خواتم سلطانية وأعمال هندسية وانعكاسات ضوئية

مهرجان الشارقة للفنون الإسلامـــــية.. الأصالة بروح الحداثة

صورة

تمكن مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الـ‬15، من المزاوجة بين فنون إسلامية راسخة وتقليدية وأخرى يمكن وصفها بالمعاصرة، لاسيما ما تطرحه تلك الفنون من مفاهيم جديدة مواكبة لما هو حاصل في الساحة الفنية الحديثة، غير أن الرابط بين تلك الأعمال المتنوعة في وسيلة الطرح، ذلك الطابع الإسلامي الأصيل.

وتنوعت المشاركات في المهرجان، الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في متحف الشارقة للفنون في منطقة قلب الشارقة أول من أمس، ويستمر لغاية ‬12 يناير المقبل، إذ بلغ إجمالي الأعمال المعروضة نحو ‬1700 عمل فني منها أعمال تركيبية وفيديو ولوحات كلاسيكية ومجسمات، إضافة إلى الفنون التطبيقية والغرافيك والخزف والحلي والسجاد.

ولأن الفن الإسلامي مصدر مهم وتراث إنساني غني بالقيم، استطاع الفنان رشاد أكبروف من أذربيجان أن يحقق الدهشة المعاصرة في عمله التركيبي «أربع كلمات من الشرق»، إذ إن أكبروف يبدع بطبيعته أعمالاً تركيبية مدهشة تفوق توقع الزائر، إذ يقوم بجمع أشياء مختلفة أمام مصدر ضوء لتنعكس بظلها على الحائط أو الأرض لتكون لوحة فنية جديد مخالفة تماماً عن الشكل الأصلي للمواد المتراكمة والمتراصة فوق بعضها، التي في النهاية قد تسبب صدمة كبيرة للمتفرج الذي يستخف في بادئ الأمر بالمواد عديمة القيمة التي يرصها الفنان وما ان ينعكس ظلها على الحائط كما في عمل بورتريه رجل شرقي الذي شكل من الظلال صورة لمدينة اسلامية ظهرت قباب ومآذن مساجدها التي هي في الأصل تعود لمواد عبارة عن ملاعق وأطباق وزجاجات بلاستيكية وحبال.

وما يميز أكبروف وأعماله التي كانت حاضرة بقوة في المهرجان قدرته على أن ينقل المجسم الشكلي للمواد المجموعة ليحولها عبر الظلال إلى مفاجأة سارة، فعلى سبيل المثال عمل «أربع كلمات من الشرق» هو في الأصل عبارة عن مجموعة من الأخشاب المتداخلة والمتشابكة بواسطة مسامير بسيطة سُلط عليها ضوء فعكست ظلالها على الحائط فكونت زخرفة اسلامية غاية في الدقة من ناحية الزوايا والأضلاع.

أجواء سلطانية

صراع التقاليد

دفع التوتر الكامن في الصراع القائم بين التقاليد القديمة والعصرية بالفنان الكندي ذي الأصول الشرقية باباك غولكار، إلى الابداع في تجربة عمق التوتر عبر فن التصوير والفيديو والفن التركيبي، ليصل إلى أبعاد جديدة تحسب له في عالم الفن منها أبعاد جمع فيها بين مفهوم العمارة الحديثة والصناعات التقليدية والمنمنمات.

ويمتاز غولكار الذي يشارك في مهرجان الفنون الإسلامية بمجموعة من الأطر ذات التشكيلات الهندسية الدقيقة التي تحمل بين طياتها نموذجاً من العمارة التي تشكلت من منمنمات زخارف السجاد الايراني، كما ترجم انتماءه للشرق عبر العلاقة بين الظل والنور، إذ اعتمد على إطار اللوحة المتجزأ ليعكس من خلاله انعكاس ظلاله نماذج للعمارة الإسلامية منها المساجد وقبة الصخرة وبرج أزادي في طهران ومسجد آيا صوفيا في اسطنبول وتاج محل في الهند.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2012/12/02121.jpg

من تركيا يشارك الفنان ومصمم المجوهرات التركي سيفان بيتشاكتشي، أو المعروف بـ«سيد الخواتم»، إذ ينقلنا هذا الفنان في جولة مميزة بين مساجد اسطنبول العريقة منها الجامع الأزرق وآيا صوفيا بقبابها الأصيلة، وذلك عبر خواتم يشارك بها للمرة الأولى في مهرجان الفنون الإسلامية، إذ لا تخلو أعمال بيتشاكتشي من التقاليد الإسلامية التي يستلهمها من جدران مدينة اسطنبول القديمة التي عاش بين جنباتها منذ الطفولة، وهذا ما يبدو جلياً في تصاميم الخواتم التي تعكس روح مدينته الأم التي تزدان بروائع الهندسة المعمارية الإسلامية والعثمانية.

ويعرض بيتشاكتشي تشكيلة مكونة من خمسة خواتم تم تصنيع كل قطعة منها يدوياً، إذ يمزج الفنان عناصر عديدة من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة والألماس والعتيق ورسوم الأكريليك والزجاج الملون والخزف والسيراميك الذي يتم استخدامه في الأعمال الفسفسائية فائقة الدقة، ولا تخلو خواتمه من العاج وخشب الأبنوس والصدف ولؤلؤ بحر الجنوب العملاق، ويستخدم الفنان تقنيات حرفية مختلفة في صنع تلك الخواتم منها النحت الغائر والرسم الدقيق والتخطيط اليدوي والطلاء بالمينا ونقش المعادن.

عشوائية السجاد

الفنان الأذربيجاني فايق أحمد أعاد تفكيك السجاد الأذربيجاني التقليدي وبنيته بشكل عشوائي مع تغيير ترتيب المكونات الناتجة من التركيب التقليدي، على أن يدمج هذه الأجزاء بقوالب وأشكال نحتية معاصرة، لاسيما أن أحمد يرى أن القرارات والآراء لدى الأشخاص تتأثر بمرحلة الطفولة، إذ لو تمكنا من معرفة تفاصيل حياة شخص ما كافة، يمكننا أن نتوقع ردود أفعاله واختياراته المستقبلية.

ويعتبر الفنان أن السجادة تعد رمزاً من رموز الشرق التي لا تندثر، لذلك يتصور الثقافة في أعماله الفنية التي يعتبرها ردة فعل، فالتغيير في وجهات النظر هو الذي يغير العالم، وكذلك التغيير في شكل السجادة التقليدية يعد تغييرا بشكل كبير في تركيبها وربما يجعلها ملائمة للحياة العصرية التي نعيشها الآن.

أما انعكاسات الفنانة السورية رزان صباغ، فقد استلهمت موضوعات أعمالها من المرأة وقضاياها، لتكون محور لوحاتها التي تستخدم في تجسيدها أكثر من تقنية وألوان إلى جانب الزخارف الهندسية الإسلامية التي تجمع بين جوهر تلك الثقافة والواقع المعاصر للمرأة.

وإلى جانب عملها سجادة حديثة قدمت الفنانة لوحات منها انبعاث ونفوذ الاسلام وشرق ملون وسلام الاسلام، إذ تقدم تقنيات الطباعة إلى جانب عملها الحر، كما طورت في أعمالها الطباعة الرقمية مستخدمة الكولاج الوسائط الفنية المتنوعة.

ألحان منمنمة

تبحث الفنانة الايرانية سودي شريفي من خلال أعمالها الفنية، عن هوية الانسان الذي يعيش بين ثقافتين متناقضتين، خصوصاً انها عاشت معظم حياتها في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تناولت في مشاركتها العالمين الداخلي والخارجي من خلال تلك الأعمال التي جمعت بين المنمنمات الإسلامية التي تنتمي للحضارة الايرانية والحضارة المعاصرة.

واستلهمت الفنانة من رسوم الأولين (الملحمية وأساطيرهم)، موضوعات لوحاتها مستبدلة الشخوص من خلال الرسم والكولاج بشخصيات معاصرة لتبرز ذلك التناقض في ثقافات المجتمع بين الماضي والحاضر وبين المجتمعين الشرقي والغربي.

وتتجلى في لوحاتها مجموعة المنمنمات براعتها واتقانها لهذا الفن الذي يحتاج إلى الكثير من الدقة والصبر في رسم التفاصيل التي نجحت في ادخال عناصر الحداثة إليها مع الحفاظ على روح ووحدة العمل الفني.

تويتر