مجموعتها القصصية الأولى «زهايمر» ترجمت إلى الألمانية

صالحة عبيد: قيود الكاتبة الإماراتية ذاتية وليست اجتماعية

تصوير: مصطفى قاسمي

لا تحتاج الكاتبة الإماراتية صالحة عبيد إلى كثير من التعريف بموهبتها الأدبية، فهي حائزة جائزة العويس للإبداع فئة «أفضل إبداع قصصي» عام 2016 عن مجموعتها القصصية «خصلة بيضاء بشكل ضمني»، بعد مجموعتيها «زهايمر» عام 2011، و«ساعي السعادة» 2012، في الوقت الذي تعتزّ فيه عبيد بعلاقتها الوثيقة بعالم القصة القصيرة.


تؤكد أن الفكرة تقولب دائماً العمل الأدبي، وتعطيه الشكل الأمثل للطرح والتقديم، فإذا كانت الفكرة وشخوصها قابلة للتمدّد والتوزع على مناطق وأفكار مختلفة تخدم المشروع الأدبي، فيمكن العمل عليها لخدمة العمل الروائي، أما إذا كانت هذه الفكرة قابلة للاختزال والتكثيف فمن الممكن بلورتها في قالب قصصي، أو في شكل قصيدة، في المقابل، تلفت عبيد، إذا لم تتوهج الفكرة فلابد أن هناك خللاً ما، فالفكرة هي التي تقودني إلى القالب، وتأخذني لأصنع العالم.

مادامت نيران الأسئلة مشتعلة لدينا، فسيظل الإنسان مطلعاً ودؤوباً على البحث والعلم والمعرفة، التي تستحضر عوالم الكتّاب، سواء الورقي أو الإلكتروني.

لاتؤمن صالحة بأن المجتمع المحافظ يكبح خيالات المبدع، نافية وجود أي نوع من هذه القيود في الوسط الحالي، لافتة إلى إشكالية القيد الداخلي للكاتب المتصلة دوماً باعتبارات الفكرة المصاغة

والشكل الأدبي المعتمد، وأضافت: «ليس هناك صراع ملموس بين المجتمع والكاتب، كما لا توجد مساحات متقابلة أو صراعات حقيقية تعادل ما يحدث فعلياً في بعض الأوساط الأخرى، وما يحدث في الواقع هو مجرد افتراضات لم تقع بالأساس، كما ليس بالضرورة أن يكون للجميع دور فيها»، وتابعت: «لكل شخص أسبابه ودوافعه، أما أنا فأعبّر عن أفكاري بالشكل والقالب الأدبي الذي أختاره، ولعلني لم اتطرّق بعد إلى موضوعات نسوية عميقة، لأنني أكتب عن الإنسان والمجتمع بشكل عام».

مساحات آمنة

لا تفضل عبيد فكرة التنافسية بين القصة القصيرة في ظل سطوة الرواية، لأن العمل الإبداعي منطقة للاشتغال بهدوء، لذلك يجب أن يعطي المبدع لنفسه تلك المساحة الآمنة للعمل على أفكاره بهدوء، وتابعت: «مازالت القصة القصيرة ترتبط بالومضات والاختزال وطرح الأسئلة السريعة، وعلى الرغم من أن العالم بات مندرجاً في سياق متسارع النسق، فإن فكرة التماهي مع الأسئلة والومضات التي يمكن أن تقدمها القصة غير مطوّرة بشكل كاف، خصوصاً لدى المتلقي الذي يحب الاسترسال ومزيداً من الفهم، الذي قد تمنحه الرواية على عكس القصة القصيرة، التي تطلب منه أن يكون مشاركاً ومتفاعلاً معها بشكل أكبر». وعن الأفكار التي تستوحي من خلالها الكاتبة شخوص نتاجها الأدبي أوضحت عبيد: «لا يرتبط الحديث عن التفاصيل بضرورة كونها أشياءً بالمعنى المادي للكلمة، بل إنها قد تتفرع لتكون أشخاصاً أو حالات، أو تكون أحياناً بعض الكلمات التي توحي لي بالبحث والمعرفة أكثر، وتجعل بعض الشخوص تظهر في داخلي بشكل وأسماء معينة تحدثني باستمرار، بحيث تبدأ هذه الفكرة وتقودني إلى صناعة النص القصصي، أو شكل آخر من الأشكال الإبداعية.. فمتى صمتت الشخصية وخفيت هذه التفاصيل في داخلي أعرف أنني أنتجت هذا العمل الذي أريد إبرازه، لذلك أبحث دوماً عن التفاصيل، وأحب أن يركز القارئ عليها ويبحث عنها باستمرار في كتاباتي».

فعل ثقافي

تسهب صالحة عبيد في الحديث عن القضايا التي تنشغل بالدفاع عنها من منطلق عضويتها في «رابطة أديبات الإمارات»، وتعتبر النتاج الإبداعي فعلاً ثقافياً بامتياز، وأن عضوية الكاتب ومشاركته في الفعاليات المتنوّعة تساعده على التماسك أكثر مع الواقع تماماً كفعل القراءة والبحث والاطلاع المعرفي «في مساحات الحوار والتلاقي مع الآخر، قد نلتقي مع أشخاص متشابهين في الفكر، وربما في الهموم الإبداعية، وقد نفتح معهم أفاقاً أوسع، لكن هذه الرؤية لا يسعنا تعميمها على جميع المبدعين».

نتاجات أدبية

لا تفضل عبيد استخدام مصطلح «الأدب النسوي»، الذي تعتبره مرتكزاً على عوالم المرأة، وتنطلق من واقع ثراء النتاجات الأدبية التي تحمل أصواتاً أنثوية لا تعالج بالضرورة قضايا مرتبطة بالمرأة بشكل رئيس، لذا يجب التفريق بين الأدب النسوي والأدب الذي تكتبه المرأة بشكل عام، لا أستطيع إعطاء ذلك التوصيف، وعلى النسق ذاته أرى أن «الأدب الذي تكتبه المرأة في الإمارات هو أدب شامل يتناول الموضوعات العامة الموجودة في المجتمع وخارج المجتمع بشكل أو بآخر، ولكن ليس بالضرورة أدباً نسائياً يركز على قضايا المرأة بشكل أو بآخر»، معللة ذلك بالقول: «ربما نحتاج إلى بُعد زمني وتراكم أكبر، باعتبار ارتباط وحدة قياس النتاج الإبداعي باعتبارات زمنية طويلة ممتدة ومحكومة بالتراكمات، لكن هذا لا ينفي وجود نماذج ناضجة تحتاج أيضاً إلى تراكمات وإلى بُعد زمني يمكن من خلاله الحديث عن أدب المرأة في الإمارات، ولا أحبذ توصيفه بالأدب النسوي».

حلم العالمية

لا تترد صالحة عبيد في البوح عن سر سعادتها بترجمة مجموعتها القصصية الأولى «زهايمر» عام 2010 إلى الألمانية، قائلة: «لا شك أنني كنت سعيدة للغاية بوهج التجربة الأولى، أما اليوم فإنني ألمس أهمية طرح هذه التجربة بلسان آخر يمكن أن يتلقاه القرّاء في مكان آخر من العالم، ولا أشغل نفسي بهاجس العالمية، لأنني متشبثة بمساحتي الهادئة التي أنشغل فيها بتطوير أدواتي».

أفكار جديدة

كشفت صالحة عبيد عن انشغالها الحالي بصياغة مشروع أدبي جديد، «هناك عمل دائم على فكرة جديدة قد تقودني اليوم إلى التركيز على عمل قادم سيرتبط في مجمله بملفات الذاكرة بشكل أو بآخر»، وتابعت: «قبل سبع سنوات كنت احتفي بشكل كبير بالخيال، لكن مع كل عمل يتكون إدراك لضرورة المعرفة بالمنتج الإبداعي، وأنا أقصد هنا المعرفة بمعنى الفكرة التي يجب أن يكون الخيال فيها مدعماً بمعرفة كثيفة ومتنوّعة»، وتختم: «أؤمن بضرورة الحوار، على الرغم من أن الكاتب يحتاج إلى عزلته لينتج عمله الأدبي، لكن يجب أن يكون متلقياً بشكل مؤثر وغير مناسباتي، بمعنى أن تلك الحوارات المؤثرة والحقيقية مع الناس الذين قد يتساوون أو يختلفون معه فكرياً، نجم يومض البريق في الأفكار، ويسمح للكاتب بتطوير أدواته».

تويتر