18 عاما من صناعة الدهشة

"دبي للتسوق" ... البهجة في متناول اليد

صورة

لم تكن حفلة شواء يوم الخميس التي قررت العائلة التي تتألف من خمسة افراد القيام بها مختلفة في البداية، كل شيء جاهز في حديقة المنزل للشواء. الأطفال تجمعوا للعب، الطعام وضع على الطاولة وأشعلت النار. فجأة بدأت تتزين دبي بالمفرقعات النارية التي ملأت السماء بالألوان دون ان يكون هذا اليوم عيدا، أدخلت هذه المفرقعات البهجة على المنزل، البعض فرح بالألوان التي تنطلق بعيدا في الأعلى، والبعض أخذ هاتفه لتصوير المشاهد للذكرى. أما المناسبة، فكانت انطلاقة مهرجان دبي للتسوق الذي يحمل عنوان "دبي أروع في مهرجانها". هذه البهجة التي تدخل البيوت دون استئذان، تطرح في الأذهان سؤالا واحدا، كيف تنجح هذه الامارة في أن تكون أروع في مهرجانها؟

صناعة الدهشة
تنطلق الاجابات التي يمكن أن تعطى على هذا السؤال من حلة المهرجان الذي يعمل على صناعة الدهشة ويدخلها إلى قلوب الكبار وينجح في رسم الفرح على وجوه الأطفال. كل شيء في دبي مختلف. الشوارع زينت بالأضواء التي تحولها إلى مدينة براقة بالاحلام، الاعلانات والبرامج التلفزيونية مطعمة بأجواء الفرح، الشوارع التراثية القديمة ترتدي لباس المرح المعاصر المحاك بشكل استثنائي لهذه الامارة التي تجذب أنظار العالم بكل ما تصنع. كل ما في دبي التي شيدت أعلى ابراج العالم، يجذب الناس خلال هذا الشهر، من الخليج والعالم العربي والغربي، لأنها حرصت عبر فعالياتها الخاصة بشهر التسوق على تعبيد الجسور الثقافية التي تربط الامارات بكل العالم. كل شخص يعيش في دبي وكل زائر يقصدها في هذه الفترة، مع اختلاف الأعمار والجنسيات، له حصته الخاصة من الترفيه.
 

الفرحة تأتيك اينما حللت، العائلة نفسها التي كانت تعد حفلة الشواء، تتجه الى مراكز التسوق تأخذ نصيبها من البهجة مع العروض الراقصة، واستعراضات الشخصيات الكرتونية المشهورة، بينما اختلطت على وجوه الأطفال الألوان التي تجسد أبطالهم الكرتونيين كـ "سبايدر مان" و"بن تن" مع الابتسامات البريئة التي تحاكي أحلام الصغار. الكرنفالات التي تنطلق في هذا المهرجان، تخرجهم لا إراديا عن نظامهم الروتيني، لتبديل كل برامجهم اليومية. زيارة مراكز التسوق التي تكون عادية بهدف التبضع أو تناول الغذاء، تتمدد بشكل عفوي مع بداية العروض الراقصة أو عروض العاب الخفة أو المهرجين. يتوقف رواد مراكز التسوق، ليستمتعوا بالعروض، ويصورون الكثير مما يرونه، يحملون معهم الذكريات يخبئونها في ذاكرة هواتفهم، كما يعيدون ترتيب ذاكرتهم البشرية ليخصصوا مساحة لهذه اللحظات الجميلة بهدف استعادتها لاحقا كذكرى لا تتكرر وسردها في سهرات حميمية تجمع أفراد العائلة.

حياكة الأمل
حياكة الامل في دبي هو العنوان الأبرز لهذه المدينة التي طالما نجحت في تخطي التوقعات. كل الأجواء التي تنشر البهجة تدعو المقيمين والزائرين للوفاء إلى هذا البلد الذي قدم من خيراته وأمانه الى كل من يطأ أرضه، وليس هناك أفضل من نسيج الولاء للتعبير عن محبة الامارات وولائهم لها في واحة السجاد والفنون. فقد غرز زوار الواحة ولائهم عبر هذه السجادة، أو التي يمكن القول بأنها لوحة تحمل صورة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، فكانت حافلة بالمحبة والدفء تماما كما تحمل السجادات المحاكة بالألوان مشاهد تعبيرية جميلة وتنشر الدفء عبر صوفها في هذه الواحة.


أما الابداع فلا يتوقف عند حدود الابهار، فالخروج عن المألوف وتقديم كل ما يجعل المهرجان الأكثر تميزا ضمن المهرجانات العالمية الشبيهة، هو تحد يجعل دبي في بحث دائم عن المبادرات الأولى والسباقة. تركب دبي القطار السريع بهدف الوصول إلى المراتب الأولى مع تجددها في مهرجان التسوق في كل عام، وقد نجحت في جعل الموضة تركب القطار السريع ايضا في عرض هو الأول من نوعه. فقد تحول مترو دبي الى منصة عرض، لا ينقصها اي شيء من منصات العرض الخاصة بالأزياء، منصة مرور العارضات، والموسيقى، بينما كانت الاضاءة طبيعية بفعل الشمس التي دخلت بنورها ودفئها المترو. كم هو مبهر تنقل العارضات في المترو عبر شارع الشيخ زايد وتقديمهن على انغام الموسيقى احدث صيحات الموضة التي تجذب النساء اللواتي يبحثن عن اطلالة عصرية، وكذلك الرجال الذين لا يمكن ان تنسى الموضة احتياجهم الى كل ما هو جديد ومختلف.

نبض التراث
المدينة الساحرة التي لا تقل جمالا وتحضرا عن المدن العالمية كلندن أو نيو يورك، لا تعتزل الاتشاح بأثواب التراث عبر الشوارع القديمة. تراثها وحضارتها يتمازجان مع حضارات العالم، نبضها التراثي، هو شريان حاضرها وماضيها في آن، وبه تبوأت مكانا مميزا. لذا تنقل مختلف الجنسيات عبر شارع السيف في جولة الى مدن العالم المختلفة مع التذكارات العبقة برائحة هذه البلدان. يتجاور في هذا الشارع الذي يقع على خور دبي، الشاهد على ماضي وحاضر دبي، وكذلك سيكون على مستقبلها. مجسمات لتماثيل من العالم، بدءا من تمثال الحرية ووصولا الى جسر ابراج لندن وبرج خليفة، كلها تجتمع لتؤكد على التنوع الذي يتميز به المهرجان. هذا التنوع الذي لا يمكن ان تجده سوى في هذه المدينة التي تجمع أكثر من 200 جنسية.
وبينما تعد البرامج الترفيهية الاساس لكل عائلة، لا تنفك العائلات العربية التي تعيش في الامارات وتعايش مختلف الجنسيات عن التفاعل مع الحضارات الاخرى. أوجد مهرجان التسوق الفرصة لمحبي الاضطلاع على الحضارات مخيم البادية الذي يقدم مشهدا مختصرا عن حضارة وثقافة العديد من البلدان ومنها الإمارات واليمن والأردن وكينيا والمغرب والهند وموريتانيا ومصر.

مسرح الحياة
مسرح الحياة اليومية ليس دراميا كما أنه ليس راقصا، فهو واقعي الايقاع، لكن مهرجان دبي أكسبه ايقاعا مختلفا مع المسرحيات التي استضافها. فقد نصب الغجر خيامهم بالقرب من برج خليفة، وقدموا مع مروان وغدي الرحباني، المسرحية الغنائية "ع أرض الغجر"، والتي تجمع الرقص والشعر والتمثيل والغناء، لتأخذ الناس الى عالم ساحر عبر الموسيقى الحالمة. هذه المسرحية نجحت في ايجاد لحظات مميزة عند المشاهدين، كما الذين شاهدوا مسرحيات أخرى كمسرحية ريتشارد الثاني، ومسرحية رسائل حب. وقد استطاع المهرجان مرة جديدة اثبات قدرته على تقوية مداميك الثقافة في الامارات في قالب خفيف يجذب اهتمامات الناس خلال هذا الشهر.
 

هذا المهرجان بلغ اليوم عامه 18، بدأ صغيرا وبات اليوم راشدا، بحجم الخبرات التي كونها القيمون عليه خلال الأعوام السابقة. ترعرع جيلا كاملا في الامارات مع المهرجان، نضجوا وكبروا على سياسة كسر المستحيل، فالامارة التي شيدت أعلى ابراج العالم في وسط الصحراء، باتت على خارطة العالم حتى في جعل المهرجان تجمعا ولقاء سنويا لكثيرين، فكما يقول البعض "زيارة الاقارب لا يجب أن تكون الا في هذا الشهر، الكرنفالات في كل مكان ومن حيث لا تدري". وبيد أن الكرنفالات المفاجئة موجودة في كل مكان، فهناك الكثير من العروض المنظمة التي يحرص المهرجان على الاعلان عنها لتوفير فرصة مميزة للموجودين على ارض الامارات بالاستمتاع بها، منها كرنفال دبي الدولي للكوميديا، والحفل الموسيقى لعمر خيرت، وسيرك أورفي وواحة الشاي، والحفل الغنائي لفرقة سلاش.

العائلة هي الثبات
على الرغم من أن العنوان الذي تقع تحته كل هذه الاحتفالات هو التسوق، الا ان الأخير ليس هو الهدف الأوحد من المهرجان، فالكرنفالات المتنقلة تحول دبي الى مدينة مسكونة بالبهجة. التسوق هو التحصيل الحاصل في هذا الشهر، لكن صياغة جو الفرح وبثه في نفوس كل افراد العائلة هو المهمة الأبرز. تتبدل الكرنفالات في كل عام وتتغير الفعاليات، لكن وحدها العائلات التي تستمتع بكل ما يتقدم هي الثبات الوحيد. لا يمكن ان تحضر الفعاليات وتغيب العائلة، فقد نجح المهرجان في بناء علاقة مميزة مع الناس، من خلال ملامسة احتياجاتهم الى جرعات ترفيهية وتقديمها في اطار زاخم على مدى شهر، مع الحرص على ان تكون هذه الجرعات متنوعة في توجهها الثقافي والترفيهي.
أما العائلة التي جالت كل هذه العروض والفعاليات، استمتعت بكل ما قدم، وعادوا افرادها الى البيت مع الكثير من التذكارات والذكريات الجميلة. وحتما ستجتمع هذه العائلة كما في كل خميس، سيحضرون كل أغراضهم الخاصة للشواء، في الحديقة عينها. لن تباغتهم الأفراح التي ترسم على كل الوجوه دون استثناء، ولن تقصد ديارهم كما فعلت. المهرجان شارف على النهاية، وموعدهم معها في العام المقبل مع مهرجان التسوق، لأن دبي فعلا أروع في مهرجانها.

 

تويتر