معرض للأخوين العامري في «فن آبورتيه» بدبي

«أشقاء في الصور».. شعر درويش بالألوان

يجمع المعرض بين أسلوبين مختلفين في اللون والتشكيل ويأخذنا إلى عالم درويش الذي امتزج في دواوينه وقصائده الكثير من الصور التي تستحق أن تترجم لوحات لونية. تصوير: أشوك فيرما

تحت عنوان «أشقاء في الصورة ـــ تحية إلى محمود درويش» اجتمع الفنانان الشقيقان محمد وجهاد العامري في معرض وجه تحية للشاعر الراحل محمود درويش، حيث شكلت كلمات درويش منبعاً للألوان، فتناثرت أشعاره على اللوحات وامتزجت مع اللون وتُرجمت عبره في لغة بصرية تحمل من «أثر الفراشة» وكذلك من الكواكب. ويجمع المعرض الذي افتتح، أخيراً، في غاليري فن «آبورتيه» في دبي، بين أسلوبين مختلفين في اللون والتشكيل، ويأخذنا من خلال هذين الأسلوبين المختلفين والمتقاطعين إلى عالم درويش الذي امتزج في دواوينه وقصائده الكثير من الصور التي تستحق أن تترجم لوحات لونية.

محمد العامري

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/287046.jpg

ولد محمد العامري في الغزاوية عام 1959، وحصل على بكالوريوس في التربية. أقام مجموعة من المعارض الفردية إلى جانب معارض جماعية، كما له مجموعة من الكتابات النقدية في الفن التشكيلي. ويعرف بتجربته التي تجمع بين اللون والكلمة وقدم دواوين عدة، ومنها «معراج القلق 1990»، «خسارات الكائن 1995»، «الذاكرة المسننة»، و«بيت الريش». أما مؤلفاته في التشكيل، فهي توفيق السيد، حياته وفنه، وفن الغرافيك في الأردن، ورفيق اللحام: حياته وفنه. فاز بجائزة الشاعر عبدالرحيم عمر لأفضل ديوان 1995، وجائزة لوركا للرسم في المركز الثقافي الإسباني.


جهاد العامري

ولد الفنان جهاد العامري في عام 1977، وحصل على شهادة الدكتوراه من إسبانيا. شارك في أكثر من 50 معرضاً جماعياً في الأردن وخارج الأردن. قدم مجموعة من المعارض الفردية في عمّان والدوحة وإسبانيا وسويسرا. وحاز جوائز عدة في مجال التشكيل، ومنها جائزة جمال بدران في مجال الفنون، كما أقام في سويسرا لمدة شهرين ضمن برنامج الفنان المقيم. اقتنيت أعماله من مجموعة من المؤسسات، ومنها دار الفنون في الأردن، ومؤسسة خالد شومان، المركز الثقافي الفني في إسبانيا، ومؤسسة زيرفاس للفنون في اليونان.

اختار محمد العامري ديوان «أثر الفراشة» ليبرز من خلاله النزعة اللونية الخاصة به، فقد أبرز في لغة بصرية حالمة وألوان تجمع بين الداكن والفاتح، تأثره بالقصائد التي قرأها في هذا الديوان، فيطرح من خلال اللوحات العلاقة بين اللون والكلمة. ويأخذنا المعرض إلى معالجة تشكيلية مختلفة، تحمل ممازجة بين الشعر واللون، فتصبح القصيدة مقروءة بلغة بصرية، واللوحة قصيدة.

ليست المرة الأولى التي يقدم فيها العامري هذا النوع من الأعمال فقد سبق وقدم فضاءات لونية، حيث ترجم الشعر إلى اللون، كما أن تجربته في الكتابة جعلته قادراً على ايجاد نص مواز للشعر من خلال اللون، ولديه أكثر من تجربة في المجال. الكتاب يحمل ألوان عباد الشمس، والأخضر والأحمر، وهذا ما ترجمه العامري في اللوحات.

تحمل أعمال العامري تركيباً لونياً يمزج بين الألوان المضيئة والأخرى الداكنة بأسلوب يجعل الدفة تميل إلى الألوان المشعة في اللوحة، فتبدو نابضة بالفرح والأمل، وزاخرة بالحياة. نجد الأعمال تحتفي باللون بكل تناقضاته ودرجاته، فهو لا يخاف مزج الألوان المتناقضة مع المتدرجة كي يبرز النص الشعري في زمان ومكان محسوسين، فهو يقدم التعقيدات البصرية بأسلوب شفاف يبرز من خلاله اللذة البصرية وعدم التخلي عن الجوانب الجمالية. تحمل لوحة محمد اسلوباً مغايراً في المزج اللوني، فهو يبني اللوحة مكتظة في أعلاها، بينما نجدها تصبح أقل اكتظاظاً وأكثر وضوحاً في الأسفل. نجد الهندسة في التركيب اللوني في أعمال محمد، حيث تحمل اللوحات الأشكال التي تتداخل مع بعضها، وتقودنا الواحدة الى الاخرى.

هذه الهندسة التي نجدها في الدوائر والمربعات، نجدها مسيطرة على أعمال جهاد العامري الذي اختار الدوائر شكلاً للوحاته وذلك للترميز للكواكب، حيث كانت قصيدة «احد عشر كوكباً» هي التي يترجمها عبر رؤيته الفنية. يبني جهاد لوحاته كما لو أنها كواكب حقيقية، فهي حافلة بالتفاصيل والكتابة غير المقروءة واللون. تتقاطع في أعمالها مجموعة من العناصر الفنية، فنجد أنها تحمل من فن الغرافيك والحفر والخط العربي والطباعة الحريرية، وكذلك صور البورتريه للشاعر درويش، فيقودنا بذلك الى عوالم مختلفة، ويضعنا في أجواء زاخرة باللون كما الشعر. يحاول المرء قراءة ما كتب على اللوحات من نصوص شعرية، حيث نجد أن النص لا ينفصل عن البعد الجمالي الأدبي، كما نرى اللون ينسجم مع المعاني الموجودة في القصيدة، فتصبح اللوحة امتداداً جمالياً لها. اللافت في أعمال جهاد أنها تأخذ من الأثر الأندلسي، فهذا يبدو جلياً في المكان الذي يضفيه على العمل، وهو ناتج عن اقامته في إسبانيا، الأمر الذي يمنح اللوحات بعداً جمالياً اضافياً يتجلى في التفاصيل التي يضيفها الى اللوحة.

وقال محمد العامري عن المعرض: «اسم المعرض أشقاء في الصورة، لأنه يجمعني بشقيقي من جهة، وكذلك لكونه يبرز شعر درويش الذي هو شقيق في الإبداع أيضاً، في ما أقل ما يمكن أن يقدم لمبدع هو استذكاره في عمل فني جمالي». ولفت إلى أنه اختار كتاب «أثر الفراشة» كونه كتاباً مثيراً وقرأه أكثر من مرة، إلى جانب تركيز درويش على الألوان في الكتاب. وأشار الى أن درويش في آخر الكتاب يقول أثر الفراشة لايزول، ونحن نعلم منذ الطفولة كيف كانت تترك الفراشة في ايدينا طحين الفضة، واصفاً الفراشة بكونها جنة صغيرة من الألوان. وأضاف: «أحببت أن أقدم عملاً فنياً موازياً، وكذلك اخي اختار قصيدة (أحد عشر كوكباً) وأدخل النص كإشارة كاليغرافية غير مقروءة، واستعان بصور درويش في الخلفيات».

اعتبر العامري المعرض تحية بسيطة لدرويش، موضحاً أنه «لم ينسق للعمل مع شقيقه في السابق»، مؤكداً أن جهاد اشتغل على النص الدرويشي أكثر من مرة، وكانت رسالته في الدكتوراه عن علاقة الشعر بالرسم. ورأى أنه من الصعب جداً ترجمة الكلمة للون، ولاسيما أنه ليس ترجمة صورة، ولكنه نص، منوهاً بأن المزاوجة بين النص والصورة قديمة جداً، ولكن تطور رؤية الفنان والإبداع والتشاكل مع أي نص جديد يؤدي إلى نص آخر مواز ومناكف وقد يتقاطع أو يختلف عنه لاحتفاظه في جماله الفني. وشدّد على أن لوحته لا تتغير، ولا يجب أن ينساق الفنان إلى الموضوع، فالمحترف لا يتورط في الانصياع للموضوع بل يطوعه بأسلوبه.

تويتر