«برشلونة» و«كانتونا» وفلسفة العقوبة

القاضي الدكتور جمال السميطي

أعلنت اللجنة التأديبية في «الفيفا» منع نادي برشلونة من التعاقد مع لاعبين جدد من داخل إسبانيا أو خارجها لمدة عام لمخالفات متعلقة بضم لاعبين لم تصل أعمارهم إلى 18 عاماً، إذ تنص لوائح «الفيفا» على أنه لا يحق لأي فريق ضم أي لاعب من خارج الاتحاد الأوروبي دون 18 عاماً وتسجيله في كشوفاته ما لم يكن والدا اللاعب مقيمين مع نجلهما في البلد ذاته لأي سبب كان. وفي 25 يناير من عام 1995 وأثناء مباراة مانشستر يونايتد وكريستال بالاس، حيث كانت المباراة في أرض الأخير حيث تعرض (كانتونا) للطرد من قبل حكم المباراة لقيامه بركل أحد مدافعي الكريستال، وحينما كان يتوجه (كانتونا) لغرفة تبديل الملابس قام أحد مشجعي كريستال بالاس ويُدعى مات سيمونز بشتمه، حيث لم يتمالك نفسه كانتونا وقام بركله بطريقة الكونغ فو، فعوقب إثر ذلك بالسجن لمدة أسبوعين، وبقرار من المحكمة فقد خرج كانتونا بكفالة وتحولت عقوبة السجن إلى قضاء 120 ساعة لعمل خدمات اجتماعية، حيث قام طوال هذه الساعات بتعليم فنون كرة القدم للصغار والناشئين.

«القانون وعاء القيم، والقيم غاية القانون، فمن يتعرض لتلك القيم فعليه تقع التبعات».

لنقف أمام هاتين الحادثتين، ونتأمل فلسفة العقوبة فيهما، فالعقوبة تحقق الردعين العام والخاص، وفي الحقيقة فإن العقوبة أُوجدت للمحافظة على القيم التي انتهكت، فالقانون وعاء القيم، والقيم غاية القانون، فمن يتعرض لتلك القيم فعليه تقع التبعات. لذا فإن العقوبة لابد أن تكون من جنس الفعل، في الواقعة الأولى كانت المخالفة متعلقة بالتعاقد مع لاعبين قصّر بطريقة مخالفة فكانت العقوبة الحرمان من التعاقد لمدة سنة، وفي الحالة الثانية كان الفعل الاعتداء بالركل -علماً بأن اللاعب له حوادث عدة سابقة متعلقة بعنفه واعتدائه على المدربين والحكام واللاعبين- وكانت العقوبة في الواقعة الثانية تدريب الأطفال، وفي تعليق (كانتونا) على تجربته مع تدريب الأطفال، قال إنها جعلت منه شخصاً هادئاً وغير متسرعٍ مما انعكس على شخصيته وتحوله إلى شخص متزن.

إن العقوبة بمفهومها القديم كانت وسيلة للانتقام، ولكن هذا المفهوم تغير وأصبحت وسيلة للإصلاح، ففي النهاية لا يمكن إغفال أن هذا المخطئ أو المذنب أو المجرم هو فرد من أفراد المجتمع ارتكب فعلاً مُجَرّماً، وكلنا نخطئ، والأولى أن يكسب المجتمع هذا الشخص ويقوّمه من خلال إصلاح القيم لديه لنجعل منه شخصاً منتجاً إيجابياً، لا شخصاً مقبلاً على الانتقام.

مدير معهد دبي القضائي 

تويتر