حرفة تشكّل جزءاً أساسياً من تراث الإمارات

صيد الأسماك.. حــب متوارث

صورة

حتى فترة ليست بالبعيدة، كان صيد السمك المهنة الاساسية التي يعيش عليها الكثير من الإماراتيين، فقد اعتادوا الذهاب الى البحر ليخرجوا من ثرواته ما يمكن ان يسهم في تأمين مستلزماتهم الحياتية، هذا الى جانب الغوص لصيد اللؤلؤ. وشكلت مهنة صيد السمك، المهنة الأساسية التي مارسها الاماراتي في القدم، كونها المتاحة، نظرا لما توفره البيئة المحلية. وقد خف اعتماد الاماراتيين على هذه المهنة، مع تطور أسس حياتهم وتقدمها، ولكن مازال قسم كبير من الاماراتيين يحافظون عليها وسيلة عيش، وكذلك هواية وحرفة تراثية لابد من توريثها إلى الأجيال الجديدة، على الرغم من كل ما تحمله من صعاب وتحديات. إنه بمثابة حب متوارث أباً عن جد.

أهازيج الصيد

 

أكد الصياد حسن علي الضنحاني أن هناك اهازيج متنوعة تقال في صيد السمك، وهي تسهل عملية الصيد، معتبرا أنه كما لكل شيء في الحياة، طرب، للبحر أيضاً طرب. ولفت الى أن الاهازيج تتباين بين الليل والنهار، وكذلك بحسب الاشخاص، لاسيما ان الصياد لا يمكن ان يذهب وحده، فهم يترافقون على قارب مشترك. ومن هذه الاهازيج: «يا الهيادي يا سيلان، يا ربي يا مولاي، الفارحة يا حلمان، كسر نظر عيوني...»، هذه بعض الكلمات من الاهازيج التي تقال، وهناك الكثير غيرها التي تحمل معاني تعبر عن الفرح، وكلها مستوحاة من البيئة الإماراتية.

محميّات

الصياد والعضو في مجلس إدارة جمعية البدية لصيد الأسماك، سليمان الزيودي، اعتبر أن صيد الأسماك، يعد من الحرف التي يحافظ عليها الاماراتي، لاسيما أن صيد اللؤلؤ، قد تم توقيفه من قبل الدولة، حيث قامت الجهات الحكومية بجعل أماكن وجود المحار، محميات مائية، لتربية الأسماك، لاسيما النادرة منها. ونوه بأن أدوات صيد الأسماك التقليدية باتت شبه منقرضة، علما بأن الصياد كان يبتكر أدواته من بيئته، فكان يستخدم في الصيد ما نطلق عليه، «الورة»، وهي الزورق الخشبي، فيما «الشاشة» يعد أول القوارب التي استخدمت في الامارات لصيد السمك، وهو مصنوع من النخل، فيما الحبال أيضا كانت تصنع من النخل. وأشار الزيودي الى أن الصيد مهنة لا يمكن أن يستغني عنها الصياد، لاسيما حين يعتاد عليها بسبب المتعة الشخصية التي تحملها. وحول دور جمعيات صيد الاسماك، قال الزيودي: «أسست الجمعيات لحماية الصيادين، وتقديم الدعم المادي لهم، وان كان محدودا، إلى جانب الاهتمام بمشكلاتهم وخلافاتهم، لأن مشكلات الصيادين لا تنتهي، وغالباً ما تحدث المشكلات بسبب النزاع على أماكن الصيد، وحصص الصيد ،وغيرها الكثير». أما لجهة أفضل وأشهر أنواع الأسماك التي يتم صيدها في الإمارات، فهي بحسب الزيودي، الكنعد والشعري والصال والصافي والكوفر، وهي متوافرة في جميع انحاء الدولة، لافتاً إلى وجود مواسم خاصة لبعض الأنواع المحددة من الأسماك، ومنها البرية والعومة، وهي تتوافر في أشهر مايو ويونيو ويوليو، بينما الكنعد في شهري ديسمبر ويناير، والخبار في أغسطس وسبتمبر، فيما الأنواع المتبقية تتوافر على مدار السنة. واعتبر ان ارتياد البحر بشكل مستمر يزيد من خبرة الصياد في التعاطي مع البحر، مشيرا إلى أن الموظف يتعاطى مع الصيد بالتناسب مع أوقات الفراغ، منوهاً بأن أبرز الصعاب التي تواجه الصياد، هي العقبات التي وضعت، والتي قللت من فرص الصيد، لاسيما أن هناك أماكن لا تحتوي على الشعاب المرجانية التي تعمل الدولة على حمايتها. وأكد أن «الأنظمة الموضوعة مجحفة بحق الصياد الإماراتي، فيمكن للسائح دخول بعض المحميات واصطياد الأنواع المختلفة من السمك والروبيان، بينما محظور على الصياد الإماراتي قصد هذه الاماكن والصيد فيها».

توريث

قال العضو في جمعية دبا الفجيرة لصيد الأسماك، عبدالله محمد علي الزيودي، إن «الجمعية تهتم بامور الصيادين، وتقدم الدعم المادي للصياد لشراء المعدات الاساسية التي يحتاجها، لأنه قد تتوافر لديها الامكانات المادية لشراء كل المستلزمات التي يحتاجها الصياد، بدءاً من القارب ووصولاً الى الشباك والحبال، وغيرها من الأدوات التي تطورت». ونوه الزيودي بأن صيد الاسماك، منتشر في الفجيرة، كما في بقية الامارات، لافتاً إلى أن المصاريف الحياتية باتت عالية، ولم يعد صياد السمك قادرا على الاعتماد على صيد الاسماك، بابَ رزق يمكنه من تغطية كامل مستلزمات الحياة. وأشار إلى وجود فئة كبيرة من الصيادين الذين يعتمدون على الوظائف الحكومية إلى جانب صيد السمك، أو أنهم يعتمدون على مصدر آخر للعيش، ومنه أن يكون موظفاً او متقاعداً او يتلقى مساعدات من «الشؤون الاجتماعية». وشدد على ان هذه المهنة، هي من المهن التي تتوارثها الاجيال، ويحرصون على توريثها للأجيال الجديدة للحفاظ عليها.

واكد حسن الضنحاني انه ورث مهنة الصيد عن اجداده، وهو يعلم اولاده الذهاب إلى البحر، موضحاً أنه يعلم أولاده كل تفاصيل الحرفة، فهم اليوم يعرفون كيف يستخدمون الوسائل المختلفة في الصيد، ومنها النابة والخيط، والغباب، والحلق واللفح والمنشل، وهي كلها وسائل متنوعة، بعضها مخصص لأنواع محددة من السمك. وذكر ان لديه ابناً يغوص لصيد اللؤلؤ، وتمكن بفعل غوصه من تجميع بعض اغطية أصداف اللؤلؤ. اما لجهة اختيار الوقت المناسب لصيد السمك، فلفت الى ان أفضل الاوقات هي المسائية، حيث تكون المياه هادئة، ويمكن للصياد ان يجلس فترات طويلة.

واعتبر ان مهنة صيد السمك، رغم صعابها لا يمكن للصياد ان يتركها او يتخلى عنها، فهي مصدر متعة له، وتعلمه الصبر. واشار في الختام إلى أن شواطئ الفجيرة لا تختلف عن بقية الامارات كثيراً لجهة تنوع الأسماك فيها، علما بأن الخباط هو أكثر انواع السمك توافراً فيها، الا انها تتباين عن بقية الامارات لجهة عمق المياه، أي ان العمق قد يصل احيانا الى 300 متر، وهذا يجعل الصيد أكثر صعوبة من بقية الاماكن.

تويتر