آراء

إعادة نشر المحتوى المُجرَّم.. جريمة!

يستنكر كثير من أفراد المجتمع تجريم إعادة النشر، بل إن هذا الاستنكار طال بعض القانونيين، ظناً منهم أن إعادة النشر أمر غير مُجرَّم، مستندين إلى أن نصوصاً عقابية جرمت سلوك النشر دون إعادة النشر صراحة.

في حين نجد عديداً من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يُسطِرون عبارة (إعادة النشر لا تعني الموافقة)، في ملفاتهم الشخصية، معتقدين أن هذه العبارة تعفي أو تمنع المساءلة الجنائية متى سُطرت. أمر لابد أن يعيه الجميع، خصوصاً المشتغلين في السلك القانوني، هو أنه لابد من الرجوع للأحكام العامة الواردة في قانون العقوبات الاتحادي كلما مررنا بنصٍ عقابيٍ خاص؛ كون الأحكام العامة الواردة إنما هي أحكام تُطبق على كل التشريعات الجنائية الخاصة، ذلك أن التشريعات الخاصة لا تعمل ولا تُطبق بمنأى عن القواعد والأحكام العامة، ما لم يرد نص خاص.

وبالرجوع للتشريعات الخاصة، كالمرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، أو المرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة التمييز والكراهية، نجد أن بعض النصوص جرَّمت كلاً من النشر وإعادة النشر صراحة، في حين أن البعض الآخر منها اكتفى بتجريم النشر صراحة دون تجريم إعادة النشر، فهل نفهم من ذلك أن إعادة النشر حينها لا تشكل جريمة؟

هنا لابد من استقراء الباب الأول المعني بالأحكام العامة من قانون العقوبات الاتحادي، إذ نصت المادتان (44) و(45) منه على صور المشاركة الإجرامية، سواء كانت المشاركة فيها مباشرة أو بالتسبب، من بينها المساعدة الإجرامية. إذ تعد إعادة النشر في غير الحالات المنصوص عليها صراحة، صورة من صور المشاركة الإجرامية، من خلال المساعدة الجنائية المتممة للجريمة، «ولتطبيق قاعدة وجوب كون المساعدة سابقة أو معاصرة أو متممة للجريمة، يتعين تحديد عناصر الركن المادي للجريمة»، وبيان تقسيمها من حيث الركن المادي، وهذه أمور قانونية دقيقة ليست محلاً للنقاش هنا كون المقال لا يستوعبها، بجانب أنها تخاطب المختصين في القانون الجنائي، الأمر الذي لا تجدي معه نفعاً مناقشتها هنا.

خلاصة القول هي أن إعادة نشر المحتوى المُجرَّم جريمة، فإن نص المشرع صراحة على تجريم إعادة النشر؛ يعد معيد النشر حينها فاعلاً أصلياً، أما في حال لم ينص المشرع صراحة على تجريم إعادة النشر، فإننا بصدد المشاركة الإجرامية بالتسبب عن طريق المساعدة الإجرامية بحسب الأحوال.

الجدير بالذكر أن هذا التقسيم الفقهي والقانوني لا يؤثر في العقوبة بالنسبة للمشرع الاتحادي كونه يعاقب الفاعل الأصلي أو الشريك بالعقوبة ذاتها، وهذا ما أكدته المادة (47) من قانون العقوبات الاتحادي، حيث نصت على أنه «من اشترك في جريمة، بوصفه شريكاً مباشراً أو متسبباً، عوقِب بعقوبتها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك».

هذا بالإضافة إلى أنه يمكن مساءلة الشريك دون مساءلة الفاعل الأصلي، بمعنى أنه يمكن توجيه المساءلة القانونية لمعيد النشر (الشريك)، دون توجيه المساءلة الجنائية للناشر (الفاعل الأصلي)، علاوة على أن الشركاء لا يستفيدون من توافر أسباب الإباحة أو موانع المسؤولية المتوافرة بالنسبة لأحدهم، في حين أن الظروف الشخصية المخففة أو المشددة للعقاب لا تسري إلا على من توافرت بحقه دون بقية الشركاء، كذلك الأمر بالنسبة للأعذار المعفية أو المخففة للعقاب.

هذا بجانب أن معيد النشر يُعاقب بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلاً، حتى إن كانت الجريمة غير التي قصد ارتكابها، متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة لمشاركته.

تويتر