«الصحة ووقاية المجتمع» تحذّر من وصفها أو بيعها دون الضوابط المقنّنة.. ومختصون يؤكدون أن الإسـراف فيها مدمّر للصحة

«المضادات الحيوية».. أطباء بـ«الخاص» يصرفونها دون حساب.. وصيدليات لا تسأل عن «الوصفة»

صورة

حذّر مختصون من مخاطر الاستخدام المفرط والعشوائي للمضادات الحيوية، أو تناولها من دون وصفة طبية، لما لها من آثار جسيمة قد تدمّر صحة الإنسان، كما حذّرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، الصيدليات والأطباء من صرفها دون الضوابط الطبية المقنّنة لها.

وشكا مراجعو مستشفيات وعيادات خاصة في دبي والمناطق الشمالية، صرف الأطباء المضادات الحيوية لهم ولأبنائهم بكميات كبيرة، إضافة إلى إقدام صيدليات على صرفها دون وصفة طبية، واصفين الأمر بـ«تجارة في صحة الإنسان»، تستهدف الربح المالي دون النظر إلى العواقب الصحية.

فيما رصدت «الإمارات اليوم»، خلال جولة ميدانية شملت عدداً من الصيدليات في المناطق الشمالية، صرف القائمين عليها المضادات الحيوية دون السؤال عن الوصفة الطبية، فضلاً عن ترشيح العاملين فيها أنواعاً بعينها من المضادات دون سند علمي يؤكد فائدتها للمرضى.


وتفصيلاً، أكّد محمود جابر، علي السيد، إبراهيم حسين، إيهاب محمد، من سكان دبي والمناطق الشمالية، أنهم «اعتادوا الحصول على المضادات الحيوية من الصيدليات من دون وصفة طبية، ولم ترفض أي صيدلية إعطاءهم الدواء، ولم تسألهم عن الوصفات»، موضحين أنهم «عادة ما يذهبون إلى العاملين بالصيدليات ويصفون لهم ما يعانونه، فيقترح عليهم الصيدلي الدواء الذي يراه مناسباً».

10 %

من ميزانية «صحة دبي» تذهب إلى المضادات الحيوية.

700

ألف شخص على مستوى العالم يموتون سنوياً، لأن المضادات الحيوية لم تعد تؤثر في نوعيات معينة من البكتيريا.

■الإسراف في «المضادات الحيوية» يقتل البكتيريا النافعة بجسم الإنسان.. وعدم إكمال الجرعة يمنح الفيروس «مناعة».

أمراض الشتاء

حذّرت أخصائي طب الأسرة مدير الشؤون الطبية في مركز البرشاء، الدكتورة ندى الملا، من الاستخدام المفرط والعشوائي للمضادات الحيوية لعلاج الأمراض دون الحاجة الفعلية إليها، خصوصاً أمراض فصل الشتاء.

ولفتت إلى أن «أكثر من 90% من أمراض الشتاء المتعلقة بالزكام والرشح والالتهابات والقصبات الهوائية ناتجة عن فيروسات، ولا تحتاج الى مضادات حيوية للعلاج»، مؤكدة «أهمية هذه المضادات في مكافحة العدوى البكتيرية وقدرتها على إنقاذ الحياة في حال الاستخدام الصحيح لها، إلا أن استخدامها في مكافحة العدوى الفيروسية يشكل فرصة سانحة لزيادة مقاومة البكتيريا لها، وفقدانها فعاليتها».

وأشارت الملا إلى الأخطاء التي يرتكبها بعض المرضى عند استخدام المضادات الحيوية لعلاج أمراض الشتاء دون استشارة الطبيب، في الوقت الذي لا تكون هناك حاجة إليها، وربما قد تكون مضرّة للمريض.

وأضافوا أن «الأطباء في العيادات والمستشفيات الخاصة يصرفون كميات كبيرة من المضادات الحيوية دون حساب أو مراعاة لما يترتب على ذلك من آثار على صحة المريض»، معتبرين أن «ما يفعله الأطباء في القطاع الخاص أو الصيدليات هدفه تجاري في المقام الأول لتحقيق أرباح دون النظر إلى العواقب السلبية للإسراف في هذه العقاقير».

من جانبه، قال وكيل الوزارة المساعد لسياسة الصحة العامة والتراخيص، الدكتور أمين الأميري، إن «الوزارة أصدرت، أخيراً، تعميماً للمستشفيات والمراكز الصحية، على مستوى الدولة، بضرورة ترشيد وصف وصرف المضادات الحيوية، وطالبت بعدم تناولها دون استشارة الطبيب المختص، وعدم صرفها من الصيدلية إلا بموجب وصفة طبية، والحرص على التزام الأطباء بالبروتوكولات العلاجية عند وصفها للمرضى».

وأضاف «طالبت الوزارة بالحدّ من استعمال المضادات الحيوية قدر المستطاع، لاسيما أن الاستعمال المفرط لها يؤثر في البكتيريا الموجودة طبيعياً في جسم الإنسان ومفيدة لصحته، ما قد يؤدي إلى القضاء عليها في الأمعاء والقولون، وتالياً ظهور أعراض وأمراض أخرى، كالإسهال والحساسية، وغيرهما».

وتابع «شدّد التعميم أيضاً على ضرورة الالتزام بالجرعات المحددة ومواعيدها، وتوعية المريض بأهمية مراعاة ذلك عند تناول الدواء، وعدم التوقف عن تناوله عند تحسّن الحالة، لأن ذلك يؤدي إلى ظهور البكتيريا مرة أخرى، وقد تكتسب مناعة ضد المضاد الحيوي، فيصبح عديم الفاعلية. كما حث التعميم على توعية المريض بعدم تعاطي المضاد الحيوي بناءً على نصائح يتلقاها من أشخاص آخرين، وليس بناءً على وصفة طبية، نظراً إلى خطورة مثل هذا السلوك الذي قد يؤدي إلى مضاعفات خطرة على المريض، باعتبار أن المرض يختلف من حالة إلى أخرى، ولكل واحدة منها خصائصها، وهي مسائل لا يدركها إلا الأطباء بحكم معرفتهم بالضوابط المرتبطة بوصف واستخدام المضادات الحيوية».

وأوضح الأميري أن «الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية يحدث من خلال تناولها من قبل المريض دون ضرورة، أو وصفها من قبل ممارسي الرعاية الصحية دون تشخيص، أو عدم تناول الدواء بالطريقة الصحيحة»، لافتاً إلى أن «أكثر الحالات شيوعاً في استخدام المضادات الحيوية بشكل عشوائي وخاطئ هو التهاب الجهاز التنفسي، مثل الأنفلونزا والزكام، إذ نظراً إلى شيوعه ووضوح التشخيص فيه وانتشاره في مواسم معينة، فإن الناس كثيراً ما يلجأون إلى تناول المضادات الحيوية بشكل تلقائي دون استشارة الطبيب، والذي يكون غير ضروري في معظم الأحيان».

وأضاف أنه «في حال رصد صيدليات تصرف مضادات حيوية من دون وصفة طبية، تتم إحالة القائمين عليها إلى التحقيق ومخالفتها»، مشدداً على «ضرورة التزام جميع الصيدليات باللوائح والقوانين المنظمة لعمل الصيدلة بالدولة».

وفي ما يتعلق بالطريقة المثلى لاستعمال المضادات الحيوية، حدّد الأميري ثلاثة محاور أساسية، هي عدم تناول المضادات الحيوية إلا بعد استشارة الطبيب المعالج وبعد إجراء الفحوص اللازمة، واتخاذ القرارات التي يستوجب معها المعالجة بالمضادات الحيوية، والالتزام بتعليمات الطبيب، وأخذ الجرعات بدقة وفي التوقيت الصحيح، وعدم التوقف عنها إلا بعد استشارة الطبيب، إضافة إلى ضرورة عدم تناولها حين يقرر الطبيب أن الحالة لا تحتاج إليها.

يشار إلى أن دراسات وتحقيقات ميدانية عالمية أثبتت، أخيراً، أن بين 50% و80% من الجراثيم أصبحت، حالياً، لديها مقاومة عنيفة للمضادات الحيوية، ما يؤدي إلى ارتكاس الجهاز المناعي، وتالياً إطالة مدة المرض وصعوبة علاجه، وزيادة مخاطر المضاعفات التي قد تؤدي إلى الوفاة، وأيضاً ارتفاع نسبة النفقات الصحية. وكشفت إحصاءات صادرة عن منظمة الصحة العالمية أن «نحو 700 ألف شخص على مستوى العالم يموتون سنوياً، لأن المضادات الحيوية لم تعد تؤثر في نوعيات معينة من البكتيريا، كما أن الاستخدام العشوائي لها يؤدي إلى أوبئة، ما لم يتم التدخل وإيجاد حلول جذرية لها».

من جهته، أفاد مدير إدارة الخدمات الصيدلانية في هيئة الصحة في دبي، الدكتور علي السيد، بأن «10% من ميزانية الأدوية في الهيئة تذهب إلى المضادات الحيوية، وتُعد هذه النسبة ضمن المعدلات العالمية، إلا أن الإسراف في استخدامها عادة يكون في القطاع الخاص»، محذراً من «الاستهلاك العشوائي لها، لأن ذلك من شأنه إضعاف مناعة الإنسان على مقاومة الأمراض، وقد تؤدي إلى الوفاة».

وأكد «وجود ممارسات عشوائية في المجتمع تتعلق باستخدام المضادات الحيوية، منها ما يخص الأفراد، ومنها ما يتعلق بالأطباء والصيادلة، وجميعها تضرّ في النهاية بصحة الإنسان، وتعزز فاعلية الجراثيم والميكروبات».

وانتقد إقبال أشخاص على صرف مضادات حيوية من الصيدليات من دون وجود وصفة طبية مبنية على فحوص تؤكد حاجة المريض إلى هذه المضادات، وتوضح حجم الجرعات المناسبة حسب نوع الحالة، لافتاً إلى أن «صرف مضادات بجرعات أقل من المطلوبة يزيد من فاعلية الفيروس، الأمر الذي يقع ضحيته كثيرون نتيجة الاستخدام العشوائي غير المقنّن لها، ومن ثم يصعب علاجهم بسهولة، لأن الفيروس اكتسب مناعة تجاه المضاد الحيوي».

وأضاف: «يزيد المشكلة صعوبةً إقدام أطباء على صرفها من دون حاجة طبية ملحّة للمريض، لأهداف ربحية، كذلك موافقة الصيدليات على صرفها من دون وصفة، بدافع الربح المالي فقط، دون النظر إلى ما قد يسبّبه الدواء على المريض».

وعرض السيد ثلاثة حلول للحدّ من الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية، تتمثل في التوعية المجتمعية بمخاطر هذه الممارسات، ليصبح كل فرد على دراية كافية بها، إضافة إلى ضرورة وضع أنظمة إلكترونية للوصفات الطبية تلتزم الصيدليات بصرف الأدوية من خلالها، فضلاً عن مراقبة أداء الأطباء من خلال وصَفاتهم العلاجية.

إلى ذلك، أكد مدير إدارة التمويل الصحي في هيئة الصحة بدبي، الدكتور حيدر اليوسف، أن «الهيئة وضعت ضوابط لصرف المضادات الحيوية في المستشفيات الخاصة، وقدمت دورات تدريبية، شملت كل الأطباء والعاملين فيها، على كيفية الاستهلاك الأمثل للمضادات الحيوية، حسب حالة المريض»، مشيراً إلى «وجود رقابة إلكترونية على صرف الأدوية في القطاع الخاص، تمكّن الهيئة من رصد المخالفين والتصدي لهم، بما يضمن حقوق المريض ومصلحته بالدرجة الأولى».

تويتر