مختصون يناقشون العولمة وتأثيرها في المجتمع

٪43 من الأسر الإماراتية تفتقــر إلى التوازن

المشاركون في الملتقى تباينت آراؤهم حول واقع الأسرة الإماراتية. تصوير: باتريك كاستيلو

تباينت آراء متخصصين وباحثين في الشؤون الاجتماعية ومهتمين بما يختص بالأسرة وواقعها في المجتمع الإماراتي، خلال الملتقى الأسري الـ12 الذي يحمل عنوان «التماسك الأسري في ظل العولمة.. الواقع والطموح»، الذي اختتم أمس في قصر الثقافة في الشارقة، بعد يومين من الفعاليات. وأرجع كثيرون مشكلة التفكك الأسري في المجتمعات المتأثرة بالعولمة إلى التحديات التربوية والمنهجيات السلوكية التي تتعامل بها الأسر مع أبنائها، فيما شدد آخرون على أهمية إعادة منهجية وسائل الإعلام المحلية وتعزيز اهتمامها بما يخص المجتمع، لاسيما في وجود ما سموه «الفجوة الحاصلة بين وسائل الإعلام والمجتمع».

وقدم رئيس قسم علم الاجتماع، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، الدكتور حسين محمد العثمان، دراسة ميدانية حول أثر المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية على أسر في الشارقة واستجاباتها في أبعاد التماسك الأسري.

وقال العثمان إن «الدراسة استهدفت معرفة نسبة الأسر في الشارقة التي تأثرت بمتغيرات الحياة، إذ تم جمع بيانات الدراسة من عينة مؤلفة من 1136 مبحوثاً، بواسطة استمارة صممت لتحقيق أهداف الدراسة، والإجابة عن أسئلتها عن طريق المقابلة الشخصية».

وكشفت الدراسة أن معدل نسبة الأسر المتماسكة بلغ 56.7٪ من العينة، مقابل 43.3٪ من الأسر تفتقر إلى التوازن في علاقاتها الأسرية، إذ تم استخدام الإحصاء الوصفي (النسب المئوية) والإحصاء التحليلي في تحليل بيانات الدراسة.

كما أظهرت النتائج وجود علاقات ذات دلالة إحصائية بين متغيرات السعادة الزوجية والجنس والحالة الزوجية والتقييم الذاتي للصحة والعمر والمستوى التعليمي والحالة العملية وحجم الأسرة ونمطها، ووجود حالات إعاقة وأمراض مزمنة في الأسرة من جهة، وبعض أبعاد التماسك الأسري من جهة أخرى.

وبين التحليل عدم وجود علاقات ذات دلالة إحصائية ما بين متغيرات دخل الأسرة ومكان الإقامة للمبحوثين من جهة وجميع أبعاد التماسك الأسري من جهة أخرى.

تحديات

تجربة المجلس الأعلى للأسرة

عرضت مديرة مركز الإرشاد الأسري في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة خولة الملا، ورقة عمل حول تجربة المجلس في تحقيق تماسك الأسرة. وقالت إن «المجلس الأعلى هو مؤسسة خدمية متكاملة رائدة في مجال تقديم خدمة متميزة للأسرة، وفقاً للمعايير التي تحقق كرامة وسمو الإنسان على الأرض»، وينسق المجلس مع المؤسسات المجتمعية المشاركة في وضع القرارات والتشريعات، لضمان تعزيز الوعي وتوفير الحماية والرعاية والتأهيل، وتمكين الأسرة من أداء دورها الفاعل في المجتمع. ولفتت إلى أن المجلس الأعلى يعمل على دعم التنمية الأسرية، وإجراء بحوث ودراسات في التنمية الاسرية، إضافة إلى استثمار الموارد البشرية والمادية في إدارة التنمية الشاملة للأسرة، وإقامة برامج ومشروعات اجتماعية وثقافية وصحية. وأكدت الملا أن مركز الارشاد الأسري «أسهم في علاج مشكلات أسرية وتعزيز التآلف الأسري، والحد من حالات الطلاق، وتبصير الآباء والامهات وتوجيههم الى الحاجات الأساسية للأبناء، وتعزيز القيم الإيجابية، والإسهام في توفير متطلبات الزواج الناجح، إضافة إلى رفع مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية للحالات عن طريق وضع خطة تنموية، والتعاون مع الهيئات الاجتماعية والجمعيات الأهلية لدعم الأسر المحتاجة».


الشعيبي: دراما تهين المرأة

قال مدير إدارة التوعية الأمنية بالقيادة العامة لشرطة دبي، الدكتور علي قاسم الشعيبي، إن «الدراما التلفزيونية تهين المرأة بشكل عام وتقدمها في صورة مشوهة، باعتبارها إما عشيقة أو امرأة متمردة أو تابعة للرجل، من دون إلقاء الضوء على إنجازاتها في جميع المجالات وإبراز قدرتها على التميز والعطاء، كونها شريكاً في عملية التنشئة الاجتماعية والنهوض بالمجتمع في كل المجالات».

وأكد في ورقته أن «الطرح الذكوري نابع من تلك النظرة الدونية للمرأة، لذا نحاول إلقاء الضوء على هذه القضية، وتفسير كيفية تناول الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية الصورة المشوهة لعطاءات المرأة وإخراجها من سياقها الإبداعي، والدعوة بشكل سافر إلى عودتها لممارسة دورها البيولوجي فقط والمتمثل في تربية الأبناء وتحقيق مطالب الرجل البيولوجية».

قالت عضو بالمجلس الوطني الاتحادي، مساعد المدير العام للرعاية والخدمات الاجتماعية، الدكتورة منى البحر: «تواجه الأسرة الإماراتية المعاصرة الكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي تجعل أتربية الأبناء اليوم من المهام الشاقة، إذ لم تعد تربية الأبناء في مرحلة العولمة التي نعيشها اليوم مهمة سلسة وسهلة، بل مهمة تحتاج إلى كثير من المهارات والمعارف والإمكانات الشخصية والعقلية».

ولفتت إلى أن «الأسرة في الفترة الحالية لا تربي أطفالها ليكونوا مواطنين صالحين وقادرين على القيام بأدوارهم التقليدية فقط، إنما ليكونوا ناجحين في أداء أدوارهم في المجتمع وتربيتهم ليكونوا قادرين على إنجاح وجودهم في الحياة، من خلال تميزهم وصمودهم في زمن تنسف فيه كل المرجعيات».

ومن أهم التحديات التي تواجه الأسرة، التغير في الأدوار التقليدية المتعارف عليها، وفق البحر التي أكدت أن «المرأة لم تعد سيدة المنزل وراعيته، ولم يعد الرجل هو الرجل التقليدي المسؤول بشكل مباشر عن توفير الجانب المادي»، مشيرة إلى تغير المرجعيات داخل الأسرة والمجتمع، سواء المرجعيات الدينية أو الثقافية أو حتى الاجتماعية، إضافة إلى تغيير الأنماط السلوكية الفردية والمجتمعية ونوع المهارات والقدرات التي يتطلبها جيل اليوم، فضلاً عن تغير النسق القيمي والهيمنة الثقافية.

وأوضحت أن «الأسرة المعاصرة أصبحت تقوم بأدوار مختلفة عن تلك التي عهدتها وتربت عليها، إذ إن أساليب التربية التي عرفها الجميع وتربينا عليها لم تعد صالحة بشكل مطلق للاستخدام مع جيل اليوم، لاسيما أن الأسرة المعاصرة إذا أرادت لأبنائها الصمود في عالم العولمة الشديد التنافس، عليها غرس مجموعة من الكفاءات الأساسية التي ليست فقط ضرورية بل من دونها لن يكون لهؤلاء الأبناء وجود يذكر».

ومن أهم الكفاءات التي ركزت عليها الدكتورة البحر، كفاءة المعرفة وثقافة الإنجاز، والكفاءة الاجتماعية والنفسية، إضافة إلى الكفاءة العملية وثقافة العمل، والتركيز على التجذر الثقافي وتعزيز الهوية والانتماء.

وسائل الإعلام

عرضت الأستاذة في قسم الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات، الدكتورة عائشة النعيمي، مخلص نتائج دراسة حول دور الإعلام في تشكيل القيم لدى الشباب، ضمن ورقة عمل قدمتها في الملتقى الأسري تحت عنوان «الإنترنت والمفاهيم المشتركة للأسرة الإماراتية».

وكشفت الدراسة ارتفاع نسبة استخدام الإنترنت لدى مفردات العينة، ما يدل على استحواذه على الدرجة الاعلى من الاهتمام والممارسة لدى الشباب، لاسيما أن الدراسة أوجدت ذلك التنوع في مجالات الاستخدام والأماكن التي يفضل الشاب استخدام الإنترنت بها.

وأكدت النعيمي أن نتائج الدراسة أظهرت تفاوتاً في مستوى التفاعل الاجتماعي بين أفراد العينة ومحدودية تأثير الإنترنت في العلاقة بين الشباب وأفراد الاسرة وعلاقته مع الآخرين. وبينت النتائج محدودية تأثير الإنترنت في القيم العامة لدى الشباب، على الرغم من إشارة بعض مفردات العينة إلى التباين بين ما يعتقدونه من قيم وما يمكن أن يتفاعلوا معه من مفاهيم عبر الإنترنت، وأن العلاقة بالإنترنت قد تتجاوز أحياناً رابطة علاقتهم بأسرهم، خصوصاً أنهم يجدون حرية أكبر في مناقشة قضاياهم واشكالياتهم الاساسية مع اصدقائهم عبر الإنترنت أكثر مما يجدونها مع أسرهم أو محيطهم الاجتماعي».

وأوضحت الدراسة أن الشباب يرفضون حالة الرقابة التي قد تفرضها الأسر على علاقتهم بالإنترنت وأنهم يفضلون التفاعل الأحادي مع الشبكة بعيداً عن مسألة الرقابة أو المنع التي قد تأخذ سمة التقنين من طرف الاسرة.

وأظهرت النتائج أن هناك دوراً محدود التأثير للإنترنت على القيم الاساسية التي يعتقد بها الشباب (وإن كان التأثير موجوداً)، إلا أن النتائج كشفت عدم وجود علاقة اساسية أو مؤثرة بين ما يتفاعل معه الشباب من مواد قد تكون غير مقبولة اجتماعياً أو مرفوضة في سلم القيم العامة وبين استخدامهم الإنترنت، وأن قيمهم الأساسية لا تتأثر نتيجة تعرضهم للمواد التي قد يطلعون عليها أو يقرأونها عبر الشبكة.

واقع افتراضي

قالت النعيمي إن «الدراسة ارتكزت على رؤية بحثية شملت محاورها التعددية التي فرضها التطور في وسائل الاتصال، إذ أنتجت تعددية في الخيارات المتاحة للفرد، خصوصاً تلك التعددية التي أفرزتها تكنولوجيا الوسائط المتعددة التي تنصهر فيها كل وسائل الإعلام، وتذوب فيها الحدود الجغرافية لتخلق واقعاً افتراضياً يجعل الفرد يعيش عالماً غير واقعي، معزولاً عن الآخرين، وربما يكون عالماً مغايراً لواقعه وتنشئته الاجتماعية، ما يخلق لديه نموذجاً من المفاهيم الجديدة قد تكون متناقضة ومختلفة مع مفاهيم واقعه المعاش».

كما تناولت الرؤية البحثية مسألة الحرية الاعلامية، على اعتبار أنها الاساس، وأن الفعل الرقابي هو الاستثناء، إذ إن منظومة القيم المقاومة لدى الشباب إذا ما تم تأسيسها من منطلق إعطائهم الحرية في تحديد خياراتها الاساسية تغدو في الأخير أكثر قدرة على عملية التفاعل المستقبلي مع الوسائل الإعلامية.

وتهدف الدراسة الى تحليل الدور الذى تلعبه تقنية المعلومات وتطور تكنولوجيا الاتصال وبالتحديد الإنترنت في التأسيس لهامش العلاقة الاجتماعية المشتركة داخل محيط الاسرة الإماراتية، ومدى تأثير التفاعل بين الفرد ووسائل الاتصال المتعددة على تشكيل مفاهيمه ووعيه وتأسيس علاقته مع الأسرة التي ينتمي اليها، كما تتحدد الاشكالية في القدرة على المواءمة بين الثقافة القديمة والثقافة الجديدة التي تفرزها عملية التفاعل الاتصالي الجديد وما يمكن أن ينتج عنه من فجوة بين ما هو قائم وما يجب إعادة إنتاجه بصورة تكون بعيدة عن الازدواجية، والتي في حال عدم التمكن من تحققها قد تخلق نوعاً من الغربة الاجتماعية لدى الشباب في إحساسهم بالعلاقة ببيئتهم الاجتماعية التي ينتمون إليها.

تويتر