3 منحوتات من «الستانلس الستيل» لمطر بن لاحج في «دبي مول»

«المجرة».. الإنسان ومجالاته اللامرئية

تقوم المنحوتات التي حملت الاسم ذاته وهو المجرة مع الأرقام لتسلسلها على النسبة والتناسب، وكذلك معادلات الموازنة في المنحوتة فالمجرة رقم واحد التي يصل طولها إلى تسعة أمتار وارتفاعها إلى مترين، تحمل أكثر من قطعة مثبتة على سنتيمتر واحد فقط. تصوير: أحمد عرديتي

من علاقة الشخص بذاته ومحيطه، ومن الخيال الفلسفي لهذه العلاقة، استوحى النحات الإماراتي مطر بن لاحج، منحوتاته الثلاث، التي افتتح معرضها أول من أمس، في «دبي مول»، تحت عنوان «المجرة». تختزل المجرات التي قدمها بن لاحج من «الستانلس الستيل»، المجالات التي يكونها الإنسان لنفسه، والتي تكون غير مرئية فيتعايش معها ويعيشها، وكذلك يتأثر بمجرات الآخرين والمحيطين، ما يزيده قوة وخبرة وإبداعاً. وتحمل المنحوتات أبعاداً فلسفية بأسلوب بسيط، حيث يضعنا بن لاحج أمام قطع فنية توازن بين تعقيدها من حيث البعد الفكري، وبساطتها من حيث أسلوب التنفيذ، وكل ذلك يأتي ضمن عوامل أساسية تلازم العمل، منها المرونة والرشاقة.

منحوتات ضخمة

إن المنحوتات الضخمة التي قدمها مطر بن لاحج في «دبي مول»، والتي يستمر عرضها حتى 24 من شهر رمضان، ليست المنحوتات الأولى له المتميزة بهذه الضخامة ومرونة التنفيذ. ومن المنحوتات المشابهة، أقمار الغفران، الموسوعة، انبعاث، لغة تنعى نفسها، إلى جانب منحوتات مهمة، منها: انصهار، أيقونة افتتاح ترام دبي (اتزان)، وأيقونة الطيران المدني (جذور عربية). يذكر أن بن لاحج شارك في العديد من المعارض الدولية.


سيرة فنية

يعتبر الفنان مطر بن لاحج من الجيل الثاني من الفنانين الإماراتيين، وقد تميزت تجربته بتعدد اختلاف الوسائط الفنية وتنوعها، فقدم أعمالاً في الرسم والنحت والتصوير. وقد تدرج في تعلم أنواع الفنون بصفة فردية ذاتية، ما جعله يتمكن من الانفراد بأسلوب خاص، حيث تتميز أعماله بمفهوم الحركة، والمفاجأة البصرية، لتصبح هي مساره الخاص، في كل أعماله الفنية. كوّن مدرسة خاصة في تنفيذ الأعمال الفنية، خصوصاً أنه تعمد إخراج أعماله بشكل يحتضن المعدن بأسلوب متمرس. الى جانب عمله في الفن، أسس مرسم مطر عام 1992، الذي افتتح للجمهور عام 2003، وقدم من خلاله المعارض الجماعية لجميع فئات الفنانين، فيدعم الشباب بشكل بارز، وباتت هناك مواعيد ثابتة لمعارض سنوية في المرسم، منها «نون النسوة» و«تقارب».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/327627.jpg

تقوم المنحوتات التي حملت الاسم ذاته وهو المجرة مع الأرقام لتسلسلها، على النسبة والتناسب، وكذلك معادلات الموازنة في المنحوتة، فالمجرة رقم واحد، التي يصل طولها إلى تسعة أمتار وارتفاعها الى مترين، تحمل أكثر من قطعة مثبتة على سنتيمتر واحد فقط، كما ان المرور الخاص بالأحرف يكون من اليمين إلى اليسار، ما يجعلها تحمل خاصية التتابع بأسلوب محدد المسار. هذا التوازن الذي يوجده بن لاحج في المنحوتة الدائرية، نراه بداية مع القطعة التي تشبه الأسطوانة وتحمل الأحرف العربية بشكل مفرغ، بينما تستكمل مع القطع الدائرية التي تنبعث من داخلها الحروف العربية، وتتمازج بشكل انسيابي، يبعد عن عين المتلقي صلابة المادة التي يعمل عليها، كما يجعله يفكر في رشاقة وطواعية الحروف التي تأتي في إطار متوازن ومتناسق. ويبقى أبرز ما تحمله المجرة الأولى ولاسيما من داخل الأسطوانات فكرة العمق في الشكل، الذي يمتد ليترجم عمق الكلمة وعمق المشاعر والأحاسيس، وكذلك عمق الثقافة والفكر.

أما المجرة الثانية فتستكمل الأولى من حيث الشكل في التنفيذ والإطار الدائري الذي تتكون منه أجزاء المنحوتة بشكل أساسي، ويصل طولها الى أربعة أمتار وعرضها 180 سنتيمتراً. وتحمل المنحوتة الأسلوب الدائري بشكل متداخل، في حين ان الحروف لا تكون خارجة من الدوائر فحسب، بل تزخرف الأسطوانات من الخارج. أما المجرة الثالثة فتأخذنا الى شكل آخر من الابتكار، وكذلك مفهوم فلسفي آخر، اذ يضعنا أمام طواعية المادة الصلبة التي يعمل عليها، حيث العمل المتعادل الطول والعرض، وهو ثلاثة أمتار، يتكون من مجموعة مجرات صغيرة، فتبرز المنحوتة البعد الفلسفي لتداخل المجرات ببعضها، وتعبر عن تجارب الإنسان في الحياة وعلاقته بالمحيط، في إطار يجعل المنحوتة تبدو كما لو انها مصدر انبعاث للطاقة. تجسد المنحوتات الضخمة تجربة كل انسان عرف نفسه واكتشف دواخله، فلم يتركها تتطاير في الكون بشكل عبثي، بل ارتبط بكوكبه الخاص في مجرته غير المرئية ليتماشى مع محيطه ويتفاعل معه ويتعزز ارتباطه بالكون.

ويؤكد النحات الإماراتي، أن رحلة المجسمات بدأت من خلال مضامين الأعمال وليس بكونها أشكالاً للزينة، قائلاً، «المضمون بالنسبة لعملي أولى من الأداء، فالأداء يكمن في النوعية، والمجرة التي تعرض اليوم تابعة للمجسمات التي قدمتها سابقاً، وتتضمن معاني كبيرة، وتطرح تساؤلات كثيرة، فهي خط سير لمعالجة الذوق والفكر الفني وكيفية ايصال رسائل ذهنية للناس». ولفت الى أن المجرة تمثل مجرة الإنسان لنفسه، وهي التي يأخذ منها ويضيف الى جودة الأداء في حياته، فهو يخلق مجرات معلوماتية حوله بشكل مخفٍ، ويأخذ منها، وهي التي تزيده قوة. أما مجرته الشخصية في مجال الفن، فشدد النحات الإماراتي على أنها كبيرة، لأنه لا يعرف القيود، فيفكر بحرية تامة، كما ان القطع التي ينحتها تبقى خارج حدود المألوف، مشيراً الى أن الأعمال الفنية التي يقدمها تكون مدرسة خاصة من فكر يسعى الى تثقيف المتلقي بشيء جديد، وكذلك بإنتاج يحول الخيال لواقع.

وتتكون المنحوتات من مادة «الستانلس ستيل»، وهي المادة التي بفضلها اكتسب بن لاحج لقب «رجل الستانلس ستيل»، ويقول عن اختياره المادة، «ان هذه المادة باتت أكثر المواد وصولاً للناس واستخداماً في النحت في الفترة الأخيرة، وتعد من المواد المكلفة في الفن، وبالتالي انتاج أعمال منها يتطلب القدرات المادية، لكنني تمكنت من ذلك، كما أنني سأعمل في الوقت القريب على الدمج بين الرخام والستانلس ستيل بأسلوب يوازن بين جماليات كل من المادتين».

وحول الوقت الذي استغرقه إنجاز الأعمال، أكد بن لاحج أنه اتى ضمن مرحلتين، الأولى هي التصميم، التي استغرقت نحو الشهرين، والثانية هي التنفيذ، التي أنجزت خلال 40 يوماً، وشدد على ان فريق العمل الذي يساعده ليس كبيراً، كما أنه لا يولي له مهمات تتعلق بالتصميم والإنتاج، بل يتولى المهمات البسيطة التي ترتبط بالتركيب والتلميع والصاق القطع. أما اختياره شهر رمضان المبارك لعرض أعماله في «دبي مول»، فأكد بن لاحج، أنه يأتي من تباركه بهذا الشهر، وكذلك من كون النفوس في هذا الشهر تكون مختلفة، فتتقبل ما تراه بشكل مختلف كما تتفاعل معه حسياً بشكل آخر، في حين أن اختيار «دبي مول» للعرض ينبع من جرأة الطرح وعدم السير وراء الآخرين، فعرض الفن ليس حكراً على صالات العرض فقط، بل إنه يكون من خلال المكان المفتوح لأكبر شريحة ممكنة، خصوصاً ان القطع الفنية الضخمة توضع في متحف أو صالة ضخمة. واعتبر صاحب منحوتة «انبعاث اللغة» ان المجتمع في الخليج بدأ يتقبل هذا النوع من الثقافة الفنية، ويتفاعل معها، منوهاً بأنه يقدم الأعمال المبهرة كونه من دبي بلد المفاجآت، وعليه أن يتمتع بخصال هذه المدينة. كما نوه في الختام بجهود المسؤولين في المجال الفني، والحرص على المشاركات والوجود في الخارج، من خلال المشاركات مع مؤسسات الحكومة وإنتاج قطع خاصة للحدث.

تويتر