اعتبرت أن العالم العربي يمر بمرحلة ظلامية تؤثر ســلباً في الفن

جاهدة وهبــة: الموسيقى جوهري ونصـفي الآخر

جاهدة وهبة: لابد من تفعيل ثقافة الحوار والالتقاء بالآخر. تصوير: تشاندرا بالان

أكدت الفنانة اللبنانية، جاهدة وهبة، أن الموسيقى هي السهول التي تذرف من خلالها وجعها، وتقول ذاتها عبرها، وتشعر بكينونتها وجوهر حياتها، فقد تحولت الموسيقى مع الوقت إلى النصف الآخر والزوج والعاشق. وأضافت في حديثها مع «الإمارات اليوم» أن المرحلة التي يمر بها العالم العربي مرحلة ظلامية، ستؤثر في وجه الموسيقى بلا شك، نظراً للعنف والتعصب الذي تحمله، كما تحدثت عن ألحانها وكيفية اختيارها القصائد المغناة، والوضع الموسيقي في المرحلة الراهنة.

مشاركة

شاركت جاهدة وهبة في ملتقى «دي ثيري»، الذي قدمت فيه مجموعة من أغانيها من ألبوم «كتبتني»، وقصائد من ألبومها الأخير، الذي يتضمن أغاني لشعراء مهمين، منهم محمود درويش وطلال حيدر، إلى جانب أغانٍ كلاسيكية قديمة لأسمهان وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ووديع الصافي. وقالت عن علاقتها بالإمارات «تربطني بالإمارات علاقة جميلة، ودبي لها مكانة خاصة بقلبي، ودائماً أحب الوجود في الفعاليات الثقافية، ودعيت من مهرجانات كبيرة، وأحييت حفلات كثيرة في الإمارات، ومنها ختام الموسم الثقافي لمؤسسة العويس الثقافية، وفي أبوظبي أحييت حفلة افتتاح اللوفر، ويسعدني الوجود هنا، كما أن دبي منفتحة على الثقافات الأخرى، وتستقطب فنانين من كل العالم، وبالتالي من الجميل أن يشعر الفنان بأنه جزء من هذه الفعاليات ومن هذا النشاط الثقافي».

سيرة غنائية

تحمل الفنانة جاهدة وهبة إجازة في علم النفس، وكذلك في الغناء الشرقي من المعهد الوطني العالي للموسيقى، حيث تابعت دراستها في العزف على العود، والغناء الاوبرالي العربي والانشاد السيرياني والتجويد القرآني. كما حازت دبلوماً في التمثيل من الجامعة اللبنانية، وعملت مع كبار المخرجين، ولديها ألبومات عديدة، صوفية ووطنية، وكذلك قصائد مغناة. ولديها تجربة في الكتابة، وهو «الهدهد الأزرق» الذي صدر عن دار الساقي، وبقي متصدراً المبيعات أشهراً عديدة، ورشح لأكثر من جائزة.

بدأت الحديث عن نوع الموسيقى التي تقدمها، قائلة «أحرص على تقديم الموسيقى العالمة التي خف حضورها الآن في ظل كل ما يحدث من فوضى وصخب موسيقي في العالم العربي، وكذلك بسبب تداخل العوالم والحضارات ببعضها بعضاً، إذ إن العالم اليوم قرية مفتوحة، لذا أركز على الثقافة والشعر والأدب». وأضافت أن «كل محاولة من أجل إرساء ثقافة مستدامة في الأوطان العربية، تكون مساهمة حقيقية في جذب الناس إلى منطقة الحلم والشعر، وبالتالي نحميهم من الجهل». ورأت أن الجهل منتشر الآن في العالم العربي، وهو في خلفية كل العنف والفوضى العارمة، فالموسيقى لها دور كبير كي تأخذ الناس إلى المكان الأسمى الذي يجعل النظرة إلى الحياة أجمل ومرحبة بالآخر، كما تزول مشكلات التعصب والعنصرية.

ولفتت جاهدة إلى أن التحديات في هذا المجال كثيرة، مشيرة إلى أن لديها إيماناً بما تقدم، لاسيما أن رقعة الجمهور في كل مكان تذهب إليه تكبر، كما أنها كُرمت أخيراً من قبل مؤسسات كبيرة، أهمها الأمم المتحدة. ورأت أن التقدير لأعمالها ازداد تماماً، كما القبول من فئة الشباب الذين تحرص على التسلل إلى قلوبهم وجذبهم، لاسيما أنهم من يكمل المسيرة.

ورأت مغنية قصيدة «يطير الحمام» أن هناك مسؤولية على المؤسسات الثقافية والإعلامية في تسويق الفن، وشركات الإنتاج تسهم في «تتفيه» الذوق العام، لأنه في الغالب يكون همها استهلاكياً وتجارياً وليس ثقافياً، ما جعل الفن سلعة، ويُحمل بكثير من المغريات ليتم بيعه. وأوضحت أن الاستمرارية صعبة، لكنها نابعة من مدرسة محمود درويش في تربية الأمل، ومن إيمانها بأن ضوءاً صغيراً يحفر في الظلام. ووصفت وهبة الزمن الحالي بالرديء، وبكونه زمناً صعباً كثيراً، لأنه مرئي وسمعي بامتياز، وتدخله العولمة بشكل كبير، لكن برأيها أن أي عمل يقدم بشفافية وأصالة لابد أن يبقى، تماماً كما بقيت آثار الكبار، لأنها نفذت بحرفية وبكثير من الفن والجمال، بينما اليوم كل الأعمال تعد بسرعة، وليس لديها عمر كي تعيش، فحتى الأغنيات التي تكون ضاربة تكون قوية لمرحلة محددة ووجيزة.

حول اختيار القصائد، قالت وهبة «تكاد تكون القصائد تختارني ولست أنا من يختارها، أغرم بالقصائد لدرجة المرض، ولا أشفى منها حتى أغنيها، والتفتيش عن اللحن يعتبر مرحلة صعبة وممتعة، وأشعر بأنني أتأرجح على متن الكلمات، وأحياناً أشعر بكونها مقصلة تعلقني، فالتلحين هو مزيج من هذه المشاعر». وتابعت «أعامل القصيدة واللغة كآخر، كحبيب مرغوب، لذا فأنا أكون في حالة حوار شغفي مع القصيدة، أعمل كثيراً وأكسر جمل وأعيدها، وعندما أعثر على الجملة اللحنية التي تمنحني فعل القصيدة، أعرف أنني حصلت على الجملة اللحنية المناسبة لها، وأنني بدأت أفك مغاليق القصيدة». ولفتت إلى أنها عثرت على بعض الألحان بشكل سوريالي وسريع، وبعض القصائد أتعبتها وأرّقتها، ومنها قصيدة «لا تمضي إلى الغابة»، وقصيدة «يا ولدي» لأحلام مستغانمي. أما قصائد الشاعر طلال حيدر فتسكنها بشكل خاص، وتشعر بأنها مختلفة مع كلماته، إلى جانب قصائد أخرى متميزة، ومنها ألبوم «شهد» الذي تعتبره بصمة مهمة في عالمها الموسيقي.

كانت لوهبة تجربة في تقديم الأمسيات الشعرية، وهو ما قادها إلى عالم التلحين، إذ إن تجربة تقديم الأمسيات جعلتها تدندن بالشعر، وتجد له معادلاً موسيقياً جديداً ومختلفاً. وأشارت إلى وجود ذكريات تريد أن تخرج من داخلها من خلال الموسيقى، كما أنها تحول آلامها وأوجاعها إلى نوتات وموسيقى «فالموسيقى هي السهول التي ألجأ إليها كي أذرف وجعي، وأقول نفسي، وأشعر بكينونتي وجوهر حياتي، كما في المسرح ألعب شخصيات من وقت إلى آخر، وأشعر بأن الموسيقى والغناء هما المكان الذي أتنفس فيه هواءً نظيفاً، فالغناء بات شريك حياة وزوجاً وحبيباً وعاشقاً». واعتبرت أن التكامل في التجارب بين الغناء والتلحين والمسرح والكتابة عبارة عن كينونات موجودة بداخلها منذ الصغر، والكتابة كانت تجربة حميمة، ولم تظهرها للناس، علماً بأن النصوص الشعرية كانت تعمل عليها مع الشعراء أنفسهم، وتدعوهم للتغيير، وتكتب معهم. ووصفت تجربة «الأزرق والهدهد» بكونها أتت نتيجة شبكات التواصل الاجتماعي، والعالم الافتراضي، وفرصة لجذب الشباب إلى منطقة القراءة الشعرية من خلال هذا العالم. وأكدت أنها دعمت كل المواهب الموجودة بداخلها بالدراسة، فقامت بدراسات عليا في التمثيل والإخراج، كما درست المسرح والغناء بأنواعه المتنوعة لمدة 10 سنوات، الشرقية والعربية والاوبرا والموشحات والتراتيل والتجويد القرآني، كما درست علم نفس، موضحة أن هناك حالة استغراب في العالم العربي من وجود مغنٍ يلحن أغانيه، علما بأن هذا الأمر في العالم الغربي طبيعي وبديهي. واعتبرت أن هذا التكامل يوجد هوية خاصة، فما تبحث عنه هو أن تكون تشبه نفسها فقط.

وحول الوضع الراهن في العالم العربي وأثره في الموسيقى، قالت وهبة «هناك ظلامية تهجم علينا من كل حدب وصوب، وبلا شك أن تأثيرها سلبي في الموسيقى، فهناك تعتيم وتشديد، ونساء تسبى، وطوائف تذم وتهجر وتقتل، إلى جانب العنصرية والتعصب والعنف، وهذا كله لا يبشر بخير». ولفتت إلى كونها تصاب بالاحباط أحياناً، وتمل من الغناء أو التلحين، وأحياناً تسأل إن كان ما تقدمه من الممكن أن يقدم شيئاً، مشيرة إلى أنه في الختام لابد أن يحفر الضوء في الظلام، ولابد أن ينتصر الخير على الشر، والجمال على القبح. واعتبرت نشر الوعي في المجتمعات مهماً، لأن الأخيرة تصبح قادرة على المفاضلة والاختيار، لذا فهي تصر على تقديم الثقافة، لأن ما يحدث نتيجة الجهل والابتعاد عن الثقافة. ورأت أنه لابد من تفعيل ثقافة الحوار والالتقاء بالآخر.

تويتر