلى أن الفريق الطبي الذي أجرى أول عملية زرع قلب ضم طبيباً إماراتياً هو الدكتور جهاد الرماحي، الذي خاض هذه التجربة كعلامة مميزة في مسيرته المهنية، والذي نوّه بالتزام مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي» بتقديم الدعم اللازم للنهوض بقدرات وكفاءات الأطباء المواطنين، وذلك في إطار جهوده الرامية إلى المساعدة على بناء قطاع رعاية صحية مستدام.

بدوره، اعتبر رئيس اللجنة الوطنية لزراعة الأعضاء، الدكتور علي عبيدلي، أن هذه العملية تتويج لجهود سنوات من التخطيط والتجهيز للعمل على توفير إطار عمل شامل لجراحة وزراعة الأعضاء في دولة الإمارات.

وقال عبيدلي: «لقد عملنا معاً من أجل ضمان امتلاك الخبرات الجراحية والعلاجات المتطورة اللازمة، لدعم برنامج كامل لزراعة الأعضاء، وذلك بالتوازي مع العمل على إجراء التغييرات التنظيمية الضرورية، لتحقيق هذا الإنجاز».

ورداً على سؤال لـ«الإمارات اليوم» بشأن أسباب تأجيل الإعلان عن إجراء أول عملية زراعة للقلب، لنحو أسبوع، قال الرئيس التنفيذي بالإنابة لمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، الدكتور راكيش سوري، إن «كل يوم يمر بعد انتهاء العملية يقلل من الخطورة، وترتفع نسب النجاح النهائية، لأنها ليست مجرد عملية جراحية عادية، لذلك قررنا الإعلان عنها بعد التأكد من استقرار الحالة الصحية للمريض، والتأكد من أن الحالة تسير بشكل صحيح».

وعن هوية المتبرع، وكيفية اختياره، شدّد على أن المستشفى لن يعلن عن هوية المتبرع، حفاظاً على الخصوصية والسرّية، وهو الأمر الذي قد يكون حافزاً للتبرع في ما بعد، مشيراً إلى أن أي حالة تبرع بالأعضاء يتم اختيارها بشكل دقيق.

وأضاف: «قمنا بدراسة حالة المتبرع جيداً، وتم اختياره بعد أن تبين وجود مطابقة بين أعضائه وأعضاء المرضى الثلاثة المدرجين في قائمة الانتظار».

تويتر