فنانون أكدوا أن الكمبيوتر جعل كثيرين يتجهون إلى الأسرع والأقل سعراً

لوحة الخط.. كلاسيكية تتصالح مع الحــداثة

صورة

على الرغم من أن الخط العربي فن يلتزم بقواعد وشروط، إلا أنه بدأ يستفيد في الآونة الأخيرة من الفنون الأخرى، الأمر الذي أخرجه من رداء الكلاسيكية، وأدخله مجالاً جديداً ومتطوراً، فباتت اللوحة أكـثر حداثة، وتوسعت في شكلها الفني، كما أن اللون دخل عليها بشكل أوسع، إلى جانب استفادتها من الغرافيتي والفن التركيبي.

فن الخط

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/189477.jpg

يتميز فن الخط بكتابة وهندسة اللغة العربية. وتتميز الكتابة بكونها متصلة، ما يجعلها قابلة للتزوية والاستدارة والتداخل والتركيب والمد. ويرى بعض الباحثين أن خط المسند هو أصل الخط العربي، بينما يرى آخرون أن الخط النبطي هو الأصل. يشار إلى أن الخطوط العربية التي انتشرت في فجر الإسلام، لم يعرف عنها الكثير وكانت لها تسميات عدة، ومنها الحيري والأنباري والملكي والمدني والكوفي والبصري. أما اليوم فهناك مجموعة من الخطوط ومنها الكوفي، والنسخ، والجلي، والديواني، والرقعة، والثلث.


زخرفة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/189475.jpg

يقترن فن الخط العربي بفن الزخرفة الذي يستخدم لتزيين القصور والمساجد، كما يستخدم في تزيين الكتب والمخطوطات ومنها نسخ القرآن الكريم. ويؤمّن الترابط بين الزخرفة والخط العربي، التواصل بين الأصالة والمعاصرة، أي التواصل مع التراث الحي للفن الإسلامي الذي لم يستنفد أبعاده الجمالية والتطبيقية، والتواصل مع المستجدات الحضارية. وتأخذ الزخرفة أشكالاً متعددة، وألواناً عدة أيضاً، لكن تبقى الزخرفة الذهبية هي الأوسع استخداماً، لاسيما في اللوحات التي تخط سوراً من القرآن الكريم.


ميزة وتجارب

رأت الخطاطة المصرية نبيهة الألفي، أن الخط العربي اليوم منقسم بين الحداثة والكلاسيكية، معتبرة ذلك ميزة أساسية لهذا الفن، مبينة أن التأثر بالحداثة يضيف الى لوحة الخط. وقالت إن لوحة الخط تطورت على مر السنوات، ولكن يبقى للوحة الكلاسيكية رونقها، فهي تجذب جمهوراً معيناً، مشيرة إلى أن اختلاف الآراء حول الخط مهم، لاسيما أن كل خط له جمهوره.

ولفتت الألفي إلى أن تبادل التجارب يسهم في تعزيز المستوى الثقافي للفنان، ويسهم هذا في زيادة خبرته. واعتبرت أن أكثر ما يحتاج إليه فن الخط العربي اليوم هو الالتفات إليه، واتخاذ خطوات شبيهة بالتي اتخذتها الإمارات في مجال الخط، إذ دعمت هذا الفن، وأبرزت دور الخطاط من خلال المعارض الكبرى.

وأشارت الخطاطة المصرية إلى الجهود التي تبذلها دولة الإمارات من أجل الحفاظ على هذا الفن العريق، عبر العديد من الفعاليات والمسابقات التي صارت لها شهرة كبيرة بين أوساط الخطاطين المبدعين.

في المقابل، تعاني لوحة الخط حسب خطاطين أكدوا لـ«الإمارات اليوم» أن اقتحام الكمبيوتر لهذا الفن، جعل كثيرين من الناس يتجهون إلى الأسرع والأقل سعراً، رغم أن لوحة الخط العربي تحتل مكانة بارزة بين الفنون الأخرى.

وقال الخطاط العراقي علي حسان الموسوي، إن «فن الخط العربي يعتمد على ذات الفنان، فكلما كانت الحياة ضاغطة ينتج عملاً راقياً، أما لجهة الاستفادة من الحداثة، فبلاشك تسهم في تطور الأعمال».

وأضاف، أن «الحداثة ضربت الخط العربي في الصميم، لاسيما لجهة الخطوط من خلال الكمبيوتر، فقضت على بعض الخطاطين، إذ باتوا يستغنون عن لوحة الخط مقابل منافسة كتابة الكمبيوتر»، لافتاً إلى أن الخط العربي اليوم يعاني كثيراً بسبب الحداثة، وهناك كثيرون من الفنانين تركوا هذا الفن العريق، وتوجهوا إلى مجالات أخرى.

واعتبر الموسوي أن اللون هو البعد الرابع في فن الخط العربي، وهذا ليس حديثاً، ولكن في الحروف العربية اللون يكون لغة قائمة بحد ذاتها، فالحرف هو الذي يأسر النفوس، لاسيما إذا كتب بالأسود، مشيراً إلى أن الحرف يحمل الكثير من المعاني التي تسهل إقامة الحوار بين المتلقي والعمل، فيصاب أحياناً بالخشوع أو يشعر بالحب، وغيرها من المشاعر التي يمررها الخط للمتلقي.

ورأى الخطاط العراقي أن توجه الناس للفنون الأخرى، أتى نتيجة انسلاخ البعض عن لغتهم، إذ إن فن الخط العربي مرتبط باللغة العربية، وبعد الناس عنها أسهم بالتبعية في ابتعاد فنانين عن الخط. وأكد أن التنوع في الرسم والأشكال يسهم في جعل الخط غير ممل، وأنه فن قابل للتجدد دائماً.

من جهته، قال الخطاط الجزائري هشام بن سراي، إن «فن الخط العربي يعيش مرحلة انتقالية حساسة جداً، فقد تطور إلى حد أنه بات جديراً بالاهتمام والرعاية، فتقام له المعارض الكبيرة من قبل الحكومات والمسؤولين، ولكن الجدير ذكره أيضاً هو اهتمام الناس به». وأشار إلى أن أهمية الخط تكمن في ارتباطه بالقرآن الكريم، حتى إن خط النسخ يحمل قداسة وله شأن كبير بسبب ارتباطه بالقرآن الكريم، لافتاً إلى أن الخط العربي فيه من الجمال ما يكفيه حتى يبقى في حالة تقدم وتطور، لاسيما أن كتابته تحمل الكثير من الفن والجهد.

وذكر الخطاط الجزائري أن المرحلة الانتقالية التي يعيشها الخط سببها تطور أدواته، فقد تغيرت أوراق الخط، وكذلك ألوان الكتابة، فقديماً كانت تقتصر على الأسود والأحمر بينما اليوم هناك مجموعة من الأحبار المتنوعة والملونة.

واعتبر أن اللوحة اليوم باتت مختلفة أيضاً من حيث الشكل، فشكلها متأثر بالفنون الأخرى ومنها التشكيل، أو الحروفية المستمدة من اللوحة الكلاسيكية.

من جانبه، قال الخطاط السوري، حسام علي المطر، إن لوحة الخط العربي تأثرت كثيراً بما يحدث في مجالات الفنون المتعددة ومنها التشكيل، مشيراً إلى أن بنية الحرف تجريدية وهناك اتجاه من قبل الجمهور للحروف.

ونوّه بأن «الدول العربية بدأت تلتفت إلى توفير متاحف لفن الخط العربي، وهذا لم يكن موجوداً في السابق، بينما اليوم نشهد نهضة كبيرة وبالذات نسائية في فن الخط ببعض الدول العربية ومنها الكويت حيث أدّرس فن الخط».

ورأى الخطاط السوري أن هناك ازدياداً في الوعي عند الجمهور والخطاطين في ما يتعلق بهذا الفن، لاسيما أن فن الخط يمتاز بحاجته إلى الصبر والنفس الطويل والصفاء الذهني. واعتبر أن هناك تحولاً أيضاً في مركز الخط، موضحاً أن هناك فئة من الذين لا يتمتعون بالثقافة الكافية للنظر إلى لوحة الخط العربي على أنها فن، لذا فالحاجة الأساسية اليوم تكمن في تأمين الثقافة كي يفهم الناس أن هذا فن، وأن يطلق مسمى فنان وليس خطاطاً على من يخط اللوحات، لأن فنان الخط العربي يفكر كثيراً في توزيع الكتلة في الفراغ وتساوي البياض مع السواد، وكل ذلك يدخل ضمن إطار التجريد.

وذكر المطر أن الفرق بين الفنان التشكيلي والخطاط ليس كبيراً، فالخط ليس مقيداً كما يعتقد البعض، ففيه يملك الفنان حرية التصرف، والمساحة واسعة، والكلمة الواحدة يمكنها أن تكتب بـ 50 تصرفاً في نوع واحد من الخطوط، ولكن هناك قيوداً معينة في الطول والامتداد مع الحفاظ على الارتباط الذي يضمن الجمال في اللوحة. من جهته، قال الخطاط الإماراتي محمد عيسى خلفان، إن «لوحة الخط العربي بدأت تنافس الفنون الأخرى، وسابقاً كان الرسم هو الفن الأبرز، ولكن اليوم هناك منافسة من قبل الخطاطين، وثمة مسابقات تنظم جوائز، وفي الإمارات مثلاً هناك مسابقة البردة التي تعد عالمية، وتحتفي بالخطاطين».

واعتبر أن الخط في الإمارات في حالة صعود، إذ تلعب دوراً بارزاً في تطوير لوحة الخط في المعارض والمسابقات والمشاركات، وعلى الرغم من كون الكلاسيكية ضرورية للخطاط، إلا أن التنويع والتطوير مهمان في اللوحة.

ولفت إلى أن اللون في السابق لم يكن أساسياً، واليوم دخل بشكل أساسي على اللوحة، والخطاط يلتزم بقاعدة الحرف العربي، منبهاً إلى أن الخط يأخذ من الفنون الأخرى المختلفة ويطور فيها، إذ استفاد من الغرافيتي والتشكيل، مع الالتزام بالقاعدة، كي يبقى الخط محافظاً على أصوله. أما المعاناة الأساسية للخط العربي، حسب خلفان، فهي دخول الكمبيوتر، إذ إنه يمكن إنجاز العمل بسرعة، ولكن لابد من الإشارة إلى أن خط الكمبيوتر ليست له روح، بينما الخطاط العربي يقدم لوحة تحمل روحاً بداخلها.

تويتر