أشهر قليلة تفصل أول سيدة عربية عن «القمة السابعة»

سوزان الهوبي..فلسطينية تتسلق الجبال وتصعد ‬6 قمم

الهوبي: تحديات التسلق على مستويين الأحوال الجوية وكذلك التبدلات الجسدية. من المصدر

لم تكن سوزان الهوبي تعرف أنها ستكون أول سيدة عربية تتسلق قمة ايفريست، حين استهواها تسلق الجبال كتحد أرادت من خلاله أن ترى جمال الطبيعة وتثبت قدرتها على إنجازها، فمارسته في البداية كنشاط رياضي لا تقترب منه الكثير من السيدات، ثم أخذت الموضوع على محمل الجد، لتخوض من خلاله المغامرات، إذ إن وصول الفلسطينية المقيمة في الإمارات إلى قمة ايفريست لم يمنعها عن المتابعة، فقد أنجزت إلى اليوم تسلق ست قمم من القمم السبع الأعلى في العالم. وتخطط الهوبي لتسلق القمة السابعة في يونيو المقبل، كما أكدت في حوار لـ«الإمارات اليوم»، لكن ذلك في حال تمكنت من تأمين رعاية مادية لهذه المغامرة. تتحضر الهوبي اليوم لخوض تجربة جديدة تختتم من خلالها القمم السبع التي تسلقتها، وقالت، «تسلقت القمم الست، واليوم اتهيأ للتجربة التي من خلالها أكون المرأة العربية الوحيدة التي أنجزت تسلق أعلى سبع قمم في العالم، لكن ينقصني التمويل لأنجز هذا الحلم». ولفتت إلى أن التمويل يعد من الأمور الصعبة التي يواجه فيها المغامرون الكثير من العراقيل، خصوصاً في العالم العربي الذي لا يحمل نظرة العالم الغربي نفسها إلى هذه التجارب، مشيرة إلى أنها مولت كل رحلاتها إلى أن وصلت إلى رحلة انتكتيكا. واعتبرت أن حلمها يتوقف على تحقيق القمة السابعة، فقد أنجزت القمم الست، ولم يبق لها سوى الاخيرة، وحالياً تتدرب من أجل تحقيقها وإنجازها.

مغامرات

رياضة التسلق

بدأت رياضة التسلق في عام ‬1854، وقد تم تسلق قمة ايفريست التي يبلغ ارتفاعها ‬8848 متراً لأول مرة في عام ‬1953 من قبل المتسلق النيوزيلندي ادموند بيرسيفال هيالري مع تتزيج نورجاي، وبقيادة هنري سيسيل جون هانت. وتعد رياضة تسلق الجبال من الرياضات المرتبطة بشغف الوصول إلى المرتفعات وعشق الطبيعة. كما أنها تعد من الرياضات الرجالية التي لا تدخلها النساء بكثرة، فهي تتطلب جهداً بدنياً كبيرا للصعود بين الصخور، كما تتطلب لياقة بدنية عالية يتفوق من خلالها الانسان على نفسه. ويواجه المرء في هذه الرياضة الكثير من الأخطار المتعلقة بالطقس الحار جداً أو البارد جداً، ونقص الاوكسجين على القمم العالية، الى جانب ذلك لابد من توافر الكثير من المعدات الأساسية مع المتسلق ، والتي تكمن في الطعام الذي يجب أن يكفيه، وكذلك الحبال الطويلة والخفيفة الوزن، والحلقات المعدنية، الى جانب اللباس الخاص الذي يناسب الظروف الجوية، والأحذية الخاصة بالتسلق، ومطرقة، والاسعافات الأولية.

الهوبي قالت عن دخولها عالم المغامرات، «كنت في إفريقيا وبالمصادفة البحتة رأيت أعلى جبل في ذاك البلد، وقد هزني المشهد، فكل إنسان يبحث عن تحد في حياته، وكنت أشعر بأن هناك طاقة إضافية في داخلي، وفي تلك اللحظة قررت أن أتسلق هذا الجبل، وأن تكون عودتي إليه خلال سنة، وفعلا عدت خلال العام الذي وضعته لنفسي، وتسلقت الجبل عينه».

وأوضحت الصعاب التي واجهتها في المرة الأولى، قائلة «سبب لي التسلق الأول الكثير من المعاناة، لأني لم أكن أعرف أن هناك تحضيرات ومستلزمات لابد من وجودها معي، وبالتالي كانت هذه التجربة مميزة كي اكتشف الطاقة الكامنة في داخلي، الأمر الذي يجعلني أشعر بسعادة بالغة وعزم على الاستمرار لتحقيق المزيد».

ولفتت الى أنها تسلقت الجبل الذي رأته أول مرة في إفريقيا مرات عدة من باب التدريب، منوهة بأن تأكدها من عدم وجود سيدات عربيات يتسلقن الجبال هو الذي زاد الإصرار داخلها على تحقيق الإنجاز الذي لم تحققه أي سيدة عربية قبلها «لأنه ليس هناك مستحيل في الحياة».

المغامرة التي خاضتها الهوبي دفعتها الى تغيير مهنتها، فقد اضطرت الى ترك مهنتها في إدارة المستشفيات والتفرغ للتمرين من أجل إنجاز تسلق محطة ايفريست، أما اليوم فقد أصبحت تدير شركة خاصة بمحبي المغامرات، تساعدهم على تحقيق إنجازاتهم.

واعتبرت أن تحقيق حلم كبير كالوصول الى أعلى قمة في العالم، يجب أن يكون بإيمان كبير من قبل المغامر، وكذلك دعم العائلة، لأن الأخير أساسي لكل من يبحث عن تحقيق حلم.

واعتبرت أن ما يهز المغامر في أثناء المغامرة هو عدم الرضا الكامل من قبل العائلة، لأن الشعور السيئ في الرحلات الطويلة مؤذٍ ويحطم المرء نفسياً، ووحده الشعور بأن هناك من ينتظره ويدعمه ويؤمن بقدراته يجعله قادراً على العودة.

جمال

الهوبي أكدت أن الجبال التي تسلقتها أتاحت لها أن ترى الكثير من المشاهد الساحرة الى جانب غرائب الحضارات، وأن هذا الاكتشاف للعالم مميز بالنسبة للإنسان لأنه اكتشاف ناتج عن جهد كبير، معتبرة أن العالم العربي يحتاج الى الكثير من الانجازات التي يجب أن يسلط عليها الضوء كي تزيد من طموح الجيل الجديد.

ورأت أن المرأة قد تواجه ما يمنعها من تحقيق الانجازات الكبيرة وخوض المغامرات، وذلك بشكل رئيس بسبب التزاماتها العائلية، لاسيما إن كانت أماً، لكن هذا لا يعني إلغاء الفكرة، بل من الممكن تأجيلها أو تعجيلها، مشيرة إلى أن المرأة العربية بطبيعتها تفدي كل من حولها قبل نفسها.

وشددت الهوبي على أن التجربة التي خاضتها علمتها الالتزام تجاه نفسها كامرأة، فباتت أكثر التزاماً وتضع جدولاً يومياً تنسق خلاله أوقاتها لتمارس رياضتها اليومية كي تحافظ على قدرات جسدها ولياقتها البدنية، كما تعلمت معنى الوقت القيم مع بناتها، فلم تعد تهتم بعدد الساعات التي تقضيها مع بناتها بقدر اهتمامها بنوعية هذا الوقت، مشيرة الى وجود كثير من الاهالي الذين يهتمون بقضاء طوال الوقت مع الاولاد، من دون ان يلتفتوا الى نوعية هذا الوقت

أما شخصية الهوبي فقد تبدلت بعد أن حققت إنجازاً كبيراً، فهي اليوم قادرة على التعاطي مع أي موقف في الحياة بسهولة وسلام وتسامح، فنفسية الإنسان تتغير بعد مواجهة الصعاب والأخطار، وتصبح لديه القدرة على تقبل الكثير من الأمور في الحياة. أما الكون فتؤمن الهوبي بأنه لا يتغير، فقد تعلمت من تجاربها على المرتفعات أن الكثير من الأمور تكون ثابتة في الحياة، وأن التحدي الأساسي يكمن في تحدي المرء نفسه، فمن الصعب ان يتحدى المرء الآخرين أو يغيرهم، فهدف الإنسان في الحياة يجب أن يكون منصباً حول إثبات ذاته.

واعتبرت ان التجربة التي خاضتها ليست مرفوضة في المجتمع العربي، وإنما لاتزال غير مقبولة، فالناس لايزالون غير معتادين على أن تخوض النساء هذا النوع من المغامرات، لكنهم مع الوقت سيعتادون عليها.

صعاب

تعرضت الهوبي خلال تسلقها الجبال للكثير من المحطات التي لا يمكنها أن تنساها. وأشارت إلى أن الانسان على المرتفعات يواجه نوعين من الصعاب، الأولى أحوال الطقس، والثانية الحالة الجسدية التي تتغير مع الارتفاع، خصوصاً أن الإنسان يتنفس ثلث نسبة الاوكسجين التي يتنفسها على الارض، وبعض الخلايا تموت، كما أن الكبد والكلى والرئتين لا تعمل كما في حالتها الطبيعية على الارض. وقسمت المخاطر التي تعرضت لها الهوبي الى خارجية وأخرى متعلقة بالجسم.

ومن المواقف الخارجية التي حدثت معها العاصفة القوية التي واجهتهم في الارجنتين، فأدت إلى تحطم إحدى خيمتي الفريق اللتين كانتا معهم، ولم يستطيعوا جميعاً الدخول الى خيمة واحدة، وبالتالي لم يعد هناك مأوى للفريق كله، وكان البقاء سيؤدي الى موت أحد أعضاء الفريق بشكل حتمي.

وتابعت الهوبي «قررنا أن نعود وألا نكمل التسلق، لكن القرار كان صعباً، لأن النزول لم يكن سهلاً مع العاصفة التي كانت تمنع الرؤية، لكنه كان القرار الاكثر صواباً وصاحب النسبة الأكبر لنجاة جميع أعضاء الفريق».

أما من الناحية الجسدية، فقد روت احدى القصص التي حدثت معها في الارجنتين ايضاً، وكانت بعد أن وصلت القمة، وبدأت المياه تدخل إلى الرئة، وقالت «بدأت أشعر كأنني أتنفس داخل الماء، لكني كنت محظوظة، وقد تعرضت لهذه الحادثة وانا على القمة، لأن العلاج الوحيد لهذا الحالة هو النزول من على القمة بسرعة، وهذا ما قمت به كي أساعد نفسي على التخلص من الحالة التي أصابتني».

ولفتت الهوبي إلى أن حس الحكمة مطلوب من المغامر كي يتمكن من أخذ قرار العودة في الوقت المناسب، ليجنب نفسه أي أذى.

 

 

تويتر