«حديقة الحيوانات» في دبي.. حكاية شغف بالطبيعة

وسط التطور العمراني الهائل الذي تشهده إمارة دبي، تقف حديقة الحيوانات في منطقة جميرا شاهدةً على حكاية شغف بالطبيعة والحيوانات وتاريخٍ يرجع إلى ستينات القرن الماضي الذي شهد ميلادها كأول حديقة حيوان في شبه الجزيرة العربية، حيث تم إنشاؤها في العام ،1967 وتدشينها على يد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وبحضور الشيخ أحمد بن علي آل ثاني حاكم قطر، في العام .1971 وبفضل الجهود المضنية التي بذلها القائمون عليها منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، نجحت الحديقة التي تستقطب ربع مليون زائر سنوياً، في حماية مجموعة من الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، والتي يندر وجودها في شبه الجزيرة العربية، وتكاثر مجموعة أخرى كبيرة من الحيوانات على مستوى الشرق الأوسط والعالم كذلك.

وقال رئيس قسم حديقة الحيوان في بلدية دبي صالح النجار «أنشئت حديقة الحيوان في دبي على يد المهندس المعماري النمساوي جي بولرد، الذي جاء الى الامارات مع البعثة الكويتية التي كلفت ببناء سفارة الكويت ودار المعارف ومستشفى الكويت وغيرها من المرافق في دبي بداية الستينات، حيث تولى الإشراف على إنجازها»، وأضاف لـ«الإمارات اليوم» «بعد أن تم إنجاز هذه المشروعات بنجاح، قام المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم باستدعائه للعمل في مكتب الحاكم، للاستفادة من خبرته الكبيرة في المجال المعماري، ومن أبرز المشروعات التي قام بإنجازها لاحقاً برج الساعة في دبي»، واوضح النجار «كان بولرد من عشاق تربية الحيوانات، حيث حوّل سطح العمارة التي كان يقطنها، في ميدان جمال عبدالناصر إلى حديقة حيوان مصغرة، مملوءة بأقفاص الحيوانات المتنوعة، الأمر الذي دفع مدير مكتب الحاكم أن يقترح عليه نقلها إلى مساحة أرض أكبر وأوسع»، وتابع «الأمر الذي دفعه إلى طلب قطعة أرض من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لتكون سكناً له، وملاذاً آمناً لحيواناته، واختار لها منطقة جميرا تحديداً للهدوء الكبير الذي كان يخيّم عليها، حيث لم تكن تكتظ بالسكان، وضوضاء المدينة، ولم يمضِ وقت طويل حتى كان له ما أراد، حيث قام الشيخ راشد بمنحه الأرض التي رغب فيها».

مأوى

وقال النجار «لم يكن بولرد يخطط لإنشاء حديقة حيوان، لاسيما أنه لم يكن هناك وجود لمثل هذه الحديقة في شبه الجزيرة العربية كلها، ولكن مع مرور الوقت بدأ عدد الحيوانات التي يملكها في زيادة مستمرة، نظراً لاستمراره في استيرادها والعمل على تكاثرها، من هنا ارتأى إنشاء حديقة الحيوان، لتكون مأوى للحيوانات، ومقصداً لسكان المنطقة وزوارها من البلاد المجاورة، لاسيما أنهم لم يألفوا رؤية الكثير منها، نظراً لطبيعة منطقتهم التي تحتم عليهم التعامل مع مجموعة معينة من الحيوانات».

وعلق النجار «لم يكتفِ بولرد بتربية الحيوانات البرية، التي كان يعكف على تدريب بعضها بالتعاون مع ابنه، لبيعها لاحقاً على جماعات السيرك، بل عمل على تربية الحيوانات البحرية كذلك، والتي كان يجمعها من المناطق الشرقية عن طريق مجموعة من المتدربين الذين قام بإرسالهم إلى الكويت للتدرب على أساسيات عملية الغوص، والإلمام بفنونها، الأمر الذي زاد من شهرة الحديقة، التي باتت تضم الحيوانات البرية والبحرية التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب أهل المنطقة»، وأكمل النجار «بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، قام رئيسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة الحديقة، وأبدى إعجابه الكبير بها، الذي دفعه إلى تكليف بولرد بإنشاء حديقة الحيوان في مدينة العين في مساحة أكبر وكلفة مفتوحة».

حيوانات نادرة

ونوه النجار أنه ولقلة الخبرة التي يتمتع بها بولرد في التعامل مع الحيوانات، بدأ يفقد أعداداً كبيرة منها في حديقة حيوان دبي، فلم يكن يدرك جيداً مقدار التكاليف التي يتكبدها علاج الحيوانات والعناية بها، لاسيما أنه لم يكن مختصاً بتربيتها بل هاوياً فقط، يلجأ إلى استخدام نظام الأقفاص القديم الذي يعود إلى العام .1914 وأوضح أنه في العام 1986 تم ضم حديقة حيوان دبي إلى الحدائق العامة التابعة لبلدية دبي، وحرص القائمون عليها على تطبيق أفضل الممارسات المتعلقة بتطويرها وتحديثها، حتى نجحوا في استقطاب مجموعة من المختصين في إنشاء حدائق الحيوان، وتربيتها والعناية بها». وأكد النجار أنه «منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا نجحت حديقة حيوان دبي في حماية بعض الحيوانات النادرة من الانقراض الذي بات يهدد حياتها، مثل الذئب العربي، والدب السوري الذي انقرض من سورية، حيث كان يوجد في منطقة اللاذقية، ونجحت في تكاثر مجموعات أخرى من الحيوانات، ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على مستوى العالم ومنها، تكاثر طائر الفاق القسطري للمرة الأولى عالمياً، وقرد الشمبانزي لأول مرة على مستوى الشرق الأوسط، وطائر الفلامنغو (النحام)، الذي مازلنا نعمل على تكاثره حتى اليوم».

ومن الحيوانات التي تضمها حديقة حيوان دبي، أسود إفريقية، ونمور البنغال من شبه الجزيرة الهندية، وغوريلا من الكاميرون، والزرافة الإفريقية الشبكية، ومجموعة من الطيور الجارحة، ومجموعة الآيل والغزلان والوعول، ومجموعة كبيرة من الزواحف والثعابين والسلاحف البرية وسلاحف المياه العذبة، وغيرها الكثير من الحيوانات.

تكاثر

وعلى الرغم من صعوبة تكاثر الحيوانات في الأقفاص، وفي ظل الضوضاء المحيطة، وصغر المكان، نجحت الحديقة بفضل الجهود المضنية التي تبذلها، في إنجاح تكاثر مجموعات كبيرة من الحيوانات، ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب بل على مستوى العالم كذلك، ومن هذه الجهود، تهيأت البيئة المناسبة لعملية التكاثر، وقصد المناطق البعيدة لجلب التربة المناسبة لعملية التكاثر لمجموعة من الحيوانات، إلى جانب المراقبة السلوكية للحيوانات، والرعاية الصحية والنظافة الدورية، وإعداد برامج غذاء خاصة.

نظافة ورعاية

وعن برامج النظافة المتبعة في الحديقة، ذكر النجار «يتبع العاملون في حديقة الحيوان برنامجاً خاصاً للنظافة الدورية، والتي تبدأ يومياً من الساعة السابعة صباحاً وتنتهي في تمام الساعة العاشرة صباحاً حين تفتح بوابة الحديقة للزوار، وفي يوم الثلاثاء من كل أسبوع تغلق أبواب الحديقة للصيانة الشاملة، حيث تجرى عملية تعقيم وغسل بيوت الحيوانات، لاسيما حيوانات اللحوم المكونة من العائلة القطية بدءاً من الأسد ووصولاً للقط المنزلي، والعائلة الكلبية ومنها الذئب والثعلب وابن آوى والضباع، إلى جانب الممرات التي تفصل بينها، ويتم رشها بالمبيدات الحشرية»، وأضاف أنه «في فصل الصيف نظراً لارتفاع درجة الحرارة، يلجأ العاملون في الحديقة إلى تبريدها برش أرضية حظائر الحيوانات والأقفاص يومياً بـ 14 ألف غالون ماء، ويلجأون إلى تشغيل أكثر من 18 مروحة هواء لتبريد الحيوانات التي تحتاج إلى التكييف، وفي المقابل توجد بعض الأقفاص المكيفة في الحديقة».

روائح

وحول شكوى الزوار من انبعاث الروائح الكريهة من بعض الأقفاص أوضح النجار أن الأمر يخرج في بعض الأحيان عن نطاق السيطرة، فالحيوانات البرية يصعب التحكم في سلوكها، فهي تلجأ إلى التبول باستمرار لإثبات وجودها وسيادتها في المكان الذي توجد فيه، حتى ولو كان قفصاً».

وأوضح أن حيوانات الحديقة تحظى برعاية طبية خاصة، حيث يوجد لديها طبيب بيطري متخصص، يعنى بمتابعتها بشكل مستمر، وعلاجها كذلك، ويقوم بإجراء عمليات الإجهاض التي تحتاج بعضها إليها، وفي بعض الحالات يتم نقل الحيوانات إلى العيادات البيطرية التابعة للبلدية، أو العيادات البيطرية الخاصة».

إجراءات أمنية

وأوضح النجار أن الحديقة تتبع إجراءات أمنية لضمان سلامة موظفيها وزوارها في الوقت نفسه، وذلك من خلال إحكام أقفال أقفاص الحيوانات، قبل أن تفتح الحديقة أبوابها ويقوم أقفال جميع الأقفاص، وبذلك يكون قد تم التأكد من قفلها مرتين، فضلاً عن ان الحديقة تضم مجموعة من الإشارات التحذيرية، وتقوم عن طريق النشرات وموظفيها بتوعية زوارها».

وعن مشروع تحويل حديقة الحيوان إلى واحدة من 10 أفضل حدائق حيوان في العالم، قال النجار «عمل المختصون في حديقة حيوان دبي على اتباع المواثيق والمعايير العالمية لإنشاء حديقة حيوان دبي الجديدة، لتكون بذلك واحدة من أفضل 10 حدائق حيوان في العالم، لاسيما أن جميع الحيوانات تملك سجلاً عالمياً خاصاً بها، يتم تصنيفها حسب المناطق الجغرافية التي تنتمي إليها، وتتدرج في الاتحاد العالمي على حسب ندرتها، وتهديدها بخطر الانقراض، وذلك للعمل على تكاثرها والحفاظ عليها من الصيد الجائر، وتتبع ممارسات خاصة في تربيتها».

ومن الاعتبارات والشروط العالمية لتأسيس حديقة الحيوان، ذكر النجار أن «هناك العديد من الاعتبارات والشروط العالمية لتأسيس حديقة حيوان، أهمها، أن تكون الحديقة تعليمية لجميع المراحل العمرية بدءاً من رياض الأطفال ووصولاً للكليات والجامعات، وأن تحافظ الدولة من خلال الحديقة على حيواناتها المحلية من الانقراض، وإنشاء قسم خاص في الحديقة للأبحاث المتعلقة بالحيوانات والحياة الفطرية والعمل على تنميتها، وإنشاء برامج خاصة للمحافظة على الحيوانات المحلية والعالمية من الانقراض الذي يهدد حياتها، ولابد أن تتوافر في الحديقة عوامل خاصة بالترفيه»، وهي أمور سعت بلدية دبي إلى تحقيقها في مشروعها الجديد، الذي سيصمم على شكل حدائق الحيوانات المفتوحة (السفاري)، على مساحة تقدر بنحو 460 هكتاراً، بتكلفة تقديرية تبلغ 200 مليون درهم، وستقسم إلى قارات مختلفة، سيتم تسليط الضوء فيها على حيواناتها المختلفة، وعاداتها وتقاليدها في الوقت نفسه، وسيجمع المشروع الجديد من خلال خدماته وفعالياته المنوعة ما بين الترفيه والتعليم، وسيضم مجموعة كبيرة جداً من الحيوانات، وفي مقدمتها حيوانات شبه الجزيرة العربية، إلى جانب حديقة نباتية كذلك».