آراء

ذنوب الأبناء نار على الآباء

المحامي يوسف البحر

لا أستطيع أن أمسح من ذاكرتي ذاك المشهد المؤلم، الذي حدث أمام قاعة محكمة الجنايات قبل عامين تقريباً، عندما سقط أب مغشياً عليه إثر سماعه القاضي ينزل عقوبة السجن بحق ابنه، فهذا الأب لم تقوَ قدماه وعكازه على تحمل «المصيبة».

الأب الذي تجاوز الستين من عمره، وشاب شعره، وأصابه داء السكري، وهو يربي ابنه، نزل الخبر كالصاعقة على جسده الهزيل، ولولا قضاء الله وقدره، وحضور رجال الإسعاف في الوقت المناسب، لكانت نهايته مأساوية.

نجا الأب، لكن لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء لنطقت بالأسباب الخفية لما حدث، وكيف وصل الابن إلى قفص الاتهام.

الموجودون في المحكمة التفوا حول الرجل يتهامسون قصته، متعاطفين معه، لكنهم ألقوا العتاب على ابنه الذي وصفه البعض «بالضال».

نجا الأب، لكن لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء لنطقت بالأسباب الخفية لما حدث، وكيف وصل الابن لقفص الاتهام، وهل هو المذنب الحقيقي أم الظروف دفعته لذلك.

هذا المشهد الحزين لم يكن الأول، فخلال عملي بالقانون شاهدت مشاهد عدة، ومنها أن عائلة أغرقت عيونها الدموع، وخرجت تتخبطها رياح الدنيا بعد الحكم بالسجن 10 أعوام على ابنها.

«العائلة المصدومة» خرجت من قاعة المحكمة بحثاً عن أي رجل يلبس العباءة السوداء علها تجد تحت عباءته ما يغير مصير ولدها أمام محكمة الاستئناف، فيما كانت عيون الموجودين تترقب العائلة متعاطفة معها.

لم أرغب في استعراض هذه القصص الحزينة، لكن قبل كل شيء فإن السؤال الذي نبحث عنه من المذنب الحقيقي؟ هل هي العائلة في تربيتها أم المدرسة أم المجتمع أم الشاب ذاته الذي يدفع اليوم ضريبة كبيرة؟

الحل بسيط كلاماً، كبير فعلاً، فالدور الضخم يقع على عاتق الأسرة في المقدمة.

الدور الآخر على عاتق المدرسة والجامعة، حيث يقضي الطالب فيهما جزءاً كبيراً من حياته، فجلوسه بين الكتب لا يعني أن طريقه بات معبداً للسير في الاتجاه الصحيح، وإنما الدور الأهم في هذا العصر الذي تتزاحمه التكنولوجيا والمغريات العصرية العمل على بناء الأخلاق، والتمسك بالدين، وليس البحث عن الكسب المادي.

وللمجتمع دور كبير في التربية، فعلى المؤسسات والأندية واجب إنساني، وحتى وطنيّ، في المساهمة في بناء شاب قادر على أن يكون إيجابياً في وطنه، يسهم في عالم البناء والتنمية التي تحققها دولتنا، وتقفز من خلالها إلى مصاف الدول المتقدمة.

ولعل ما أثلج الصدور إعلان سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن الخدمة الوطنية للشباب، فهذه الخدمة ستكون بمثابة صمام الأمان.

وكلمتي الأخير، حياتنا نعمة من الله، فلنحافظ عليها، ونستثمرها لما فيه خير لنا ولأبنائنا.

تويتر