خطوات التحديث لا تتنكر للموروث العربي والإسلامي

الدوحة.. مشروع بناء لا يتوقف أيام العطلات

النمو العمراني في الدوحة لا يتجاهل المفردات التراثية. د.ب.أ

تعيش العاصمة القطرية الدوحة حالياً على أنغام المستقبل المزدهر؛ إذ تعزف رافعات البناء العملاقة وخلاطات الأسمنت لحن التطور والحداثة على مدار الساعة. وفي الوقت ذاته تزهو قطر بموروثها الثقافي العريق، ما يجعلها بمثابة لؤلؤة ساطعة على ضفاف الخليج، تضاهي في جمالها وسحرها مدينة لاس فيغاس الأميركية أو مدينة بورتوفينو الإيطالية.

ولم تعد الدوحة منذ فترة طويلة مجرد محطة ترانزيت لرحلات الطيران الأوروبية المتجهة إلى جنوب شرق آسيا أو استراليا، بل إن مطار الدوحة الدولي، الذي يستقبل ‬15 مليون راكب سنوياً، أصبح من أهم المطارات الرئيسة في العالم بفضل التوسعات الكبيرة وأعمال التطوير المستمرة، بالإضافة إلى تعزيز شركة الخطوط الجوية القطرية لمكانتها العالمية ضمن نادي الكبار كإحدى شركات الطيران الفاخرة.

ويلاحظ السياح الأجانب هدوء وتيرة العمل في قطر يوم الجمعة، أو أيام العطلات، إلا أن ذلك لا ينطبق على مواقع البناء والتشييد المنتشرة في جميع أنحاء قطر، حيث لا تتوقف رافعات البناء عن العمل. وينعم السياح بالتنزه على كورنيش الدوحة والاستمتاع بالإطلالة الساحرة على الخليج من جانب وجزيرة النخيل وناطحات السحاب الشهيرة في المدينة من جانب آخر.

ويستطيع الزائر أيضاً التمتع بالمشي أو الركض في ربوع هذا المتنزه ذي المناظر الخلابة على الخليج، والتمتع بالهواء العليل ونسيم البحر اللطيف، وزيارة المتاحف المجاورة والحدائق والتماثيل، مثل المها أوري العملاق وتمثال المحار وتمثال اللؤلؤة الكبير، والتسوق في المتاجر الراقية.

ويمتاز كورنيش الدوحة بسحر خاص في النهار لمساحته الخضراء والزهور والأشجار والنخيل، في حين أنه يوفر في الليل منظر غروب الشمس الرائع والأضواء المتوهجة التي تنعكس على تلك المياه الهادئة.

الريفيرا العربية

على مسافة ‬10 كيلومترات خارج العاصمة الدوحة تقع جزيرة اصطناعية تُسمى اللؤلؤة، التي تشتهر باسم الريفيرا العربية، وقد كانت هذه المنطقة في السابق مجرد مياه ضحلة في الخليج تبعد مسافة ‬330 متراً قبالة الساحل الشرقي لدولة قطر، وتحولت خلال ست سنوات فقط إلى عنوان متميز يجمع في مكان واحد بين الحقيقة والحلم، حيث تحتضن هذه الجزيرة التي تمتد على مساحة أربعة ملايين متر مربع من الأراضي، والتي توفر ‬32 كيلومتراً من الشواطئ الجديدة.

وتزهو مياه الخليج حول جزيرة اللؤلؤة باللون الأزرق الباستيل، وتمثل هذه الجزيرة الاصطناعية الوجه العصري للدوحة، إذ تطغى عليها أجواء التألق والرقي. وتروج هذه الجزيرة لنفسها على خريطة السياحة العالمية باسم بورتو أرابيا لسحب البساط من تحت أقدام بورتوفينو الإيطالية.

وتبدو هذه الجزيرة الاصطناعية من أعلى مثل محار اللؤلؤ، وقد كانت قطر موطن غواصي اللؤلؤ قبل اكتشاف الثروات النفطية الحالية، ويتلألأ الرخام الأبيض بجزيرة اللؤلؤة ليعكس أشعة الشمس بلون يبهر العقول والأبصار، وتشع أجواء الفخامة بممرات التنزه بهذه الجزيرة، حيث لا يوجد بها حبات رمال ولا نفايات، بل يتميز كل شيء بها بأنه على أكمل وجه.

وتُشكل هذه الجزيرة مجتمعاً سكنياً متعدد الثقافات سيصل تعداد سكانه إلى ‬30 ألف نسمة. وتجرى حالياً أعمال إنشاء العديد من الفنادق الفاخرة والوحدات السكنية الراقية ذات مرسى يخوت خاص بها. وسيتوافر في هذه الجزيرة كل ما يحتاج إليه المرء من رياض أطفال ومدارس ومطاعم راقية ومراكز تسوق لأشهر الماركات العالمية، وبحق ستصبح جزيرة اللؤلؤة الريفيرا العربية.

وتسعى قطر حالياً إلى الظهور بمظهر اللاعب الدولي المؤثر في جميع القضايا والمجالات العالمية، حتى إنها نالت حظوة تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم ‬2022. وإلى أن يحين موعد تنظيم هذا الحدث العالمي الكبير ستشهد قطر إقامة العديد من الفنادق الفاخرة ذات التصميمات المبتكرة، مثل فندق الشعلة، الذي تم افتتاحه ‬2011 ويعتبر أعلى برج في قطر بارتفاع ‬300 متر، ويضيء فندق الشعلة سماء الدوحة كل ليلة بألوان قوس قزح.

الحضارة الإسلامية

يعد متحف الفن الإسلامي من ضمن الأماكن السياحية والتاريخية في الدوحة التي تتيح للسياح نافذة يطلون منها على تاريخ الحضارة الإسلامية، وقد قام بتصميم هذا المتحف المهندس المعماري «آي إم بي»، الذي تأثر في تصميمه للمتحف بالعمارة الإسلامية القديمة. ويقع على حافة الميناء في الطرف الجنوبي لخليج الدوحة.

ويحوي متحف الفن الإسلامي في الدوحة مقتنيات تم جمعها من أوروبا وآسيا، ويراوح تاريخها بين القرنين السابع والـ‬19 الميلاديين، وتمثل مجموعة المقتنيات التنوع الموجود في الفن الإسلامي. وتتنوع المعروضات ما بين الكتب والمخطوطات وقطع السيراميك والمعادن والزجاج والعاج والخشب والأحجار الكريمة والقطع النقدية المصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز. كما يضم المتحف مركز أبحاث بالإضافة إلى مكتبة للفن الإسلامي إلى جانب مقتنياته.

وقد اعتمد المصمم «آي إم بي» في تشييد متحف الفن الإسلامي على عناصر أسلوبية تكعيبية وعربية، ويمثل هذا البناء مثالاً قوياً لماضي قطر ومستقبلها، حيث تظهر مكعبات بلون العسل كقلعة عصرية على جزيرة صناعية قبالة كورنيش الدوحة.

وبعدما يجتاز السياح أبواب الدخول الإلكترونية، ينتقلون إلى داخل المتحف حيث تلفهم أجواء سحر الشرق، وتبدأ رحلة من عالم مليء بالغرابة والجمال. وفي الفناء الواسع والرحب والمصمم بشكل جيد التهوية يرنو السياح بأنظارهم إلى الطابق الخامس على ارتفاع ‬45 متراً. وهناك درج حلزوني ضخم يقود السياح لأعلى إلى ‬18 قاعة لعرض المقتنيات، التي تضم ‬750 قطعة فريدة من نوعها تؤرخ لحقبة مزدهرة من تاريخ الإنسانية تمتد نحو ‬13 قرناً من الزمان.

وترجع هذه المقتنيات إلى الكثير من البلدان مثل إسبانيا ومصر وسورية والعراق وتركيا وإيران والهند ووسط آسيا. وكما هو الحال في شبه الجزيرة العربية لا يفرض القطريون أي رسوم لزيارة متحف الفن الإسلامي، وعلى عكس المتاحف الغربية يمكن للسياح تصوير جميع المقتنيات المعروضة، ويعبر القطريون عن فخرهم وعزتهم بثقافتهم العربية والإسلامية.

ويترافق سعيهم لتحديث الدولة ومسايرة روح العصر مع الحفاظ على الأصالة العربية. وهذا ما يتجلى بوضوح في الحي الثقافي كتارا، الذي يقع في الدوحة ويهدف إلى تعزيز الحركة الثقافية في قطر ودعم الطاقات الإبداعية عبر مختلف مرافقها ومبانيها. ويعد هذا الحي ملتقى لجميع المثقفين والفنانين، ومركزاً لتعزيز الوعي الثقافي عبر المهرجانات، والمعارض، والندوات، والحفلات الموسيقية، وكل أشكال التعبير الفني. ؟

تويتر