حلويات ومكسرات احتفالاً بالنصف من شعبان

«حق الليلة».. عطونا الله يعطيـكم

صورة

«عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم» هي إحدى الأغنيات والأهازيج الشعبية التي كان يرددها أطفال الخليج بشكل عام والإمارات خصوصاً، في احتفالات النصف من شعبان أو ما يعرف بـ«حق الليلة»، التي تعد من أشهر العادات الشعبية في الماضي، وتسعى المؤسسات والدوائر الحكومية في الدولة إلى الاهتمام بالموروث الشعبي ومحاولات احياء تلك العادات والاحتفال بها لمواجهة اندثارها.

وتستعد الأسر في الإمارات بشراء الحلويات والمكسرات والمقرمشات من الأسواق الشعبية التي تقوم بدورها بعرض كل ما هو جديد وقديم من الحلويات التي اعتادت الأسر شراءها، فيما يتحضر الأطفال قبل صلاة العصر، ويرتدون ملابس جديدة تتناسب مع الاحتفالية التراثية مثل الجلابيات المزركشة ذات الألوان البراقة التي تحتوي على تطريزات ومشغولات ذهبية، أما الأطفال من الذكور فيرتدون الكندورة البيضاء المزينة بالصدريات الملونة، التي في الغالب تكون سوداء أو حمراء ومشغولة بالخيوط الذهبية أو الفضية.

«خرايط» القرقيعان

 تسميات مختلفة

اختلفت تسميات ليلة النصف من شعبان في دول الخليج، فمثلاً في الإمارات تسمى «حق الليلة» وفي قطر والبحرين تعرف بـ«لقرنقعوه»، أما الكويت والسعودية وتحديداً المنطقة الشرقية فتعرف بـ«القرقيعان»، فيما يطلق عليها في سلطنة عمان «القرنقشوه»، وتتأهب الأسر لاستقبال الأطفال الذين يطوفون بين البيوت ويرددون الأهازيج بصوت واحد، حتى تتنبه الأسر لوجودهم، خصوصاً أن معظم البيوت القديمة كانت تستعد بوضع خليط الحلويات والمكسرات وسط فناء المنزل أو عند المدخل في انتظار وصول الأطفال.

كانت الأم أو الجدة في الماضي تخيط لأطفالها أكياساً من القماش تعرف بـ«الخرايط» يحملها الأطفال ويطوفون بين المنازل القديمة لجمع الحلويات، التي كانوا يتنافسون في ما بينهم على جمعها، خصوصاً عندما يقصدون منازل الأسر الغنية التي توزع الكثير من الحلويات بأشكال وأنواع وأحجام مختلفة، إذ يقوم الأطفال بالمدح والثناء على أصحاب المنازل التي تقدم الكثير من الحلويات، فيما الأسر التي تتجاهل الأطفال ولا تمنحهم القرقيعان كانوا يرددون بغضب «جدام بيتكم طاسـة ووجوهكم محتاسـة».

وتشيع احتفالية النصف من شعبان السرور والبهجة والفرحة بين الأطفال والأسر التي تعطيهم الحلويات، لاسيما أن للاحتفالية دلالات اجتماعية وترفيهية، وتوجد روح الجماعة والترابط الأسري بين سكان المنطقة، وتعزز العلاقات الاجتماعية وتنمي روح المودة والألفة بين الناس.

وعبر السنوات، تطورت احتفالية النصف من شعبان واختلفت طرق الاستعداد وتوزيع الحلويات، فكثير من الأسر باتت تقدم الـ«قرقيعان» في أكياس مزركشة أو علب ملونة أو حتى صناديق مزينة بالرسوم والألوان التقليدية وتحديداً التراثية، فيما تلجأ أسر إلى الأكياس التي تحمل صوراً لشخصيات كرتونية محببة لدى الأطفال، لاسيما أنهم يحتاجون إلى وسيلة حديثة لربطهم بالتراث والعادات القديمة.

أجواء تراثية

أحيت مؤسسات في الشارقة احتفالية النصف من شعبان (حق الليلة)، منها نادي سيدات الشارقة، الذي احتضن فعالية «تراثنا» السنوية بالتعاون مع إدارة التراث ودائرة التنمية الاقتصادية في الشارقة والإدارة العامة لمراكز الأطفال والفتيات، واستقبلت الفعالية عدداً كبيراً من السيدات والأطفال الذين شاركوا في النشاطات والفقرات المطروحة ضمن احتفالية حق الليلة.

وقالت تنفيذي فعاليات في نادي سيدات الشارقة، نهلة حمدان، إن «الاحتفالية تضمنت تقديم فقرات من الرقصات الشعبية المصاحبة للأهازيج والأغاني التراثية المستوحاة من الماضي نفذتها مجموعة من فتيات إدارة مراكز الأطفال والفتيات في الشارقة، كما أقيم معرض تراثي، وبازار شمل بضائع مختلفة، إلى جانب حضور ورشة للأعمال اليدوية».

لافتة إلى أن «الأطفال كان لهم نصيب من الاحتفالية، التي استمتع بها الصغار، وذلك من خلال التقاط صور تذكارية مع الشخصيات الكرتونية الموجودة والانخراط في نشاطات أخرى مثل الرسم على الوجوه ونقوش الحناء وتزيين الشعر إلى جانب الحصول على توزيعات من الحلويات المعروفة باسم (قرقيعان)».

وتأتي هذه الفعالية ضمن استراتيجية نادي سيدات الشارقة الهادفة إلى تعليم وتعريف الأبناء بجميع العادات والتقاليد التراثية التي باتت من الماضي، وتوعية الأجيال والأطفال بالاحتفالات والمناسبات الشعبية والحفاظ على الموروث الشعبي.

وأكدت رئيس قسم الاتصال المؤسسي في النادي، بدرية عبدالله آل علي، حرص المؤسسة احتضان هذه الفعالية سنوياً، التي أقيمت في قاعة كنوز، أول من أمس، بمناسبة الاحتفالات العامة بليلة النصف من شعبان (حق الليلة)، وتعمل هذه الفعالية على تعريف الأطفال بجزء من تقاليد الماضي وترسيخ مبادئ التراث في نفوسهم، حتى يتم تداولها بين الأجيال وممارستها باستمرار.

لافتة إلى أن «الهدف من احتفال النادي بليلة النصف من شعبان، هو ادخال البهجة في نفوس الأطفال والمحافظة على الطابع الخاص لهذه المناسبة التي تقام في جميع دول الخليج، وتلقى إقبالاً كثيفاً من الأمهات والأطفال على حد سواء».

متاحف مشاركة

إلى ذلك سعت إدارة متاحف الشارقة، على تعزيز الإرث التراثي الإماراتي، من خلال احتفال الإدارة بليلة النصف من شعبان في الساحة المشتركة لـ«متحف الشارقة البحري» و«مَرْبَى الشارقة للأحياء المائية»، وشاركت جهات عدة في إحياء هذه المناسبة من خلال مجموعة من الفعاليات والأنشطة والحضور مثل نادي الثقة للمعاقين ومؤسسة التمكين الاجتماعي ودار المسنين وجمعية بيت الخير والقيادة العامة لشرطة الشارقة ومراكز الناشئة وجمعية كشافة الإمارات «مفوضية كشافة الشارقة».

تضمنت الفعالية مجموعة من الأنشطة التراثية المتنوعة، التي اشتملت على ركن القهوة الشعبية الذي نظم فقرات عدة اهمها برنامج المسابقات، ومقهى الليوان الشعبي الذي قام بتقديم الأكلات التراثية والشعبية وبرنامج المسرح وفقرة المسابقات المقدمة من قبل القيادة العامة لشرطة الشارقة، كما تم توزيع الحلويات على الأطفال من قبل الإدارة والجهات المشاركة إضافة إلى مشاركة مميزة من قبل الأهالي الذين أسهموا في احياء الاحتفالية، كما قدمت فقرات ورقصات استعراضية منها رقصة اليولة الشعبية، والأغاني والأهازيج التراثية الخاصة بليلة النصف من شعبان.

وما ميز الاحتفالية ذلك الوجود الكثيف من قبل الأطفال والأسر، الذين استمتعوا بالأجواء الاحتفالية التراثية المقامة في أجواء عائلية، إذ أقيمت «بسطات» أو أكشاك تراثية وعروض للشخصيات الكرتونية المعروفة، منها شخصيات «شعبية الكرتون» مثل «أم خماس» و«عبود زخوة»، وشخصيات المسلسل الكرتوني السنافر، التي تجولت بين جمهور الزوار وأضفت أجواء جميلة من البهجة والسرور على نفوس الأطفال.

كما أقيم ركن نقوش الحناء وفقرة الألعاب الشعبية التي شارك في تقديمها عدد من كبار السن الذين أضفوا جواً من الألفة والحميمية، لاسيما أنهم استعادوا ذكريات الزمن الجميل واحتفاليات «حق الليلة» التي لم تختلف كثيراً عن السابق، كما وزعت حلويات القرقيعان والهدايا في أرجاء زوايا صممت خصيصاً لهذه المناسبة، وتسعى إدارة متاحف الشارقة إلى أن تكون من أولى الجهات التي تبهج الأطفال وتحتفل معهم بقرب حلول شهر رمضان المبارك، وذلك من خلال توزيع الحلوى والمكسرات على الأطفال.

تويتر