في ظل غياب قانون أو تشريع يحميهم ويحفظ حقوقهم

مرضى نفسيون في الدولـة يعانون استغلالاً من الأهل والأزواج

أفاد مختصون بأن عدداً من المرضى النفسيين يتعرضون للاستغلال من أقرب الناس إليهم، ومن المحيطين بهم، بصور متنوعة، ويسلبونهم حقوقهم وأموالهم، وأحياناً استقرارهم الأسري، في ظل غياب مادة أو نص صريح في القانون، يصون حقوق المرضى النفسيين، ويحميهم من صور الاستغلال كافة.

وأشاروا إلى أن عديداً من المرضى النفسيين يعانون عدم القدرة على دفع الضرر عن أنفسهم، على الرغم من خضوعهم للعلاج، واستقرار حالاتهم الصحية، وقدرتهم على تدبر أمورهم، واتخاذ القرارات الصائبة، لكن وصمة المرض تلاحقهم وتسلبهم إرادتهم وحقوقهم الطبيعية.

وأجمع المختصون على أهمية وجود قانون خاص يحمي حقوق المرضى النفسيين، ويضمن صون أموالهم وممتلكاتهم، مشددين على ضرورة تصحيح المفاهيم الاجتماعية المغلوطة، التي عززتها وسائل إعلام، ورسخت صورة سلبية عن المرضى النفسيين، وثبّتت مفهوم عجزهم عن اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ما رسخ في أذهان الكثيرين صورة ذهنية لشخصية مهزوزة تابعة للغير.

وأوضحوا أن الأمراض النفسية فئات وأنواع مختلفة، والبعض يستجيب للعلاج، ويستطيعون إدارة أمورهم الشخصية بأنفسهم، دون الحاجة إلى وصاية من أحد، مطالبين بإصدار تشريع يحمي حقوق المرضى النفسيين، ويحول دون استغلال ظروف مرضهم، لتحقيق مصالح شخصية.

وأكد عضو لجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية في المجلس الوطني الاتحادي، سالم النار الشحي، أن اللجنة تبنت سابقاً توصيات تتعلق بإصدار قانون الصحة النفسية، حفاظاً على حقوق المرضى النفسيين، التي حذر الدين من تجاوزها بغير وجه حق.


وتفصيلاً، قال المواطن (ع.ع.أ) إنه مصاب بمرض نفسي، شخّصه الأطباء بأنه اضطراب «ثنائي القطب»، يجعله يعاني تقلبات مزاجية حادة، إلا أنه مع الاستمرار في تناول الأدوية والعلاج النفسي تَمكن من السيطرة على انفعالات المرض، الذي لم منعه من إكمال دراسته الثانوية، وحالياً يعمل في إحدى الدوائر الحكومية.

وأضاف أنه بعد وفاة والده، وتوزيع الميراث، سعى بقية أشقائه إلى الحصول على وصاية قانونية عليه من المحكمة، بحجة أنه غير مؤهل لإدارة ما يملك من مال، ولا يمكنه المحافظة عليه، فضلاً عن أن مرضه النفسي يجعله عرضة للاستغلال المالي من قبل الآخرين، ما مكنهم من إقناع الجهات المعنية بهذا المبرر، والحصول على وصاية قانونية على إدارة أمواله، على الرغم من أنه يبلغ الـ20 من عمره، ووضعه الصحي مستقر.

وأوضح الشاب أن الأسئلة التي وجهت إليه من قبل اللجنة الطبية التي قيّمته، جعلته يبدو مشوشاً، ما جعل موقفه يبدو ضعيفاً أمام القاضي، وأدى إلى صدور حكم بوضعه تحت الوصاية، متسائلاً «ألا يحق للمريض النفسي أن يمتلك الحرية، وحق اتخاذ القرار في أمور حياته المختلفة؟ على الرغم من توافر العلاج الطبي المجدي، الذي يصل ببعض الحالات إلى الاستقرار النفسي».

واتفقت معه (أم أحمد)، من إمارة الفجيرة، التي روت قصة إحدى جاراتها، قائلة «كانت جارتي زوجة لرجل مصاب بمرض الفصام، الذي يجعله يعاني اضطراباً في التفكير والسلوك، إلا أن وضعه الصحي كان مستقراً، بسبب مواظبته على العلاج الذي يصفه له الأطباء المختصون، وكان الهدوء والود يسودان حياته الزوجية، قبل أن تتأثر الزوجة بكلام صديقتها، ونظرة المجتمع السلبية تجاه مرض زوجها، الأمر الذي دفعها إلى طلب الطلاق منه»، وأضافت «إلا أنه رفض بشدة، من منطلق تمسكه بها، ويقينه بأن الطلاق سيشتت حياة طفليهما، ما دفع الزوجة إلى التوجه إلى الطبيب النفسي المعالج، وطلبت منه التقرير الطبي الخاص بحالة زوجها المرضية، وذلك بعد أن عرضت وثائقها الرسمية التي تثبت أنها زوجة المريض، وتحتاج إلى التقرير من أجل عرضه على أخصائي، فما كان من الطبيب إلا أن منحها تقريراً طبياً مفصلاً ومعتمداً، بعد إلحاح الزوجة، وبموجب التقرير الطبي حصلت على حكم يقضي بتطليقها للضرر».

وطالبت (أم أحمد) بضرورة وضع تشريع أو قانون يحفظ كل حقوق المرضى النفسيين، ويمنحهم حرية اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم، بعيداً عن الاستغلال، بشتى صوره، خصوصاً الحالات التي تلقت العلاج ووصلت إلى مرحلة الاستقرار.

وأفادت المواطنة (شمة محمد) بأن خالتها أصيبت بمرض الفصام، الذي ظهرت أعراضه في إهمال مظهرها وأبنائها، ودخلت مصحة نفسية، واستجابت للعلاج، واستقرت حالتها النفسية، وخرجت من المصحة بعد أربعة أعوام إنسانة سوية، نفسياً وسلوكياً، إلا أنها فوجئت برفض الأبناء محاولاتها في التواصل معهم، وذلك بسبب والدهم الذي طلّقها، وحذرهم من خطورة التواصل معها، وتأكيده الدائم على أنها غير سوية، مستغلاً مرضها النفسي لكسب حضانة أبنائه.

ورصدت «الإمارات اليوم» ـ في إحدى التغطيات الإعلامية لتوزيع المساكن للمواطنين في إمارة الفجيرة ـ مواطناً يطالب المسؤولين في البرنامج الإسكاني بإلحاح بمنح شقيقه المصاب بمرض نفسي منحة مالية، لإنشاء مسكن شعبي، ويدعي بأن شقيقه من ذوي الإعاقة، وحينها ردت عليه المسؤولة «بعدم تخصيص منحة سكنية لشقيقه، كونه غير متزوج، ورفضت بشدة تصنيفه للمريض النفسي ضمن فئة ذوي الإعاقة».

من جهته، عرّف الطبيب النفسي بمستشفى الفجيرة، الدكتور نجدت خلوف، المريض النفسي بأنه «الشخص الذي يفتقد القدرة على إدراك إمكاناته الخاصة، والتكيّف مع حالات التوتّر العادية والعمل بشكلٍ منتج ومفيد والإسهام في مجتمعه المحلي»، وأوضح «كأن يشعر بالضيق أو العجز عن الإنجاز، أو يشعر بالكراهية لنفسه، أو عجزه عن حل المشكلات الاجتماعية التي يمر بها، وقد يصل إلى درجة عالية من اليأس والرغبة في الموت، أو اضطرابات السلوك أو التفكير أو الإدراك»، مضيفاً «تغيرت معايير تشخيص المرض النفسي مع مرور الزمن، وإلى الآن هناك بعض الاختلافات في معايير تشخيص الاضطرابات النفسية وتصنيفها بشكل دقيق».

وأشار إلى أن الأمراض النفسية فئات وأنواع مختلفة، وهناك نسبة غير قليلة من سكان العالم الذين تعرضوا للإصابة بأحد أنواع المرض النفسي في مرحلة معينة من حياتهم، إذ علمنا بحسب موقع منظمة الصحة العالمية أن التقديرات تشير إلى أن نحو 20% من الأطفال والمراهقين في العالم لديهم اضطرابات أو مشكلات نفسية، ويمكن أن يتلقى المصابون بالمرض النفسي العلاج في مشافي الأمراض النفسية، أو في العيادات الخارجية، ويصل الكثير منهم إلى مرحلة الاستقرار التي تمكنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

وبين خلوف «بالنسبة للاضطرابات النفسية، هناك بعض الحالات التي تؤثر في محاكمة المريض، وقد تجعله عرضة للاستغلال، فيكون بحاجة إلى من يرعى شؤونه، ويعتبر القضاء هو الجهة المخولة منح الوصاية على المريض، والتي تقرر تقييمه من قبل اللجان الطبية المختصة».

من جانبه، قال عضو لجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية، بالمجلس الوطني الاتحادي، سالم النار الشحي، إنه ضمن مجموعة التوصيات التي تبنتها اللجنة في فبراير الماضي، العمل على إصدار قانون الصحة النفسية، حفاظاً على حقوق المرضى النفسيين والعاملين في مجال الطب النفسي.

وانتقد الشحي دور وسائل الإعلام والمسلسلات التلفزيونية في إظهار الصورة السلبية للمريض النفسي على أنه عاجز عن اتخاذ قراراته «الأمر الذي رسخ في أذهان الكثيرين الشخصية المهزوزة والتابعة للغير».

فيما قال رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في دار واحات الرشد، التابعة لدائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، خالد العبدولي، إنه على الرغم غياب قانون أو تشريع يحفظ حقوق المرضى النفسيين، إلا أن الخدمات المقدمة من الدائرة لحالات الإيواء من المرضى النفسيين تسهم بشكل كبير في حفظ حقوقهم، بما يضمن لهم الحياة الكريمة، متابعاً «في حال تعرض المريض النفسي للاستغلال المالي، أو سوء إدارة أمواله من قبل أسرته، فإن الدائرة تعمل بعد تأكدها من صحة الأمر على وقف هذا النوع من الاستغلال، عبر تواصلها مع المحكمة، والحصول على الوصاية، وفق إجراء قانوني، وبموافقة أسرة المريض».

وأشار إلى أن المرضى النفسيين الذين وصلوا إلى مرحلة الاستقرار بعد تلقيهم العلاج المناسب، تتولى الدائرة تدريبهم وتأهيلهم على إدارة أموالهم، من أجل الحفاظ على حقوقهم وممتلكاتهم، كونهم الأقدر على ذلك، مؤكداً أن هذه الفئة من المرضى قادرة على تحديد واتخاذ قرارات مهمة في حياتها، مثل الزواج والعمل وغيرهما من الأمور المتعلقة بمصالحها.

من جانبه، قال المحامي إبراهيم الحوسني، إنه «لم يصدر قانون أو نص مادة صريحة متعلقة بالمرضى النفسيين، تتعلق بناقصي وعديمي الأهلية».

وأوضح أن إحدى مواد قانون الأحوال الشخصية الاتحادي رقم (28) لسنة 2005، تنص على أنه «لا يجوز للولي أن يتصرف في عقار القاصر تصرفاً ناقلاً لملكيته أو منشئاً عليه حقاً عينياً إلا بإذن المحكمة، ويكون ذلك لضرورة أو مصلحة ظاهرة تقدرها المحكمة».

وأضاف الحوسني «كما أن الدولة شرعت القانون رقم (29) لسنة 2006، في شأن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد عرّف القانون في مادته الأولى صاحب الاحتياجات الخاصة بأنه (كل شخص مصاب بقصور أو اختلال كلي أو جزئي بشكل مستقر أو مؤقت في قدراته الجسمية أو الحسية أو العقلية أو التواصلية أو التعليمية أو النفسية إلى المدى الذي يقلل من إمكانية تلبية متطلباته العادية في ظروف أمثاله من غير ذوي الاحتياجات الخاصة)».

وأشار إلى أنه في ذات الوقت، فإن هذا القانون كفل حقوق صاحب الإعاقة، ووفر جميع الخدمات له، وعدم التمييز، ومعاملته بطريقة إنسانية، وتوفير المساعدة الملائمة له، وممارسة حقه في التعبير وإبداء الرأي، والحماية اللازمة لمراسلاته وسجلاته الطبية وأموره الشخصية، وتأهيله وإعفاءه من الرسوم القضائية، وترخيص وسائل النقل، والحق في التعليم والخدمات الصحية.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

تويتر