بالإيقاع واللوحات يَصِفون الحياة كما يسمعون عنها

الموسيقى والرسم.. نافذة أطفال غزة على العالم

صورة

تحرك الطفلة ريما الحداد شفتيها بسهولة، وهي تعزف مقطوعة موسيقية كلاسيكية، على آلة الترومبيت (البوق)، داخل إحدى غرف مدرسة الموسيقى في قطاع غزة، لتصنع من النوتة الموسيقية المكتوبة أمامها أنغاماً لأوركسترا عالمية.

طموحات مقيدة

بات من الواضح حينما - تتجول في شوارع مدينة غزة - رؤية المراكز والمؤسسات الثقافية التي تعنى بتطوير المواهب والقدرات الإبداعية لشباب وفتيات القطاع، في مجالات كالغناء والرسم التشكيلي وفنون المسرح، رغم رفض إسرائيلي متكرر لسفر هذه البعثات من قطاع غزة، للمشاركة في فعاليات فنية في الخارج عبر معبر إيرز، الذي يخضع لسيطرة الاحتلال.

الفتى الموهوب بالعزف على آلة القانون من مدينة غزة، عبدالعزيز أبوشرخ، البالغ من العمر 15 عاماً، والذي تدرب داخل مركز إدوارد سعيد الثقافي منذ ثماني سنوات، منعه الاحتلال من السفر للمشاركة في العديد من المهرجانات بالعديد من الدول العربية والأجنبية، وكذلك في الضفة الغربية، ومنها حرمانه المشاركة في مهرجان القدس الفني.

وتقضي ريما (11 عاماً) أكثر من ساعتين يومياً داخل المعهد الموسيقي، لتنمي موهبتها الوحيدة الموسيقى التي ترافقها منذ نعومة أظافرها، وذلك من خلال التعلم والممارسة، حتى بلغت مرحلة متقدمة من العزف على الآلات الموسيقية.

وداخل معهد إدوارد سعيد للموسيقى وسط مدينة غزة، تنصت ريما لتعليمات مدربتها نتاليا أبو عبيد باهتمام بالغ، ليبدو صوت موهبتها أكثر وضوحاً، بعد دروس عدة تتلقاها بصحبة عدد من الأطفال الذين يشاركوها الموهبة ذاتها.

وتحاول المدربة أبو عبيد، من خلال الحصص التدريبية المكثفة التي تعلمها للأطفال الموهوبين، إفراغ الحزن الكامل من دواخلهم، لتستبدله بمعزوفات موسيقية تؤسس لحياة غير التي ألفوها وسط الحروب والحصار.

وعلى الرغم من أن العود يفوق حجمه الصغير، إلا أن الطفل عمر الوحيدي (ثمانية أعوام)، أمسك بآلته الموسيقية، وبدأ في الانتقال من وتر إلى ثانٍ، لينتج ألحاناً موسيقية كان قد تدرب عليها، وطبقها بإتقان.

ويبدو الوحيدي صاحب الشعر الكثيف سعيداً، لأنه حقق حلمه في تعلم العزف على العود، حيث يقول فرحاً «إن الموسيقى أسمى رغباتي في الحياة، وأحضر هنا يومياً لأتعلم الموسيقى، لأصبح عازفاً عالمياً».

الرسم والموسيقى معاً

بالانتقال إلى مركز «المرسم» الفني الذي افتتح أخيراً في غزة، لمواكبة مواهب أطفال غزة، تجتمع الموسيقى والرسم بصحبة عاشقيهما الصغار، وذلك في محاولة لإخراج قدراتهم، وتنميتها.

مركز «المرسم» أسسه زوجان جمع بينهما الفن، فالفنانة التشكيلية رشا أبوزايد، استطاعت إقناع زوجها سيد العميري وهو عازف موسيقي بافتتاح المرسم، بهدف مساعدة كل الفئات العمرية الموهوبة في تحقيق أحلامهم، التي رافقتهم منذ الصغر.

«الإمارات اليوم» زارت مركز المرسم، فرغم صغر مساحته، إلا أن الزائر له يلمس حب الفن المعزوف بأنامل الموهوبين الصغار، والمرسوم بريشتهم البريئة، فداخل المكان تنساب ألحان موسيقية ناعمة داخل مركز مخصص لتعليم الفنون الجميلة والموسيقى لكل طفل موهوب.

وفي المكان ذاته ريشة وألوان يخطها الأطفال، مشكلين لوحات فنية حملت تفاصيل حياتهم اليومية، وبذلك يلتقي الرسم مع الموسيقى في تنمية مواهب الأطفال، لتستبدل لوحات الأمس بصور نابضة بالحياة.

الطفل صالح هاني (12 عاماً)، لا تفارق البسمة وجهه، وهو يطبق تعليمات مدربه لتعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية، ليتمكن من عزف مقطوعة موسيقية، يشعر وهو يرددها بأنه يطير من الفرحة، على حد قوله.

والحال نفسها مع زميلته الطفلة فداء الصباغ (11 عاماً)، التي تغمرها فرحة كبيرة بعد تمكنها من إتقان العزف على آلتي الكمان والبيانو، بعد تلقيها التعليمات والدروس التي صقلت موهبتها داخل مركز المرسم.

وتمرر فداء أصابعها على مفاتيح البيانو، لتصدر أصواتاً موسيقية تنال إعجاب مدربها سيد العميري، الذي أوضح أن العزف على البيانو يساعد أطفال غزة على التخلص من أزمات الحروب والحصار، التي تعرضوا لها على مدار سنوات طفولتهم.

ريشة وألوان

الطفلة سارة مرزوق (11 عاماً)، أوضحت أن حبها للرسم دفعها وعائلتها للبحث عن مراكز مختصة بتعليم الفنون الجميلة، في ظل قلة المراكز المخصصة لتعليم الموسيقى في غزة، وعدم قدرة المراكز المتوافرة على استيعاب أعداد كبيرة.

وبعد انضمام سارة للمركز، تمكنت من تنمية موهبة الرسم لديها، من خلال التعلم على أيدي فنانين مشهورين، ومنحها فرصة استخدام الفرشاة وتنسيق الألوان، ما أطلق العنان لخيالها، وعزز حبها للفن.

الفنانة التشكيلية رشا أبو زايد، صاحبة فكرة مركز المرسم، رأت في مركزها فرصة حقيقية تسهم في تسليط الضوء على هذا النوع من الفنون، وتوعية المجتمع بأهمية الفن في دعم القضايا المختلفة، خصوصاً الوطنية منها بما يسهم في إظهار الوجه الراقي للشعب الفلسطيني عالمياً.

وتؤكد رشا أن المركز يعد الوحيد في قطاع غزة المتخصص في الفن التشكيلي، وكشفت عن تنظيم مشروعات منذ افتتاح المركز، بالتعاون مع جهات عدة، تهدف إلى منح الأطفال المتضررين بسبب الحروب فرصة الترويح عن أنفسهم، من خلال الفن.

تويتر