آراء

ازدراء الأديان عبر وسائل التواصل الاجتماعي

جرّم المشرِّع صوراً من السلوكيات المؤذية لإحساس كل إنسان بكرامة عقيدته الدينية، وبالمهابة التي يجب أن تكون لدينه في عينه وأعين الآخرين، منها سلوكيات مادية بحتة، ومنها سلوكيات ذات مضمونٍ نفسي، والمشرِّع عندما جرّم المساس بالأديان إنما قصد بذلك في الدرجة الأولى حمايةّ النظام العام، لا الأديان نفسها ولا الطوائف التي تنتمي إليها، ذلك أن الشعور الديني لعُمقه وعنفه لا يَسهَل رده إذا هُيِّج وأثير لدى الجماعات، وفي إثارته تعريض أمن الدولة ونظامها العام للخطر.

إذ أصبح ازدراء الأديان جريمة تمارس بشكلٍ واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بصورة ولّدت الأحقاد حتى بين الأطفال والمراهقين، سواء كانوا من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تلك أم لا، ذلك أن شحن القلوب بالكراهية والبغضاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنما ينتقل أثره من العالم الافتراضي إلى الواقع المادي، ما يُكدِّر معه السلم العام.

وعرّف المشرّع الاتحادي ازدراء الأديان بأنه: «كل فعل من شأنه الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون»، كما حدد المشرِّع الأديان المشمولة بالحماية القانونية، وهي الإسلام والنصرانية واليهودية، بكل مللها وطوائفها الدينية، وأيضاً حدد المشرِّع دور العبادة المشمولة بالحماية، وهي المساجد والكنائس والمعابد.

ويعد التطاول على الذات الإلهية أو الطعن فيها أو المساس بها، والإساءة إلى أي من الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها، والإساءة بأي شكل من الأشكال للكتب السماوية، كتحريفها أو السخرية من آياتها أو حرقها أو وضعها في مكان يسيء إليها، والتطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم، كالإساءة لنبي هذا الدين بإنكار نبوته أو سبه أو إسناد أمور أو وقائع شائنة إليه من شأنها المساس بشرفه أو منزلته في نظر أهل دينه، أو الإساءة لزوجته أو أهل بيته أو صحابته، كالطعن في أعراضهم أو السخرية منهم، من أكثر صور ازدراء الأديان عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتشاراً.

ويجب التنويه إلى أنه لا يجوز بحكم القانون الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير لإتيان أي قول أو عمل من شأنه التحريض على ازدراء الأديان أو المساس بها.

بقي أن نشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن يوماً محلاً لتناول وتداول الموضوعات الدينية، فللمناظرات العلمية بشأن الأديان أماكنها المخصصة، بل ويتناولها المختصون بتلك العلوم والدراسات، لا العامة، ذلك أن قرع الحجة بالحجة لا يكون من غير مختص، ولا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فما يحدث اليوم باسم الدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا تناحرٍ كتابي ولفظي، من شأنه شحن النفوس، الأمر الذي قد يؤثر سلباً في السلم العام، خصوصاً أن ازدراء الأديان كجريمة غالباً ما تكون مرتبطة بجريمة أخرى، ألا وهي إثارة التمييز والعنصرية والطائفية، وهي أمور جرّمها المشرّع الاتحادي، بل اعتبرها من الجرائم الماسة بأمن الدولة.

ختاماً، لا يسعنا إلا أن نستشهد بالحلاج عندما قال:

مالي وَلَلناسِ كَم يَلحونَني سَفَهاً ديني لِنَفسي وَدينُ الناسِ لِلناسِ

تويتر