قدّم شوارع عمّان وبيروت بمعرضه في «فن آبورتـيه» بدبي

سعد الربضي..المدن الصاخبة بالحنين

صورة

يقدم الفنان الأردني سعد الربضي المدن بأسلوبه المعماري الذي يدمج بين الهندسة والتجريد، فنجد لوحاته تقف على مسافة بين الواقع والخيال. تحمل المدن التي صورها الفنان الاردني في معرضه الأخير الذي افتتح في غاليري «فن آبورتيه» في دبي، الكثير من الحميمية، ولاسيما في الأوقات الليلية، فتبدو شوارعها صاخبة بالحنين، وتلامس مشاعر المتلقي نظراً للحالات التي تجسدها.

ينقلنا الربضي الى شوارع عمان بشكل أساسي، الى جانب بعض المشاهد من شوارع بيروت بتفاصيلها البسيطة، السيارات والإنارة، والجسور، والمطر، والناس، وهي التفاصيل التي تملأ لوحات الربضي. يصوغ من هذه العناصر حكايات المدن، ومشاهدات يومية، يسخرها لخدمة لوحة تولي الأهمية الاولى للشكل الهندسي والعمارة، وتنطلق منها لتصل الى التجريد.

سيرة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/193702.jpg

درس الفنان الأردني سعد الربضي الهندسة المعمارية، وحصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأردنية. وانتقل بعد إنهاء دراسته الجامعية الى بيروت، حيث كون خبرة في ممارسة عمله في مجال العمارة والفنون. منذ ذلك الحين يعمل الربضي على نطاق واسع يضم العديد من المشروعات وتعكس أعماله المختلفة أسلوبه المميز والمتقن في الهندسة. يجمع اليوم بين عالمي الهندسة والفن، ولا يمكنه التخلي عن أي منهما لمصلحة الآخر. قدم مجموعة من المعارض في الأردن، ويعد معرضه الحالي الأول له في دبي.

أعمال

ضم المعرض الذي سيستمر حتى الأسبوع الاول من أكتوبر ما يزيد على 15 عملاً. وقدم الفنان في لوحاته المدن إلى جانب بعض الأعمال التي حرص من خلالها على إبراز الشخوص في أعمال تقوم على لوني الأسود والبيج، إذ يمنح البشر خيالات سوداء في خلفيات باللون البيج. وتدلل الأعمال على محاولة الربضي الهروب من التشخيص المباشر في العمل الفني.

هذه الانطلاقة من الهندسة يرفقها الربضي بحرص على عدم جعل المادية صبغة أساسية للوحاته، على الرغم من كون أعماله مبنية على أسس عمرانية، فيصور المباني والطرقات والجسور والسيارات، إلا أنه يمنحها القليل من الحميمية من خلال المشاهد والالوان التي يستخدمها، فيجعلها مدناً ليلية في معظم الأحيان، تشع فيها الأضواء الناجمة عن إنارة الطرقات والمحال، أو يصورها في أوقات الشتاء وبعد انتهاء هطول المطر. نتقفى في اللوحة التي يقدمها الربضي رائحة التراب بعد المطر، فالشوارع على الكانفاس تبدو مبللة، وتبعث في القلب حنين الشتاء ودفئه.

يبتعد الربضي عن الاكتظاظ البشري في لوحاته، ونراه اكثر قرباً من تصوير خيالات بشرية، مغيباً الملامح والوجوه، فهو يبتعد عن الصخب الإنساني الذي يقود الفنان الى التوغل في علاقات البشر ببعضهم بعضاً، بل يطرح وجودهم في اللوحة بعلاقة ثنائية مع المدينة فقط.

قد يكون هذا النمط من الفن الذي يتبعه الربضي غير مقبول في العالم العربي، أو جمهوره ومتذوقيه أقل من غيرهم، فهو فن يقوم على تصوير العمران بشكل أساسي، الا أنه لا شك يحمل تاريخ وحضارة المدن التي يحاول الفنان تصويرها من جانب عمراني، ويدخل سياقاً مختلفاً من الفن.

لا يقف الربضي على مسافة من المدينة التي يصورها، بخلاف الفنانين الذين يتخذون من رسم المدن منهجاً لهم، فهو يبدو شديد الالتصاق بالمدينة التي تصورها، وقد يكون اختياره لعمان وبيروت التي عاش فيها فترة بعد تخرجه في الجامعة، خير دليل على ذلك، حيث ينبش الربضي المشاهد من ذاكرته عبر خلفيات قاتمة، فاللوحة لديه إما سوداء تتخللها إضاءات وانعكاسات الظل والنور، الذي يتجلى في أضواء السيارات واشارات الشوارع وإنارتها، وإما بنية تحمل جنيناً حريفي الملامح. هذه الاعمال على الرغم من تمتعها بنوع من الصلابة الا أنها تشكل التحدي الاكبر أمام الفنان الشاب الذي يبحث عن الجمال في الجماد، وفي الصلابة، فهو يسعى الى ايجاد حياة من خلال اللون، وحركة وحياة في العمل من خلال أقل الأشياء المحيطة بنا جمالاً، مع التوجه التجريدي للتفاصيل.

وقال سعد الربضي لـ«الإمارات اليوم» «حاولت ان اقدم من خلال المعرض كل ما له علاقة بالعمران، في عمان وبيروت، وقد ركزت على التفاصيل في أعمالي، والتدقيق في التفاصيل بالنسبة لي هو الأساس في العمل». وأضاف الربضي، أن «التقنية الأساسية مهمة لدراسة الجمال المخفي، كما أن دراسة الهندسة المعمارية هي التي دفعتني الى هذا التوجه، فباتت التفاصيل هي التي تجذبني». واعتبر الربضي أن المجال الخاص برسم المدن لم يتم تقبله من الناس الى الآن بعد، فقد يبدون إعجابهم باللوحات في المعرض، لكنهم لا يجرؤون على اقتنائها، وهناك مشكلة في الثقافة الفنية، فهم يفضلون رسومات الطبيعة، وربما لبحثهم عن الطبيعة بشكل مباشر أو لميلهم الى اللوحة الكلاسيكية. ورأى الربضي أن الثقافة الفنية في العالم العربي لا تذكر بالمقارنة مع الدول الغربية، وهذا يكون على أكثر من مستوى بدءاً من الفن البصري ووصولاً الى المسرح وغيره من الفنون الاخرى. واعتبر ان المجتمع العربي يبحث عن الأسهل والابسط، وان التركيز على الفن من الممكن أن يتحقق بعد أن تحل الكثير من المشكلات في العالم العربي. أما في ما يتعلق بالعمارة، فالتظليل هو اساسي في فن العمارة، لذا فإن اللوحات تأتي من عالم الهندسة، لذا يؤكد الربضي أنه لا يمكن ان يترك الهندسة ويتوجه للفن او العكس، إذ يعتبر أن مهارته في التصميم المعماري مميزة ولا يمكنه ان يتخلى عنها. أما اللوحة فهي تأتي من الهندسة، موضحاً ان المهندس لا بد أن يتمتع بحس فني، ففي الدول الغربية لا يعتبرونها تابعة للهندسة بل للفنون.

أما معرضه الاول في دبي فقد اعتبره الربضي فرصة لتقديم أعماله لثقافات عدة، فهي فرصة كي يقدم لوحاته لأكثر من ثقافة، خصوصاً أن الثقافات الغربية تميل اكثر لتقبل أعماله.

أما التركيز على العمران فهو أساسي في عمل الربضي، اذ يعتبر أنه سيواصل عمله في العمران لكن بأسلوب مغاير، اذ إن الافق في هذا النوع من الفنون مفتوح كثيراً ولاسيما انه مع التخصص في الحياة، ويرى أنه يمكن أن يصل الى حدود بعيدة.

 

تويتر