يحفظ شوارع غزة كافة.. ويتقن دهاليزها

محمد أبوزيد.. سائق أصم سيارته لا تفرغ من الركاب

صورة

مع شروق شمس كل يوم، يستقل المواطن الغزّاوي الأصم محمد أبوزيد سيارته من نوع فيات، ليبدأ رحلة الكفاح والتنقل بين شوارع وأزقة مدينة غزة كسائق أجرة حتى منتصف الليل، مسطراً بذلك حكاية جديدة من مسلسل الإصرار وقهر المستحيل.

فعلى الرغم من تقدمه في السن، وعدم تمكنه من النطق بكلمة واحدة، إلا أن أبوزيد خاض ميادين العمل المحظورة عليه كأصم، كاسراً بذلك جداراً كاد أن يعزله عن الحياة حوله، فسيارته لا تفرغ من الركاب، أما زامورها فلا يتوقف طوال ساعات يومه المليئة بالعمل على الخط.

وخلال ساعات عمله كسائق أجرة، ترتسم الابتسامة على وجهه، والتي تعد سبيله كخطاب ثابت مع كل راكب يستقل سيارته، ويرافقه إلى المنطقة التي يقصدها، ليكمل الطريق بإشارات يده تجاه دهاليز الشوارع، فيما يعبر أحياناً بطأطأة رأسه عن موافقته أو رفضه لاتجاهات السير.

السائق الأصم محمد أبوزيد يقطن في حي الزيتون، جنوب مدينة غزة، يناهز عمره نهاية الخمسين عاماً، بعد أن اكتسح الشيب مساحات كبيرة من رأسه.

رمزي الابن الأكبر للسائق الأصم، تولى مهمة سرد حكاية والده، لـ«الإمارات اليوم»، حيث يقول: «إعاقة أبي، التي تحول بينه وبين التعامل بشكل طبيعي مع الناس بسهولة، لم تكن في يوم من الأيام عائقاً أمامه لمواصلة مشوار حياته، فقد تغلب على ذلك بإتقانه قيادة السيارات على الخط العمومي».

عمل أبوزيد جعله يمتلك مصدر دخل ثابتاً في غزة المحاصرة، ومكنه من تجاوز العقبة المتمثلة في منع الصم من تعلم قيادة السيارات، والحصول على رخصتها داخل مناطق القطاع، حرصاً على صحتهم من حوادث الطرق.

احتمالية وقوع الصم في مشكلات القيادة، التي تحظرها غزة على من هم مثله، كانت بمثابة رهان نجح أبوزيد في كسبه، من خلال إصراره على العمل، وإتقانه فنون القيادة بمهارة عالية، وذلك بحسب ابنه رمزي.

ويقول نجل السائق أبوزيد: «إن تحدي والدي لإعاقتي النطق والسمع، ومجابهته أحلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرُّ بها سكان القطاع بفعل الحصار، يعدان انتصاراً عظيماً على واقعه المرير، ليهزم ضعفه وقلّة حيلته في جلب قوت يومه، ويتجنب مذلَّة سؤال الناس».

ويتمكن السائق الأصم، بحسب ابنه رمزي، من التمييز بين منافذ الشوارع المتشابهة في كل شوارع غزة، فيما يتسم بقيادة هادئة لا تعرف التهور، ليحافظ على سلامته وسلامة غيره من المارّين في الطرق، مراعياً الأطفال والمُسنّين السائرين إلى جوانب الطرق العامةِ، خصوصاً في شوارع الخطِّ السريع.

مهارات السائق أبوزيد لا تقتصر على القيادة فحسب، حيث يتقن أساليب صيانة السيارات في حالة إصابتها بأعطال، الأمر الذي يوفر عليه تكاليف إصلاحها لدى الورش المتخصصة في ذلك.

وعن ذلك يقول نجل السائق الأصم «إن أبي يعمل كطبيب لسيارته التي يخشى عليها الهلاك، كونها مصدراً رئيساً لدخله، وتوفير قوت أهلِ بيته، فهو يعرف علّتَها في حال عطلَتْ عن السير».

هنا يوقف أبوزيد ابنه عن الحديث، ليكمل بنفسه التعبير عن واقعه بواسطة إشارات يده، حيث بدا واضحاً على ملامحه مثابرته وكده، للاستمرار في العيش رغم ضيق الحال مادياً ومعنوياً، داخل قطاع غزة المحاصر منذ 10 سنوات، والتي فقد خلالها عمله داخل الأراضي المحتلة، وأصبح يتنقل بين بائع على مفترق الطرق، والوقوف خلف البسطات الصغيرة في الأسواق، إلى أن استطاع أن يعمل كسائق أجرة، ليعرفه كل أهل حيه، ومعظم الذين يستقلون سيارته تكراراً.

تويتر